في كل عام، وتحديدًا في 12 أكتوبر، يتجدد النداء العالمي لرفع الوعي بمرض الروماتيزم ذاك "العدو الصامت" الذي يبدأ بآلام بسيطة في المفاصل، لكنه قد يتحوّل بمرور الوقت إلى مرض مزمن يهدد العظام والعضلات، بل ويمتد تأثيره إلى القلب والرئتين والعينين. 8 أعراض مبكرة تنذر بخطر الإصابة بالالتهاب المفاصل.. لا تتجاهلها وفي اليوم العالمي للروماتيزم لعام 2025، تدعو المنظمات الصحية حول العالم إلى نشر الوعي والكشف المبكر عن التهاب المفاصل الروماتويدي، أحد أكثر أمراض الروماتيزم شيوعًا وخطورة، خاصة مع تزايد معدلات الإصابة بين الفئات العمرية المتوسطة والنساء بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. ما هو مرض الروماتيزم؟ الروماتيزم ليس مرضًا واحدًا كما يعتقد البعض، بل هو مجموعة تضم أكثر من 100 اضطراب تصيب المفاصل والأنسجة الضامة والأربطة والأوتار. ويُعد التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid Arthritis - RA) أكثرها شيوعًا، وهو مرض مناعي ذاتي مزمن يهاجم فيه الجهاز المناعي أنسجة الجسم السليمة عن طريق الخطأ، مما يؤدي إلى التهاب بطانة المفصل (الغشاء الزليلي) وتورمها، ومع مرور الوقت يتآكل العظم والغضروف ويتشوّه المفصل. يختلف هذا المرض جذريًا عن الخشونة المفصلية (الفُصال العظمي) الناتجة عن تآكل المفصل بفعل التقدم في السن أو الاستخدام المفرط، إذ أن الروماتويد مرتبط باختلال المناعة الذاتية وليس بالعوامل الميكانيكية فقط. - أعراض تنذر بالخطر يؤكد الأطباء أن الاكتشاف المبكر هو المفتاح الذهبي لتقليل المضاعفات. ومن أبرز الأعراض التي تستوجب مراجعة الطبيب فورًا: - ألم مزمن في المفاصل يصاحبه تورم ودفء عند اللمس. - تيبّس صباحي يستمر أكثر من 45 دقيقة. - الإرهاق العام وفقدان الشهية والحمّى المتكررة. - تورّم المفاصل الصغيرة (اليدين والقدمين) في الجانبين معًا. - صعوبة في أداء الأنشطة اليومية مثل الإمساك بالأشياء أو المشي. ولا يقتصر المرض على المفاصل فقط، بل قد يمتد إلى العينين، الرئتين، القلب، الجلد، والأوعية الدموية، مما يجعله مرضًا جهازيًا يحتاج إلى متابعة دقيقة من أطباء متعددي التخصصات. - قصة مريضة تكشف المعاناة تروي فيرجينيا ويمر، وهى مريضة أمريكية من ولاية مينيسوتا، تجربتها على موقع "مايو كلينيك"، قائلة إنها بدأت تشعر بآلام متكررة في الركبتين والمعصمين بعد ممارستها الرياضة، لكنها لم تعر الأمر اهتمامًا في البداية. تدهورت حالتها حتى بات الألم يمنعها من اللعب مع طفلتها، فخضعت لفحوص أظهرت إصابتها بالروماتويد. وتقول فيرجينيا: كنت أظن أنني مصابة بإجهاد عضلي بسيط، لكن بعد التشخيص أدركت أن المرض كان يهاجم جسدي بصمت منذ سنوات. وبفضل العلاج الموجّه الذي تضمن أدوية الميثوتريكسيت والكورتيزون الحيوي، إلى جانب برنامج علاج طبيعي مستمر، تحسنت حالتها بشكل كبير. وتوضح الطبيبة المعالجة أن السيطرة على الالتهاب مبكرًا يمكن أن تمنع تشوه المفاصل وتحد من خطر أمراض القلب الناتجة عن الالتهاب المزمن. - أسباب وعوامل خطر حتى الآن، لا يوجد سبب محدد معروف لالتهاب المفاصل الروماتويدي، لكن الأبحاث تشير إلى أنه ناتج عن تفاعل معقد بين الجينات والعوامل البيئية، مثل العدوى الفيروسية والتدخين والضغوط النفسية. ومن أبرز عوامل الخطر المعروفة: 1- النوع: النساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال بثلاثة أضعاف. 