ماتزال أزمة الأدوية منتهية الصلاحية تمثل أحد أبرز التحديات التى تؤرق سوق الدواء المصري، لما تحمله من مخاطر صحية مباشرة على المستهلكين، إضافة إلى الأعباء الكبيرة التى تتحملها الصيدليات والمنظومة الدوائية بأكملها، وللتعامل مع هذا الملف الشائك. أطلقت هيئة الدواءالمصرية مبادرة وطنية تهدف إلى سحب الأدوية المنتهية من السوق وتنظيم عملية التخلص الآمن منها، بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية. اقرأ أيضًا | هيئة الدواء المصرية: اختتام ورشة عمل للتوعية بالسكتة الدماغية وأمراض الرئة الخلالية د. ياسين رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية، أوضح أن المبادرة تمثل نموذجًا فعّالًا للتكامل بين مختلف مكونات المنظومة، من شركات تصنيع وتوزيع وصيدليات ونقابات مهنية، وتهدف بالأساس إلى التخلص الآمن والمنظم من الأدوية منتهية الصلاحية، من منطلق الحرص على سلامة البيئة، وحماية المواطنين من أى أضرار صحية قد تنتج عن تعاطى تلك المستحضرات، عبر خطة تنفيذ محكمة تبدأ بالتسجيل، ثم الشروع فى السحب من قبل الموزعين. وفى تصريح خاص لجريدة «الأخبار»، أشار رجائى إلى أن المبادرة تركز على الأدوية التى تم إنتاجها بين عامى 2018 و2021، وأن المرحلة الحالية منها تشمل بدء عملية السحب من الشركات والموزعين لمدة 90 يومًا، تنتهى فى 31 أكتوبرالقادم. وخلال هذه الفترة، تُعاد الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات إلى الموزعين، لتقوم الشركات بفرز المستحضرات خلال مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ استلامها، وفقًا للقواعد المنظمة للمبادرة. وكانت مرحلة تسجيل الأصناف المنتهية الصلاحية من الصيدليات قد أغلقت أبوابها نهاية الشهر الماضي، لتشمل 80 ألف صيدلية، لكن ملاحظات ظهرت بشأن أن بعض سلاسل الصيدليات سجلت فقط من فرع واحد، ما قلّل من نسبة التسجيل الكلية. وحول نسب المشاركة، كشف رجائى أن نسبة تسجيل المؤسسات الصيدلية عبر الرابط الإلكترونى الخاص بالمبادرة بلغت نحو 78% من إجمالى الصيدليات على مستوى الجمهورية، وتم تسجيل ما يقرب من 18 مليون وحدة دوائية منتهية الصلاحية. وتصدرت محافظة الوادى الجديد قائمة المحافظات الأعلى تسجيلًا بنسبة بلغت 100% من إجمالى صيدلياتها، تلتها السويس ومطرح والأقصر بنسبة 97%، ثم دمياط والاسماعيلية بنسبة 96%، والمنيا 95%،ثم بنى سويف وسوهاج بنسبة 94%، وكذلك بورسعيد وشمال سيناء بنفس النسبة، تلتها المنوفية بنسبة 91%، والشرقية بنسبة 89%، والإسكندرية بنسبة 87%، أما القاهرة بنسبة 64%، تليهما الجيزة بنسبة 62%. وأكد رجائى أنه بعد انتهاء فترة المبادرة، ستُوضع آلية دائمة للتنسيق بين الصيدليات والموزعين، بحيث تتم إعادة الأدوية مع أصل الفواتير، مشيرًا إلى أن المبادرة ساعدت بشكل ملموس فى احتواء الأزمة، كما أنها تتيح خصم قيمة الأدوية من الضرائب المستحقة على الصيدليات. وقال إن بعض الأدوية المنتهية التى تُعرض فى الأسواق تكون عادةً مغشوشة أو غير مرخصة، ويُعاد استخدامها بطريقة غير مشروعة. ونبّه إلى أن الصيدلى المحترف يجب أن يشك فى أى خصومات عالية أو غياب للفواتير، ونصح بعدم الشراء من المواقع الإلكترونية لكونها غير مؤهلة قانونًا لبيع الأدوية. وفى إطار ضبط العملية، أصدرت هيئة الدواء المصرية قرارًا تنظيميًا رقم 47 لسنة 2025، يحدد إجراءات دقيقة لسحب الأدوية منتهية الصلاحية على مستوى سلسلة التوريد بالكامل، بهدف ضمان توافر دواء آمن وفعّال للمواطن، ومنع أى ممارسات ضارة فى سوق الدواء. وشمل القرار المستحضرات المصنعة محليًا والمستوردة، مستثنيًا مستحضرات التجميل والمكملات الغذائية والألبان غير الحاصلة على إخطار رسمى من الهيئة. وحدد القرار مراحل تنفيذ المبادرة على النحو التالي:- مرحلة التسجيل، التى انتهت فى 30 يوليو 2025.- مرحلة سحب الأدوية من الصيدليات عن طريق شركات التوزيع، وتمتد حتى 30 أكتوبر 2025.- مرحلة الفرز والتسعير وتستمر 30 يومًا من تاريخ الاستلام.- وأخيرًا، مرحلة الإعدام خلال 40 يومًا من الاستلام الرسمي. وبحسب القرار، تلتزم الصيدليات بتعبئة نموذج إلكترونى وإدخال الأكواد والكميات وإرفاق الفواتير، مع ختم العبوات غير المغلفة بخاتم معتمد من الصيدلية. كما تُلزم شركات التوزيع بوضع خطة أسبوعية للسحب، واستلام الكميات بنماذج رسمية، ورفع تقارير منتظمة للهيئة.أما الشركات المالكة فتقوم بجدولة عمليات الفحص والفرز، وتوثيق الإجراءات، ثم تقديم طلب رسمى لإدارة مراقبة الأسواق لتنفيذ الإعدام فى غضون 10 أيام من الاستلام. كما يتضمن القرار بندًا خاصًا بالإبلاغ عن المؤسسات الممتنعة، مع إعداد تقارير رسمية وإتاحة وسيلة مباشرة للتبليغ عبر موقع الهيئة. نجحت المبادرة فى مراحلها الأولى وفق المؤشرات، فيما يشكل استكمال جميع خطوات التنفيذ وفق الجدول الزمنى المحدد سيشكل نقلة نوعية فى ضبط سوق الدواء فى مصر، ومنع تداول الأدوية الفاسدة. ومع ذلك، يبقى نجاح التجربة مرهونًا بمدى الالتزام بالمراقبة المستمرة، وتغطية كافة الصيدليات، وتفعيل آلية تعويض فورى وعادل للصيدليات المشاركة، بما يضمن استدامة هذه الجهود وتنظيف السوق من المستحضرات غير الصالحة.