المتابع لتحركات الحكومة خلال الأسابيع الماضية لوضع حد للارتفاعات غير المبررة في أسعار السلع يكتشف أن أطراف المعادلة، وهم التاجر والمستهلك والجهات المسؤولة عن ضبط الأسعار، غير قادرين على التوصل إلى حل يضمن العدالة في البيع والشراء. المستهلك، وهو سيد السوق، أصبح مغلوبًا على أمره، والحكومة من جانبها تبتكر كل يوم أفكارًا وإجراءات، فتتعامل تارة بسياسة الجزرة وتارة أخرى بسياسة العصا، فى محاولة للوصول إلى معادلة الاتزان في حركة البيع والشراء، لكنها لم تتوصل حتى الآن إلى الصيغة المرضية، رغم مبادرات المصانع لخفض الأسعار، وإطلاق المعارض، وزيادة عدد منافذ التوزيع للبيع بأسعار منخفضة. الحلقة الأهم والمفقودة فى معادلة ضبط الأسعار هى التجار، وهنا يجب أن نتوقف كثيرًا؛ لأننا نتعامل فى سوق عنوانه الجشع والاستغلال وانعدام الضمير، حيث إن بعض التجار الكبار والصغار لا يعرفون أهمية أن يحصل المستهلك على سلعة بسعر عادل، هدفهم الأساسي هو تحقيق أعلى هامش ربح، دون النظر إلى من سيدفع فاتورة الغلاء، أو ما إذا كان المستهلك قادرًا على الصمود فى وجه موجة ارتفاع الأسعار. جميع النظريات والمؤشرات التى تحكم حركة الأسعار تشير إلى ضرورة الخفض، فأسعار الخامات انخفضت، وأسعار المنتجات فى المصانع تراجعت، وهناك استقرار فى أسعار العملات، ومع ذلك لا يرى تجار التجزئة هذه المؤشرات، بل يرون فقط كيف يحققون أكبر المكاسب على حساب المستهلك. الحكومة تتبع حاليًا عدة طرق للسيطرة على الأسعار، تصل نتائجها إلى بعض المواطنين، ولكن بما أن المستهلك هو سيد السوق، وهو من يدفع ثمن السلع، فعليه أن يتحول من خانة السلبية إلى خانة الإيجابية؛ لأن من حقه أن يقاطع شراء السلع المبالغ فى أسعارها، وهنا تبرز أهمية نظرية العمل الجماعي لا الفردي. نحتاج إلى تعديل ثقافة الاستهلاك حتى نستطيع التحكم فى الأسعار، علينا أن نساند الحكومة فى تنفيذ مبادرات خفض الأسعار، لأن مشروع ضبط الأسعار هو مشروع وطنى يهم جموع الشعب، والمشاركة فيه واجبة من الجميع، كما أن تغليظ العقوبات على من يحتكرون الأسواق ويتحكمون فى الأسعار أصبح أمرًا ضروريًا، لأن الأسعار التهمت ثمار التنمية التى ينتظرها المواطن بعد سنوات من الصبر والصمود. دعونا نتعاون جميعًا لنتمكن من السيطرة على انفلات الأسعار غير المبرر. وتحيا مصر.