أصابت هزيمة 5 يونيو 1967 شيخ الكتّاب توفيق الحكيم باليأس والإحباط مثلما أصابت أغلب الكتّاب والمثقفين والفنانين وكافة المبدعين، لكن توفيق الحكيم انتفض من مكانه فى اللحظة التى شاهد فيها على شاشة التلفاز جنودنا الأبطال وهم يعبرون قناة السويس بالقوارب المطاطية ويتسلقون بأسلحتهم الثقيلة الساتر الترابى لخط بارليف فأمسك بقلمه ليعبر عن مشاعره فى مقال قصير بجريدة «الأهرام» بعنوان «عبرنا الهزيمة» قال فيه : «عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم الوثبة، فيها المعنى، أن مصر هى دائماً مصر، تحسبها الدنيا قد نامت ولكن روحها لا تنام، وإذا هجعت قليلاً فإن لها هبة، ولها زمجرة ثم قيام، وقد هبت مصر قليلاً وزمجرت ليدرك العالم، ما تستطيع أن تفعل فى لحظة من اللحظات، فلا ينخدع أحد فى هدوئها وسكونها، وكانت يدها التى بدرت منها حركة اليقظة هى جيشها المقدام بصيحة رئيسها الوطنى بالقيام، سوف تذكر مصر فى تاريخها هذه اللحظة بالشكر والفخر، نعم، عبرنا الهزيمة فى الروح، وشعرنا أنه قد حدث ويحدث فى داخلنا شىء، لقد كان جو الهزيمة جو سجن واختناق، والآن نحن نتنفس هواء نقياً، هواء الحرية والانطلاق، وهذا هو المعنى الحقيقى للانتصار، إنه ليس فى مجرد كسب المعرفة الحربية، بل هو فيما يحدث فى النفوس بعدها ونتيجة لها. إن الكسب الحقيقى للمعارك الحربية إنما هو فى نوع الجهاد ودرجة البسالة وروح البطولة، وليس فى مجرد الكسب المادى المعتمد على المعدات والآلات، وكسبنا الباقى لنا دائماً بعد اليوم هو فى الروح التى انطلقت عن سجن الإحساس بالهزيمة، هزيمة النفس التى لم تقاوم ولم تجاهد، روحنا المنطلقة اليوم بعد جهادها البطولى هى التى سوف تتجلى غداً فى الأعمال الرائعة التى ينتجها الفكر المصرى فى مجالاته العديدة». توفيق الحكيم