هل كان الماضي حقًا أجمل مما نعيشه الآن، أم أن ذاكرتنا تختار منه ما يرضي حنيننا وتنسى ما كان فيه من ألم؟ ولماذا ننتظر "الوقت المثالي" الذي قد لا يأتي أبدًا، بينما يمكننا أن نصنع لحظاتنا الجميلة وسط أصعب الظروف؟ تُطلق عبارة "الزمن الجميل" في الأحاديث العامة ووسائل الإعلام على فترات ماضية يراها الناس أكثر صفاءً وجمالاً مما نعيشه اليوم. وغالبًا ما يُربط هذا التعبير بالمظاهر الثقافية والفنية والاجتماعية التي كانت حاضرة في تلك الأزمنة: أغنيات خالدة، أفلام كلاسيكية، أناقة في الملبس، احترام في التعامل، وروابط اجتماعية متينة. غير أن هذه الصورة، رغم جاذبيتها، لا تمثل الحقيقة كاملة. فالتاريخ يخبرنا أن تلك الفترات التي نطلق عليها "جميلة" لم تكن تخلو من أزمات حادة، وحروب مدمرة، ومجاعات، وأوبئة، ونكسات سياسية واقتصادية. يكفي أن نتذكر أن منتصف القرن العشرين، الذي يحن إليه كثيرون، شهد حربين عالميتين خلّفتا عشرات الملايين من القتلى، ودمارًا واسع النطاق، وموجات نزوح لم يعرف العالم لها مثيلًا. ومع ذلك، فقد ازدهرت في الوقت نفسه الفنون، والأدب، والعلوم، بل وتفتحت أمام الشعوب آفاق جديدة نحو التحرر والاستقلال. هذه المفارقة تكشف لنا أن كل زمن يحمل في طياته وجهين متناقضين: وجهًا مشرقًا وآخر مظلمًا. ففي قلب العتمة وُلدت الإبداعات الكبرى، ومن رحم المعاناة خرجت قصص نجاح ملهمة. وحتى في أزمنة الرخاء، لم تخلُ الحياة من التحديات والمظالم واللحظات الصعبة. الحنين إلى "الزمن الجميل" قد يكون في جوهره حنينًا إلى أنفسنا في مرحلة عمرية سابقة، أكثر من كونه حنينًا إلى زمن بعينه. فالطفولة والشباب، ببساطتهما وأحلامهما، قد يمنحاننا شعورًا بأن الماضي كان أجمل، بينما الواقع أن مشكلات ذلك الماضي كانت موجودة، لكن وعينا وقتها لم يكن يحيط بها أو يتأثر بها بالقدر نفسه الذي يحدث حين ننضج. ومن هنا، فإن انتظار "اللحظة المثالية" لبدء حياة جديدة أو لتحقيق الأهداف الكبرى، ليس إلا فخًا نفسيًا يجعلنا نؤجل سعادتنا إلى أجل غير مسمى. فالحياة لا تمنحنا ظروفًا خالية من الصعوبات، لكننا نحن من نقرر أن نرى الجمال وسط القبح، والنور في قلب الظلام. الخلاصة أن "الزمن الجميل" ليس مرحلة تاريخية محددة، بقدر ما هو طريقة نظرنا إلى الحياة. فإذا بحثنا عن الضوء وسط العتمة، وحرصنا على صناعة لحظاتنا الخاصة من الجمال والأمل، فإننا نصنع زمننا الجميل الآن، بدل أن نبقى أسرى ماضٍ مثالي لم يوجد إلا في ذاكرتنا، أو أسرى مستقبل غامض ننتظره بلا طائل.