"هندسة الجوع أو الموت".. كلاهما وجهان لعملة واحدة أو بالأحرى أولاهما تقود إلى المصير الحتمي لثانيهما، ولكن بفعل جريمة متعمدة مكتملة الأركان غضّ العالم الطرف عنها، ولم يُعرف في قطاع غزة سوى صوت النداءات التي لم تسكت جوع طفلٍ أو تُبطن أحشاء رجل وامرأة لهثا وراء لقمة عيش يطفئا بها نار الجوع وآلام الأمعاء الخاوية. هي قصةٌ مأساويةٌ، حكايتها تبدأ منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وها قد وصلنا لإتمام شهرها الثاني والعشرين، والوضع لم يتغير بل بالفعل انزلق نحو الهاوية، فالجوع ينهش في الأجساد وهياكل العظام برزت في أجساد الأحياء وهم ليسوا أمواتًا. ومع دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، رغم التعنت الإسرائيلي، سواء المساعدات التي تدخل عنوةً عبر معبر رفح، أو عبر عمليات الإسقاط الجوي، فإن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يستهدف شاحنات المساعدات عبر طرق عدة من أجل إجهاض عملية وصول المساعدات إلى أهل غزة. دخول محدود للمساعدات وسط نهب وفوضى واتهم المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، اليوم الخميس 7 أغسطس/ آب، الاحتلال الإسرائيلي بمواصلة سياسة هندسة التجويع والفوضى الممنهجة داخل قطاع غزة، مشيرًا إلى أن 92 شاحنة مساعدات فقط دخلت أمس الأربعاء. وقال المكتب الإعلامي الحكومي، في بيانٍ صادرٍ عنه، "دخل إلى قطاع غزة، أمس الأربعاء، 92 شاحنة فقط مساعدات وتجار، تعرّض معظمها للنهب والسطو في ظل فوضى أمنية متعمدة، يصنعها الاحتلال الإسرائيلي ضمن سياسة هندسة التجويع والفوضى، الهادفة إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني وضرب صموده". اقرأ أيضًا: مندوب فلسطين بالجامعة العربية: ما يحدث في غزة إبادة جماعية غير مسبوقة منع 6600 شاحنة إغاثية وأضاف المكتب الإعلامي الحكومي أن "ما تم إدخاله حتى الآن لا يتجاوز 14% من الحصة المفترضة، حيث يمنع الاحتلال إدخال نحو 6600 شاحنة إغاثية، ويواصل إغلاق المعابر وتقويض عمل المؤسسات الإنسانية". وجدد المكتب الإعلامي الحكومي التأكيد على أن قطاع غزة يحتاج يوميًا إلى أكثر من 600 شاحنة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات 2.4 مليون إنسان، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية بفعل الحرب والإبادة المستمرة. في ظل التدهور الإنساني غير المسبوق الذي يشهده قطاع غزة، يواصل الاحتلال "الإسرائيلي" ارتكاب جريمة التَّجويع الجماعي بحق أكثر من 2.4 مليون إنسان، من خلال الإمعان في إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والمواد الأساسية، ضمن سياسة ممنهجة تستهدف كسر صمود شعبنا وتفكيك نسيجه المجتمعي. إجبار السائقين على طرق غير آمنة ووفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة أيضًا، فإنه رغم السماح المحدود بإدخال بعض الشاحنات مؤخرًا، فإن الاحتلال يتعمّد منع تأمين هذه الشاحنات ويمنع تسهيل وصولها لمستحقيها، بل يُجبر السائقين على سلك مسارات مكتظة بالمدنيين الجائعين الذين ينتظرون منذ أسابيع أبسط مقومات الحياة، ما يؤدي إلى مهاجمة تلك الشاحنات وانتزاع محتوياتها، في مشهد يصنعه الاحتلال الإسرائيلي عن سبق إصرار وترصّد، تحت ما بات يعرف ب"هندسة التجويع والفوضى". وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي فإن آخر فصول السلوك الإحرامي الإسرائيلي الدامية ما حدث ليلة الثلاثاء، حيث ارتقى 20 شهيدًا وأُصيب العشرات في المحافظة الوسطى بقطاع غزة، أثناء محاولتهم الوصول إلى مساعدات غذائية وسط ظروف كارثية وفوضى مفتعلة عمدًا من سلطات الاحتلال. وأشار المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن شاحنة المساعدات، التي تحمل غذاء، انقلبت فوق رؤوس المواطنين، بعد أن أجبرها الاحتلال على الدخول عبر طرق غير آمنة، سبق أن تعرّضت للقصف ولم تُؤهَّل للمرور، مؤكدًا أن ذلك يكشف عن تعمّد الاحتلال الزج بالمدنيين في مسارات الخطر والقتل ضمن "هندسة الفوضى والتجويع". شهداء «الجوع» وإلى حد الآن سقط أكثر من 1700 شهيد من طالبي المساعدات في قطاع غزة، أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، وفق بيانات وزارة الصحة في القطاع، وذلك من بين أكثر من 61 ألف شهيدٍ سقطوا على مدار 22 شهرًا من الحرب في القطاع. في حين بلغ العدد الإجمالي لعدد الوفيات نتيجة المجاعة 197 شخصًا بينهم 96 طفلًا، وفق آخر تحديث لوزارة الصحة في غزة. إتلاف عن عمد للمساعدات وفي خضم ذلك، لم تكن سياسة الفوضى الممنهجة هي الوسيلة الوحدة لرسم مسلسل "هندسة التجويع" في قطاع غزة، فقد أقر ضباط إسرائيليون بإتلاف كميات ضخمة من المساعدات الإنسانية كانت محمّلة على أكثر من ألف شاحنة، تضم مواد غذائية ومياه وإمدادات طبية، حيث تركوها تتعفن عند معبر كرم أبو سالم دون السماح بتوزيعها داخل قطاع غزة. جاء ذلك وفق تقرير ما أوردته قناة "كان" العبرية، أواخر يوليو/ تموز المنصرم، والذي تحدثت فيه، وفقًا لروايات ظباط في جيش الاحتلال، عن الشاحنات التي كانت تحمل عشرات الآلاف من طرود المساعدات الإنسانية تُركت لأسابيع طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، ما أدى إلى تعفن المواد وفسادها بالكامل. وقال أحد الضباط الإسرائيليين لقناة "كان"، "دفنّا كل شيء في الأرض، وبعض المواد أحرقناها"، وقد ذكر وقتها أن آلاف الطرود لا تزال مكدسة تحت الشمس، وإذا لم يتم إدخالها إلى غزة قريبًا، فستتعرض للتلف هي الأخرى. وقال ضابط آخر إن "الآلية لا تعمل، والشاحنات تتوقف، الطرق غير صالحة، والتنسيق لا يتم"، مضيفًا: "لدينا هنا أكبر مخزن حبوب في العالم، وإذا لم تُسحب البضائع الموجودة حاليًا، سنقوم بدفنها".