هناك مذكرات تُكتب لتلميع الصور وحماية السمعة، فتقدِّم للجمهور شظايا منقاة من التاريخ، وهناك كتب مثل كتاب «المستقلة.. نظرة داخل البيت الأبيض المنهار.. خارج الخطوط الحزبية» للمتحدثة السابقة للبيت الأبيض كارين جان بيير، يرفض التملق أو التعتيم، بل تزيل الستار عن السلطة وتدع القارئ يشاهد الفوضى خلف الأضواء. جان بيير عاشت فى أرفع مستويات السياسة الأمريكية، سيرتها تجمع بين العمل مع رئيسين، باراك أوباما وجو بايدن، وتتويج مسيرتها كمتحدثة باسم البيت الأبيض لتصبح أول امرأة سوداء تشغل هذا المنصب، هذه السيرة الذاتية وحدها تكفى لجذب الانتباه، لكن كتاب «المستقلة» ليس نصرًا عابرًا، بل هو بالأحرى قصة خيبة أمل. من الفصول الأولى توضِّح جان بيير أن رحيلها عن الحزب الديمقراطى لم يكن انشقاقًا مفاجئًا، بل نتيجة سنوات من تراكم الشكوك والإحباطات والخيانة. ◄ خيانة المبادئ الفكرة الرئيسية للكتاب بسيطة فى ظاهرها.. وهى أن «النظام الحزبى الثنائى مكسور»، وتؤكد أن الديمقراطيين والجمهوريين معًا كما ترى غرقوا فى الولاء للشعار والانتماءات الحزبية، ولم يعودوا يتركون مجالاً للنقاش المبدئى أو الاستجابة الحقيقية للشعب. تصف جان بيير التى كانت يومًا جنديةً وفيةً فى صفوف الحزب الديمقراطى قرارها بالانسحاب بأنه ليس خيانةً للولاء، بل نزاهة، وتصر على أن الاستمرار كديمقراطية كان سيمثِّل خيانةً لضميرها، وخيانةً للناخبين الذين يستحقون أكثر من مجرد الاختيار بين معسكرين مختلَّين. ◄ اقرأ أيضًا | رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال صحفي بشأن قمة ترامب وبوتين من المرجَّح أن يثير الكتاب الجدل الأكبر فى تصويرها للبيت الأبيض فى عهد بايدن بصدقٍ غير مألوف، حيث تحكى عن الأشهر الأخيرة قبل الإعلان المدوِّى لبايدن بأنه لن يترشَّح لولاية ثانية. تروى اجتماعات الموظفين المتوترة، والشكوك المتداولة، والشعور السائد بأن الإدارة تتعثر نحو خط النهاية دون خطة واضحة. الأكثر إيلامًا وصفها لإحساسها بالخذلان؛ لا من بايدن شخصيًا، الذى ترسم له صورة متعاطفة، بل من المؤسسة الديمقراطية التى برأيها قدَّمت الحسابات السياسية على المبادئ. تبدو هذه الصفحات أقرب إلى رثاء شخصٍ اعتقد يومًا ما أن الحزب يمكن إصلاحه من الداخل، أكثر من كونها تصفية حسابات مُرَّة. ولا يتناول الكتاب إخفاقات البيت الأبيض بقدر ما يتناول إمكانيات مستقبل سياسى مختلف. تتخيل جان بيير أمريكا لا يشعر فيها الناخبون بأنهم محاصرون بين الأحمر والأزرق، حيث يصبح الاستقلال السياسى حركةً لا شذوذًا. ويعد كتاب «المستقلة.. نظرة داخل البيت الأبيض المنهار.. خارج الخطوط الحزبية» أكثر من مجرد مذكرات؛ إنه تأمل فى خيبة الأمل، ونقد لنظامٍ معطَّل، ودعوة للتجديد، كما يعد قراءةً أساسيةً لمن يسعون إلى فهم تفكك رئاسة بايدن، والانقسامات داخل الحزب الديمقراطى، وصعود حركة الاستقلال كهوية سياسية.