شدنى هذا الكتاب لاقتنائه، ثم قراءته. العنوان لافت، بل مستفز إذا أردت الدقة «فن اللامبالاة.. لعيش حياة تخالف المألوف». أثار العنوان فضولى، فكيف تكون «اللامبالاة هى الطريق لحياة أفضل؟» ما هذا الكلام؟! إنه منطق يخالف كل ما نعرفه، وما نقرأ عنه من خبراء التنمية البشرية، الذين يؤكدون أن التخطيط، الالتزام، الحفاظ على قيمة الوقت، وحساب الأهداف والنتائج هو ما يوصل الإنسان إلى النجاح والتميز، ومن ثم إلى الرفاهية والاستمتاع بالحياة. لكن الكاتب الأمريكى مارك مانسون فى كتابه «فن اللامبالاة»، الذى قام بترجمته إلى العربية الحارث النبهان يصفعنا بأفكاره الصادمة، ربما لنفكر بطريقة مختلفة تحقق لنا السلام الداخلى، والاستمتاع الحقيقى بالحياة بعيدا عن شعارات خبراء التنمية البشرية ونصائحهم المصطنعة، السطحية. فهو مثلا يؤمن بأن المرونة والسعادة والحرية تأتى من معرفة ما يجب الاهتمام به، والأهم من ذلك هو معرفة ما ينبغى عدم الاهتمام به. إنه كتاب يحرك التفكير إلى حد هائل، لأنه يخالف كل ما قيل فى موضوع السعادة. نظرة سريعة على عناوين فصول الكتاب ربما تعطيك فكرة عن الأفكار والفلسفة التى تتضمنه، فأنا لا أرغب فى حرق المحتوى، ومن ثم متعة القراءة والتفكير على قارئى العزيز: لا تحاول!، السعادة مشكلة، لست شخصا خاصا متميزا، قمة المعاناة، أنت فى حالة اختيار دائم، أنت مخطئ فى كل شيء (وأنا كذلك)، الفشل طريق التقدم، أهمية قول لا، وبعد ذلك تموت. ينصحنا مانسون أن نعرف حدود إمكاناتنا وأن نتقبلها. وأن ندرك مخاوفنا ونواقصنا وما لسنا واثقين منه، وأن نكف عن التهرب والفرار من ذلك كله، ونبدأ مواجهة الحقائق الموجعة، حتى نصير قادرين على العثورعلى ما نبحث عنه من جرأة ومثابرة وصدق ومسئولية وتسامح وحب للمعرفة؟، اكتشفت مع التبحر فى سطور الكتاب أن العنوان خادع، فهو لا يعنى أن نكون غير مبالين بكل شيء، أو أن نترك الأمور لتحل نفسها بنفسها دون أن نرهق أنفسنا بالتفكير والبحث عن حلول، بل على العكس هو يريد أن ندير طاقتنا بذكاء وتعقل، ولا نهدر وقتنا أو جهدنا فى الأشياء التى لا تعود علينا بأى مكسب من أى نوع. يقودنا الكاتب إلى طريق نقترب فيه من أنفسنا أكثر ونعثر على المفاتيح الحقيقية للسعادة والتصالح مع النفس قبل كل شيء. هذا الكتاب - فعلا- صفعة منعشة ومدهشة!.