بقلم: محمود عوض حبيبتى.. من الورد عطرك، ومن النيل قلبك، ومن المحيط صبرك، ومن الليل شعرك، ومن السحر شفتاك، ومن السماء أحلامك، وبالخلود ماضيك، وإلى النجوم مستقبلك. فيكِ يا حبيبتى رقة ملكة، وسحر شيطانة، وإخلاص أم، وإيمان قديسة، وحلاوة عاشقة، ونزوات فنانة. أراكِ أحياناً تقرأين كتاباً لطه حسين، ثم تستمعين لأغنية من أم كلثوم، فأرى على وجهك نفس المتعة. إنك تحتفظين فى داخلك بالنار والثلج معاً، وتشعين حولك الاستخفاف والجدية معاً. وتُخرجين من صدرك أنفاس الرقة والحدة معاً. إنك أصبتِ يا حبيبتى بوعكة، واجتمع الأطباء حول سريرك، وبدأت الهمسات خفيفة فى البداية .. ثم شيئاً فشيئاً ارتفعت أصواتهم. قال أحدهم إنك تعانين من فقر الدم ! وقال ثانيهم إن المشكلة طبياً هى فقر الثروة ! وقال ثالثهم إنه فقر المستقبل ! ثم بدأ الحديث عن العلاج.. نصحك الأول بتغيير دمائك، ونصحك الثانى بتغيير عنوانك، ونصحك الثالث بتقديم استقالة من المستقبل ! إننى تطلعت فى وجوههم، فلم أعرف أحداً منهم، فقد بدت وجوههم شاحبة، وأسنانهم متساقطة، وأذرعتهم مسترخية ! إنهم يدعون حباً، وينطقون حباً، ويقسمون حباً، ولكنه حب أقرب إلى الكراهية المتنكرة، والإشفاق القاتل ! إنهم يظنون وعكتك مرضاً، ومرضك قاتلاً، فهم من الآن يعدون لك شهادة الوفاة ! ولكن الدنيا يا حبيبتى تموت ولا تصيبك أعراض الوفاة . إنك تريدين الراحة ؟ فليكن، ولكنها ليست راحة من الحياة . تريدين الثروة ؟ إنها موجودة، وهى ثروة قلوب تحس بجمالك، وعقول نحتاجها لكى تحميكى. تريدين الطمأنينة ؟ إنها حقك أكيد. حقك فى رؤية عشاق يتحملون فى سبيلك أمطار ألف شتاء .. وخبطات ألف مطرقة .. وطعنات ألف سكين. لقد ارتكبنا فى حقك أخطاء تجعل عمرنا فى عمر المائة .. ولكننا أدركنا فى جمالك سحراً يجعل قلوبنا فى عمر الربيع. إن الجمال يا حبيبتى هو كالشمس.. يغرى الثعابين بالخروج من جحورها. وفى حياة نعيشها داخل الغابة، يصبح من الضرورى دائماً أن نتسلح بالقوة. إنك تريدين الخير لنفسك وللآخرين. إن الأطباء حولك يتبادلون المشورة ويسجلون العلاج، ولكن علاجهم خاطئ لأن تشخيصهم خاطئ. إننى أرفض علاجهم ولا أتحمل آلامك. إنها آلام كبيرة لا تشفيها نفوس صغيرة. الأم قابلة للشفاء حتماً، وهم ينافقون حينما أقول لهم ذلك. إنهم يمصمصون شفاههم قائلين : إن من الغباء أن أكون متفائلاً. حسناً يا حبيبتى. إذا كان الأمر كذلك.. فإن من الحكمة أن أكون متفائلاً. «أخبار اليوم» - 29 أبريل 1978