في أمسية ثقافية جمعت بين العلم والتاريخ والأسطورة، شهد مركز إبداع قصر الأمير طاز فعالية مميزة نظمها صالون نفرتيتي الثقافي تحت عنوان "مصر هي الأصل"، مساء الأحد 13 يوليو. حيث أعادت نخبة من الباحثين والخبراء قراءة بدايات الوجود البشري على أرض مصر، مستندين إلى أحدث الدراسات الجينية والأنثروبولوجية، في رد علمي واضح على حملات التشكيك في أصول الحضارة المصرية. جاءت الأمسية لتؤكد أن الهوية المصرية ليست وليدة لحظة، بل نتاج آلاف السنين من التفاعل الحضاري والثقافي العميق. اقرأ أيضا| تعود إلى الحياة.. مدينة لم تعرفها الأقصر مصر... حيث بدأت الحكاية العلم يواجه التشكيك افتتحت الدكتورة سامية الميرغني، أستاذ علم الأنثروبولوجيا الأثرية، الأمسية بكشف علمي مهم: أول تحليل جينوم مصري قديم مكتمل لعينة بشرية تعود إلى أكثر من 4500 عام، من عصر الدولة القديمة. الدراسة التي وُصفت بأنها طفرة في مجال الجينوم القديم في وادي النيل، أعادت رسم مشهد التحولات السكانية في مصر القديمة، مؤكدة أن سكانها كانوا في تفاعل وراثي وثقافي مستمر مع سكان شرق المتوسط وشمال أفريقيا، ما يثبت أن الهوية المصرية نشأت من تفاعل لا انغلاق. كما شددت الميرغني على أن الهوية لا تُختزل في الجينات، فالدين واللغة والأساطير والتجربة الجمعية عناصر لا تُفسَّر بيولوجيًا. وبالتالي فإن استخدام الجينوم لإثبات "نقاء عرقي" ليس سوى خطاب عنصري، يتناقض مع الطبيعة المركبة والمعقدة للهوية المصرية. من صحراء سيناء إلى توحيد القطرين د. فكري حسن، أستاذ الآثار والتراث الحضاري، استعرض تاريخ استيطان الإنسان العاقل لأرض مصر، منذ أن كانت معبرًا بشريًا رئيسيًا من أفريقيا نحو آسيا وأوروبا. وأكد أن الهجرات القادمة من الهلال الخصيب عبر سيناء أسهمت في تأسيس أولى التجمعات البشرية المستقرة على ضفاف النيل. وانتهى عرضه عند لحظة تاريخية مفصلية مع الملك "نعرمر"، موحد القطرين، الذي أسس أول دولة مركزية في العالم نحو عام 3200 قبل الميلاد، مُعلنًا ميلاد الحضارة المصرية القديمة. كما دعا فكري حسن إلى إنشاء أكاديمية قومية لدراسات الجينوم البشري، لتعزيز البحوث الوطنية في هذا المجال الواعد الذي تكشف من خلاله أسرار الهوية المصرية وتطورها. القيم الأخلاقية... حجر الأساس من جانبه، أكد الدكتور كمال مغيث، خبير التربية والتعليم، أن نشأة الدولة المصرية لم تكن قائمة فقط على الجغرافيا والسياسة، بل أيضًا على منظومة أخلاقية صارمة سبقت التشريعات القانونية. واستشهد ب"تعاليم بتاح حتب"، كأقدم نموذج موثّق لنظام قيمي ومبادئ أخلاقية شكلت العمود الفقري للمجتمع المصري القديم، وأساس قيام الدولة ونظامها. الحكاية كما رواها الفن الفنان أحمد يوسف أضفى على الأمسية بُعدًا فنيًا، من خلال عرضه "الحكواتي" بعنوان "ليه مصر؟"، حيث قدم بأسلوب درامي مؤثر قصة إيزيس وأوزوريس، في تأكيد على أن المصري القديم لم يكن مجرد صانع حضارة، بل راوي أسطورة، ومُبدع معنى. صالون نفرتيتي... منصة الوعي والانتماء تأسس صالون نفرتيتي الثقافي بمبادرة من مجموعة من الصحفيات المصريات، ليتحول إلى منصة مستقلة للحوار الثقافي تعزز قيم الهوية والانتماء، وترد على موجات التغريب ومحاولات تشويه التاريخ. تشرف على الصالون الصحفيات: كاميليا عتريس، مشيرة موسى، أماني عبد الحميد، والإذاعية وفاء عبد الحميد، وهو يشكل حلقة وصل حيوية بين الماضي والحاضر، والبحث العلمي والوجدان الشعبي. مصر ليست مجرد أصل، بل مستقبل الفعالية قدمت ردًا متكاملًا يجمع بين التحليل العلمي والرؤية الثقافية والفنية، لتقول بوضوح: مصر ليست مجرد موقع جغرافي أو أطلال حضارة منقضية، بل كيان حي، وهُوية متعددة الجذور والمصادر. ومثلما كانت أصلًا للإنسان، لا تزال حاملة لرسالته الإنسانية حتى اليوم.