على خشبة المسرح عادت رواية « سجن النسا » لتأسر الجمهور بروحها الصادقة وقضاياها الإنسانية العميقة. النص الذي كتبته الكاتبة الكبيرة الراحلة فتحية العسال جاء هذه المرة برؤية جديدة للمخرج يوسف مراد منير، واضعًا القصة في إطار معاصر يقترب أكثر من واقع الناس وحياتهم اليومية. وسط هذه التجربة المميزة، شاركت الدكتورة هنادي عبد الخالق بدور ترك بصمة واضحة، خاصة أنها تجمع بين خبرتها الأكاديمية وتجربتها العملية في التمثيل. ومن بين كواليس المسرح وحكايات الأدوار التي تعيشها، فتحت د. هنادي قلبها لتشاركنا أسرار رحلتها الفنية وتجربتها في هذه المسرحية، كاشفةً عن كواليس الاختيار، والتحديات التي واجهتها، وتأثير التجربة عليها فنيًا وإنسانيًا. بدايةً، كيف جاء اختيارك للمشاركة في مسرحية سجن النسا؟ جاء اختياري عبر المخرج يوسف مراد منير، وهو في الأصل أحد تلامذتي في الأكاديمية. كنت مؤمنة بقدراته وبشخصيته، لذلك عندما عرض عليّ المشاركة في العمل لم أتردد، ووافقت فورًا تقديرًا لثقته بي. ما الذي جذبك في هذا النص المسرحي تحديدًا؟ أكثر ما شدّني هو الروح الإنسانية الصادقة التي يحملها، فهو يتناول قضايا حساسة وحقيقية. الكاتبة الكبيرة فتحية العسال كتبته استنادًا إلى تجربة واقعية مرّت بها داخل أحد السجون، والشخصيات التي نعرضها على الخشبة حقيقية وتعكس معاناة واقعية. هذا العمق والصدق كانا الدافع الرئيسي لمشاركتي. ما الرسالة الأهم التي أراد العرض إيصالها للجمهور؟ الرسالة الأساسية هي أن ننظر إلى هؤلاء النساء بعيون إنسانية بعيدًا عن الصورة النمطية. كثير من السجينات لسن مجرمات، بل ضحايا مجتمع قاسٍ أو ظروف لم ينصفن فيها. في النهاية، قد يكون المجتمع نفسه هو الجاني حين يتخلى عن بعض أفراده. وربما يذكّرنا هذا بالمقولة الشائعة مؤخرًا: "اللي بيزور العيادات النفسية هم ضحايا المرضى النفسيين الأصليين." برأيك، ما الذي يميز إعداد وإخراج يوسف مراد منير لهذا النص؟ يوسف قدّم معالجة مختلفة، مسلّطًا الضوء على البعد الإنساني والاجتماعي في سياق معاصر. ربط النص بقضايا حديثة مثل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وضغوطها، فصار العرض أقرب إلى المتفرج وأكثر ملامسة للحياة اليومية. كيف أثرت هذه التجربة فيك على المستوى الشخصي؟ كانت تجربة غنية جدًا، جعلتني أعيد اكتشاف معنى الإنسانية، وأدركت أن السجن الحقيقي قد يكون في العقل لا خلف الجدران. تعلمت من الشخصيات معنى الصمود والكرامة والتضحية. هل هناك مشهد معين تعتبرينه الأصعب أو الأقرب إلى قلبك؟ ولماذا؟ المشهد النهائي كان الأقرب إليّ، لأنه يلخص فكرة إعادة اكتشاف الإنسان لذاته وتقبله للآخر. كيف تلقى الجمهور العرض؟ وهل كنتم تتوقعون هذا النجاح؟ لم نتوقع هذا النجاح الكبير. دخلنا العرض بروح بسيطة وتركنا النتيجة لله، لكن ردود أفعال الجمهور فاقت توقعاتنا. ما الذي يميز سجن النسا عن غيره من الأعمال الأخرى؟ اختيار المخرج لمجموعة فنانين يؤمنون برسالة الفن انعكس في روح العمل. وما يميز المسرحية أنها لا تقتصر على قضايا المرأة فقط، بل تطرح قضايا إنسانية في جوهرها. ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء العرض؟ لم تكن التجربة سهلة. الصعوبة لم تقتصر على الإرهاق البدني، بل كانت شعورية بالدرجة الأولى. تأثرت كثيرًا بآلام الآخرين وقصص زميلاتي، فشعرت بألم حقيقي. كنا نخرج مرهقين جدًا، بحاجة إلى راحة تامة، وهذا دليل على أننا لم نؤدِّ الشخصيات من الخارج فقط، بل عشناها بصدق داخلي وإنصات عميق. ما أبرز التحديات التي واجهتك كأكاديمية تدرّس التمثيل وأنت تخوضين التجربة على المسرح؟ التحدي كان في الموازنة بين موقعي الأكاديمي وتجربتي العملية. عادةً يتردد الأكاديميون في خوض التجارب خوفًا من الانتقادات، لكنني رأيت أن التجربة ضرورية. تعاملت مع التعليقات الموضوعية، وتجاوزت غير الموضوعي منها. خبرتي الأكاديمية ساعدتني على تحليل العمل والتعامل معه بثقة. ما المنهج الذي تتبعينه في التعامل مع الشخصية على المسرح؟ أؤمن ب"منهج اللحظة". لا أتعامل مع الشخصية كشيء محفوظ، بل أعيشها كما تفرضها الظروف على الخشبة. وفق الطرق الحديثة أطرح ثلاثة أسئلة أساسية: كيف تفكر؟ ماذا تشعر؟ ماذا تريد؟ لذلك من الضروري أن أكون حاضرة بصدق، دون خوف من رد فعل الجمهور. بالنسبة لي، قوة اللحظة وصدقها هما جوهر الأداء. هل وجدتِ جانبًا شخصيًا يربطك بشخصية "إنصاف" التي قدمتها؟ نعم، ارتبطت بها كثيرًا. كوني امرأة مسؤولة عن بيت وأسرة جعلني أفهم جيدًا معاناة المرأة التي لا تملك رفاهية الاستسلام للتعب، وهذا قربني أكثر من الشخصية. وأشعر أن التجربة جعلتني أرى أن الخطأ في كثير من الأحيان لا يكون فرديًا، بل المجتمع كله شريك فيه. إلى جانب المسرح، لكِ تجربة طويلة مع الدوبلاج. كيف ترينها؟ بالفعل، أعمل في مجال الدوبلاج منذ أكثر من عشرين عامًا. بدأت كمخرجة، وكنت مسؤولة عن مراقبة الجودة في العديد من الأعمال المدبلجة، كما تعاونت مع قنوات وشركات مختلفة. هل تختلف متطلبات الأداء الصوتي في فيلم رسوم متحركة عن الأداء في المسرح أو أمام الكاميرا؟ الدوبلاج تجربة مختلفة تمامًا، إذ يتطلب قدرات صوتية خاصة وفهمًا عميقًا لروح العمل الأصلي. ما المعايير الأساسية لنجاح الدوبلاج مع اختلاف اللغة والثقافة؟ المهم هو الحفاظ على روح النص الأصلي ليصل قريبًا من الجمهور العربي، مع مراعاة الفروق الثقافية واللغوية. أحيانًا مثلًا نجد في الإنجليزية جملة تقريرية تُقال بنبرة سؤال، بينما يختلف الأمر في العربية من حيث التلوين الصوتي. هذه التفاصيل الدقيقة أساسية. ومن وجهة نظرك، ما القيمة الاجتماعية والثقافية التي يمنحها الدوبلاج للجمهور العربي؟ للدوبلاج قيمة اجتماعية وثقافية كبيرة؛ فهو يتيح للأطفال، وكبار السن، وضعاف البصر الاستمتاع بالأعمال دون عوائق. كما أن كثيرًا من الأجيال تعلموا العربية الفصحى عبر مسلسلات الكرتون المدبلجة. اقرأ أيضا: وزير الثقافة يشهد عرض «سجن النسا» بمسرح السلام وهل ترين أن الدوبلاج يمكن أن يقرب الجمهور العربي من الأعمال العالمية بطريقة أعمق؟ نعم، أراه جسرًا حقيقيًا بين الثقافات، ووسيلة لنقل الأفكار والقيم بطريقة أقرب إلى الجمهور. هل تنوين الاستمرار في الدوبلاج أم الاتجاه إلى مجالات أخرى؟ في الحقيقة، لا أنوي العودة إلى دبلجة الأفلام. قدمت فيها ما يكفي، وأرى أن الوقت الآن للتركيز على الإخراج وأعمال الفيديو والدراما. كانت تجربة غنية وجميلة، لكنني أعتبرها صفحة طويتها، وأتطلع إلى مرحلة جديدة في مسيرتي الفنية.