تشهد العلاقات التجارية بين مصر والصين تحولاً نوعياً يعبّر عن دخول البلدين مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادى تتجاوز حدود التبادل السلعى إلى بناء شراكات صناعية واستثمارية طويلة الأمد، فبحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية لعام 2024، احتفظت الصين بموقعها كأكبر شريك تجارى لمصر للعام الحادى عشر على التوالى، حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين الجانبين نحو 13.9 مليار دولار خلال عام 2023، هذه الأرقام تعكس عمق الترابط الاقتصادى واتساع مجالات التعاون بين البلدين. وربما أكثر ما يلفت الأنظار فى تطور العلاقات المصرية-الصينية هو التحول فى فلسفة التعاون نفسه، فبعد أن كانت مصر ينظر إليها كسوق واعدة للمنتجات الصينية، أصبحت اليوم شريكاً فى التصنيع والتصدير، لا مجرد مستهلك، فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وحدها، تخطط الشركات الصينية لزيادة استثماراتها بنسبة 40% خلال هذا العام فى قطاعات البطاريات الكهربائية والطاقة الشمسية والمنسوجات، بحسب ما أعلنه ليو جيانج نائب رئيس مجلس الأعمال المصرى - الصينى لصحيفة Global Times الصينية، هذه الخطوة لا تعكس فقط ثقة الصين فى الاقتصاد المصرى، بل أيضاً رغبتها فى جعل مصر مركزاً إقليمياً للتصنيع وإعادة التصدير إلى إفريقيا وأوروبا، مستفيدة من موقعها الجغرافى واتفاقياتها التجارية الواسعة. وتسعى الحكومة المصرية بدورها إلى تحويل هذا التوسع إلى قيمة مضافة حقيقية، من خلال برامج نقل التكنولوجيا وتدريب العمالة المصرية داخل المناطق الصناعية الصينية - المصرية، خصوصاً فى منطقة السويس التى تحولت إلى نموذج يحتذى فى الشراكات الدولية المتوازنة، كما أُعلن خلال هذا الشهر نوفمبر 2025 توقيع مذكرة تفاهم جديدة لتوسيع التعاون فى Suez Canal Economic Zone بهدف تسريع تخصيص الأراضى والبنية التحتية وتعزيز سلاسل الإمداد الصناعية. وفى السياق نفسه، استضافت القاهرة المنتدى المصري-الصينى للاستثمار الذى جمع أكثر من 200 شركة من الجانبين، حيث تم التركيز على مشروعات الاقتصاد الرقمى والطاقة النظيفة، وأكد السفير الصينىبالقاهرة لياو لى تشانج خلال المنتدى أن بلاده تعتبر مصر «البوابة الأهم نحو إفريقيا والشرق الأوسط»، مشدداً على أن المرحلة القادمة ستشهد انتقالاً من التجارة التقليدية إلى التصنيع المشترك وتوطين التكنولوجيا. كما يشكل انضمام مصر إلى تجمع «بريكس» عام 2024 خطوة استراتيجية تعزّز موقعها ضمن منظومة التجارة الدولية التى تقودها الصين، وتفتح أمامها آفاقاً جديدة للتصدير نحو الأسواق الآسيوية والإفريقية. وفى الحقيقة، لا تمثل الواردات الصينية عبئاً على الاقتصاد المصرى كما يعتقد البعض، بل أصبحت جزءاً أساسياً من منظومة الإنتاج المحلية، إذ تعتمد مئات المصانع على الخامات والمنتجات نصف المصنعة القادمة من الصين لاستكمال مراحل التصنيع داخل مصر وتحقيق قيمة مضافة تعزز القدرة التصديرية، ومع ذلك، يظل الطريق مفتوحاً أمام مصر لتعزيز صادراتها إلى الصين نفسها، وبناء شراكات صناعية مشتركة تسمح للمنتج المصرى - الصينى بدخول أسواق جديدة، هذه المعادلة - الاستفادة من الواردات مع توسيع الصادرات -هى ما يمكن أن يصنع التوازن الحقيقى فى الميزان التجارى ويدفع الشراكة المصرية - الصينية إلى مستوى أكثر تأثيراً واستدامة.