2- العمر: غالبًا ما يظهر بين سن 30 و60 عامًا، لكنه قد يصيب الأطفال أيضًا. 3- الوراثة: وجود حالات مشابهة بالعائلة يرفع خطر الإصابة. 4- التدخين: أحد أهم العوامل البيئية التي تفاقم المرض وتضعف فاعلية العلاج. 5- السمنة: تزيد الضغط على المفاصل وتؤثر على الاستجابة الدوائية. 6- مشكلات اللثة: إذ أظهرت الدراسات علاقة بين التهاب اللثة المزمن والروماتويد. - العلاج والسيطرة على المرض لم يعد الروماتيزم حكمًا بالإعاقة كما كان في الماضي، بفضل التطور الطبي الكبير في العقود الأخيرة. تتضمن الخطط العلاجية الحديثة مزيجًا من: - الأدوية المعدّلة لمسار المرض (DMARDs) مثل الميثوتريكسيت والسلفاسالازين. - العلاجات البيولوجية الحديثة التي تستهدف بروتينات محددة في الجهاز المناعي (مثل Anti-TNF). - الكورتيزون بجرعات محسوبة للسيطرة على النوبات الحادة. - العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل للحفاظ على مرونة المفاصل. - العلاج النفسي والدعم السلوكي، إذ يسبب المرض ضغوطًا نفسية مزمنة على المريض وأسرته. ويشدد الأطباء على أن العلاج المبكر والمستمر هو ما يصنع الفرق بين مريض يحتفظ بحياته الطبيعية وآخر يعاني من مضاعفات طويلة الأمد. - مضاعفات محتملة إذا لم يُعالج تلف وتشوه المفاصل الدائم. هشاشة العظام بسبب المرض أو الكورتيزون. العُقَد الروماتويدية في الجلد والرئتين. جفاف العين والفم نتيجة متلازمة شوغرن الثانوية. العدوى المتكررة بسبب ضعف المناعة. متلازمة النفق الرسغي نتيجة الضغط العصبي في اليد. مشكلات القلب والرئة مثل التليف أو التهاب التامور. زيادة خطر الإصابة بالسرطان اللمفاوي في بعض الحالات المزمنة. - الجانب النفسي للمرض تشير الدراسات إلى أن أكثر من 40٪ من مرضى الروماتويد يعانون من الاكتئاب أو القلق نتيجة الألم المستمر وصعوبة الحركة. ولهذا، أصبح العلاج النفسي جزءًا أساسيًا من خطة الرعاية، إلى جانب دعم الأسرة والمجتمع. فالمريض يحتاج إلى أن يشعر أن مرضه لا ينتقص من قيمته أو قدرته على العطاء. - التكنولوجيا في خدمة المرضى مع التحول الرقمي في الرعاية الصحية، بات بإمكان المرضى متابعة حالتهم عبر تطبيقات ذكية ترصد نشاط المفاصل وتنبه الطبيب حال تفاقم الأعراض. كما ساهمت الأجهزة القابلة للارتداء في قياس مستوى الحركة اليومية، ومراقبة استجابة المريض للعلاج، مما حسّن من جودة الحياة وقلل من النوبات الحادة بنسبة تتجاوز 30٪ وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية. رسالة اليوم العالمي للروماتيزم 2025 يرفع اليوم العالمي للروماتيزم هذا العام شعار "التحرك المبكر.. حياة بلا ألم"، في دعوة مفتوحة لكل من يشعر بآلام مزمنة في المفاصل لعدم تجاهلها، وللأطباء لتعزيز برامج الكشف المبكر والتثقيف الصحي. وتختتم منظمة الصحة العالمية حملتها لهذا العام بالتأكيد على أن الروماتيزم ليس نهاية الطريق، وأن التعايش معه ممكن تمامًا إذا جرى التشخيص المبكر والالتزام بالعلاج واتباع نمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة، الرياضة الخفيفة، والامتناع عن التدخين. الروماتيزم ليس مرضًا عابرًا، بل اختبار للإرادة والوعي. فكلما عرف الإنسان أكثر عن جسده، زادت فرصه في النجاة من الألم. وفي اليوم العالمي للروماتيزم 2025، تذكّر أن العافية تبدأ بالانتباه، وأن رسالة الطب ليست فقط علاج المرض، بل تمكين الإنسان من عيش حياة كاملة رغم التحديات. «حافظ على مفاصلك... فهي التي تحملك في رحلة الحياة».