لم يكن تصريح كارولين ليفيت الأخير، حين ردّت على أحد الصحفيين قائلة بسخرية: "أمك هي التي فعلت ذلك" مجرّد زلة لسان في مؤتمر صحفي، لكنها كانت بمثابة لحظة كاشفة لأسلوب راسخ في طريقة تواصل المتحدثة الجديدة باسم البيت الأبيض. ليفِت، التي اشتهرت منذ بداياتها السياسية بلغتها الحادة ونبرتها الصدامية تجاه الإعلام، حيث ترى فيه خصمًا سياسيًا ينبغي تحديه والسخرية منه، هذا الرد الساخر لم يكن أول اشتباك بينها وبين الصحفيين، ولكنه حلقة جديدة في سلسلة من المواجهات التي كرست صورتها كأحد أكثر وجوه "البيت الأبيض الترامبي" صدامًا مع الإعلام، وكمثال واضح على التحول الذي تشهده السياسة الأمريكية نحو خطاب مباشر، غير دبلوماسي، يفضّل الإثارة على المجاملة، والاصطدام على المواربة. النشأة والخلفية العائلية ولدت كارولين كلير ليفيت 24 أغسطس عام 1997 في بلدة أتكنسون بولاية نيوهامشير، لأسرة متواضعة والدها، بوب ليفيت، يمتلك وكالة لبيع الشاحنات المستعملة، ويدير مع والدتها إيرين ليفيت «كشك» لبيع الآيس كريم، وهو المكان الذي كثيراً ما ذكرت كارولين أنه علمها قيمة العمل الجاد والانضباط منذ صغرها. نشأت كارولين ليفيت في بيئة كاثوليكية محافظة، درست في مدرسة "سنترال كاثوليك هاي سكول" بولاية ماساتشوستس، كانت لاعبة متميزة في فريق كرة "السوفتبول" ونالت جوائز محلية، قبل أن تبدأ رحلتها الأكاديمية والسياسية في وقت مبكر. اقرأ أيضًا| بفستان أحمر صيني.. متحدثة ترامب تهاجم بكين وتثير سخرية السوشيال ميديا مؤهلاتها العلمية والعملية في عام 2015 التحقت كارولين ليفيت بجامعة سانت أنسلم كوليدج في نيوهامشير، ودرست الإعلام والعلوم السياسية، وأسست نادي للبث الإذاعي داخل الجامعة، كما شاركت في صحيفة الجامعة «ذا كراير» وكتبت مقالات تنتقد ما وصفته بالتحيز الليبرالي في الإعلام الأمريكي كانت أول فرد من عائلتها يحصل على شهادة جامعية، وتخرجت عام 2019 بدرجة امتياز، بعد أن طورت اهتماماً واضحاً بالاتصال السياسي وبآليات التأثير الإعلامي على الرأي العام، وهي الموهبة التي ستفتح أمامها أبواب البيت الأبيض بعد وقت قصير. صعودها المهني بدأت كارولين حياتها العملية داخل البيت الأبيض في إدارة ترامب الأولى، حيث التحقت بمكتب المراسلات الرئاسية ثم ترقت لتصبح "مساعدة المتحدثة باسم البيت الأبيض" عام 2020، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها فقط، بعد انتهاء ولاية ترامب، عملت كمديرة للاتصال لدى النائبة الجمهورية إيليز ستيفانيك، و برز اسمها داخل كصوت شاب، منضبط، شديد الولاء للتيار الترامبي. وفي عام 2022 خاضت انتخابات الكونجرس عن الدائرة الأولى في نيوهامشير، وتمكنت من الفوز بالترشيح الجمهوري لكنها خسرت الانتخابات العامة أمام المرشح الديمقراطي، ورغم الهزيمة، لفتت أنظار قيادات الحزب الجمهوري بقدرتها الخطابية وتنظيمها الإعلامي، حتى عادت إلى دائرة الضوء مع انطلاق حملة ترامب الجديدة عام 2024، ليتم اختيارها متحدثة رسمية باسم البيت الأبيض في يناير 2025 لتصبح أصغر من شغل هذا المنصب في تاريخ الولاياتالمتحدة. أسلوبها الشخصي والمهني تعتمد كارولين ليفيت أسلوبًا هجوميًا في مخاطبة الإعلام، أقرب ما يكون إلى المدرسة التي أسسها ترامب نفسه في التواصل السياسي، لغتها حادة وسريعة، تمزج بين الثقة بالنفس والسخرية المقصودة، وتتعامل مع الأسئلة الصحفية باعتبارها اختبارات قوة أكثر من كونها تبادلًا للمعلومات. تفضل المواجهة على المواربة، وتتعمد أحيانًا خلق لحظات جدلية تصنع العناوين في الإعلام، تعتبر أن جزءًا من مهمتها هو «فضح التحيز الإعلامي» كما تصف، أكثر من الإجابة على الأسئلة. وفي أول مؤتمر صحفي لها من البيت الأبيض، أعلنت أن الإدارة الجديدة ستفتح المجال أمام المدونين وصناع المحتوى والمؤثرين في خطوة رآها البعض تحديًا للنظام الإعلامي التقليدي الذي ظل لعقود يحتكر الوصول إلى القاعة الصحفية. اللغة الترامبية تعتبر كارولين ليفيت واحدة من أكثر النماذج التي تجسد «اللغة الترامبية الجديدة» في الخطاب السياسي، حيث بنت مسيرتها على أفكار ترامب المركزية ، فتجدها تستعير من عباراته الشهيرة مثل الإعلام الزائف و النخبة الفاسدة ، وتستخدمها بمهارة، كما تتبنى نظرته في تجاوز القنوات الرسمية، وتعتبر وسائل التواصل ساحة رئيسية للتفاعل السياسي. هي لا تخاطب الصحفيين بقدر ما تخاطب جمهورها مباشرة عبر الكاميرا كما يفعل ترامب. اقرأ أيضًا| البيت الأبيض: ترامب يريد أن يرى الدولار عملة قوية مواقف سابقة من الإعلام والصحافة لم تكن «واقعة أمك» هي الواقعة الأولي ل ليفيت، فمواقفها العائية تجاه الصحافة والإعلام تمتد منذ أيام الجامعة، حيث كتبت ليفيت مقالات تنتقد الإعلام الليبرالي وتتهمه بتشويه الحقائق. وفي أكثر من ظهور، وصفت شبكات ك CNN و MSNBC بأنها «أذرع دعائية» لليسار الأمريكي. خلال فترة عملها في حملة ترامب، اشتبكت عدة مرات مع صحفيين على الهواء، واتهمتهم بنشر الأكاذيب و وصفت بعضهم بأنهم نشطاء متنكرون في بدلات صحفيين. أما الواقعة الأخيرة مع الصحفي الذي سأَلها عن اجتماع بودابست فكانت الأكثر انتشارًا، لكنها لم تكن استثناءً، بل استمراراً لأسلوبها الذي يرى في السخرية من السؤال جزء من إدارة المشهد الإعلامي، في المقابل، يتهمها خصومها بأنها تضعف تقاليد الشفافية في التواصل الرسمي، وأنها تحول منصب المتحدثة باسم البيت الأبيض إلى منصة انتخابية دائمة لصالح ترامب. تمثل كارولين ليفيت تحول واضح في هوية المتحدث الرسمي داخل البيت الأبيض؛ من صوت دبلوماسي متوازن إلى متحدثة شابة تمارس السياسة بلغة المواجهة والإثارة علي الطريقة الترامبية.