لم تكن العلاقة بين مصر وفلسطين يومًا مجرد علاقة جوار، بل علاقة دم ومصير وتاريخ مشترك، فمنذ نكبة عام 1948، كانت مصر فى طليعة المدافعين عن فلسطين، وقدمت آلاف الشهداء من خيرة أبنائها فى حروب 1948، و1956، و1967، و1973، وكلها حروب حملت فى جوهرها اسم القدس. لم تتاجر مصر بالقضية، ولم ترفع شعارات فارغة، بل خاضت معارك وسفكت دماء من أجل أن يبقى اسم فلسطين حيًا فى الوجدان العربي، ولأجل أن لا تُنسى معاناة الشعب الفلسطينى فى دهاليز المؤتمرات الدولية. واليوم، وبعد مرور أكثر من 75 عامًا على النكبة، لا تزال مصر الملاذ العربى الأول لفلسطين، وبرغم التحديات الداخلية والخارجية، لم تتخلَّ مصر عن دورها، بل كانت فى الصفوف الأمامية فى كل مرة تصاعد فيها العدوان على غزة. ففى السنوات الأخيرة، وخصوصًا بعد العدوان الإسرائيلي الوحشى على القطاع منذ أكتوبر 2023، لعبت مصر الدور الإنسانى والسياسى الأكبر، ففتحت معبر رفح أمام الجرحى، وأرسلت قوافل من المساعدات الغذائية والطبية يومًا بعد يوم، بل وتحملت على عاتقها علاج آلاف المصابين من أبناء غزة فى مستشفياتها. بل أكثر من ذلك، قامت مصر بمفاوضات دقيقة ومضنية لوقف إطلاق النار، وحرصت على أن لا يتحول القطاع إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية، وحافظت على تماسك الموقف الفلسطينى قدر المستطاع، وسط خلافات الفصائل وتدخلات الأطراف. لكن المؤسف أن نجد بعد كل هذا من يردون الجميل بالخيانة، ومن يرفعون أعلام الاحتلال الإسرائيلى أمام سفارة مصر فى تل أبيب، ويهتفون ضد الدولة الوحيدة التى لم تبعهم يومًا، هؤلاء هم «إخوان تل أبيب» الذين جهروا بالخيانة وهم يعتصمون بجوار العلم الصهيوني، لا لشيء إلا للتنكر للدور المصري. إنها لحظة عار سياسى وأخلاقي، أن تهاجم مصر لا من تل أبيب الرسمية، بل من فلسطينيين يحتمون بشرطة الاحتلال وينفذون أجندة الإخوان، تلك الجماعة التى ثبت تاريخيًا أنها لا تنتمى إلى أوطان، بل إلى مشروع مشبوه لا يعرف للدماء قيمة.. لقد قدمت مصر لفلسطين ما لم يقدمه أحد، وآن الأوان أن يُسمّى الخونة بأسمائهم، فالتطاول على مصر ليس رأيًا، بل طعنة فى ظهر التاريخ والمقاومة والإنسانية، وعلى شعبنا الفلسطينى أن يلفظ من يبيع الدم الفلسطينى لصالح أجندات جماعات فقدت الصلة بالشعب والكرامة والمبدأ. وأخيرًا... نقولها للتاريخ: مصر لم تتخلَّ عن فلسطين، ولن تفعل. مصر لم تخن، بل حوصرت من أجل غزة، ودفعت فاتورة باهظة سياسيًا واقتصاديًا، لأجل شعبها فى فلسطين.. وكل من يتطاول على مصر من عاصمة الاحتلال، لن يكون إلا خائنًا... وعميلًا يُدين نفسه قبل أن يُدين القاهرة.