في لحظة مرعبة كادت أن تتحول إلى مأساة فنية، تعرّض موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب لاعتداء عنيف على يد رجل مضطرب عقليًا، ظنه أحد معجبيه وادعى أنه صاحب الفضل في مجده وألحانه. الواقعة المروعة وقعت في أحد أيام مايو عام 1960، ووثّقتها مجلة "الكواكب" في عدد نادر، لتكشف تفاصيل صادمة عن لحظات الرعب التي عاشها الموسيقار الكبير، وكيف أنقذه القدر في اللحظة الأخيرة من "علقة موت" على يد متسول يحمل بين ضلوعه عقدًا نفسية وحقدًا دفينًا. ◄ مفاجأة قاتلة في لحظة انتظار كان الموسيقار محمد عبد الوهاب، كعادته، يقف بهدوء ينتظر صعود الأسانسير في مدخل العمارة التي يسكن بها، حين اقترب منه رجل طويل القامة، أسمر اللون، بادله التحية قائلاً: "سعيدة يا أستاذ". ردّ عبد الوهاب بهدوء المعهود: "أهلاً وسهلاً.. مين حضرتك يا فندم؟"، إلا أن ملامح الرجل لم تكن تبعث على الطمأنينة، فقد اقترب أكثر وقال بعصبية: "بقى مش عارفني؟.. أنا أحمد فراج اللي صنعت مجدك وعملت كل ألحانك!" ◄ ضربة مباغتة وسيل دماء لم تمر ثوانٍ قليلة حتى أدرك عبد الوهاب أن الرجل مختل عقليًا، وبينما حاول الابتعاد، باغته المعتدي بضربة شديدة باستخدام قطعة فخار كان يخفيها. صرخ عبد الوهاب من الألم، وسقطت نظارته من وجهه، فلم يعد يرى سوى الدماء التي سالت من رأسه، بينما استمر الرجل في هجومه وهو يصيح: "بقى ماتعرفنيش؟! طيب خد!". وفي الوقت ذاته، هبط الأسانسير وبداخله الأسطى محمد كامل، سائق مدير شركة فورد، والذي كان يسكن في نفس المبنى. صُدم بالمشهد واندفع سريعًا ليدفع المعتدي بعيدًا عن عبد الوهاب، لا سيما بعد أن حاول الأخير طعنه بمقص كان يخفيه أيضًا. ◄ امسكوا السفاح هرب عبد الوهاب إلى شقته وهو يصرخ: "امسكوا السفاح المجنون ضربني وعورني!"، بينما اتجه خادمه للاتصال بالشرطة، ونجح السائق والجيران في السيطرة على المعتدي. وفي ذات الوقت، كان الصحفيان كامل الشناوي وموسى صبري في طريقهما لزيارة عبد الوهاب، ليفاجأا بالمشهد الدموي أمام أعينهما، فسارعا باستدعاء طبيب لإسعافه. اقرأ أيضا| في ذكرى محمد عبد الوهاب..اسم تهتز له أوتار الموسيقى العربية| فيديو وصل الخبر سريعًا إلى زوجته السيدة نهلة القدسي، التي اتصلت بكوكب الشرق أم كلثوم طالبة منها طبيب عيون بشكل عاجل. لم تتردد أم كلثوم لحظة، وأسرعت إلى بيت عبد الوهاب لتطمئن عليه بنفسها، ورافقته حتى الثالثة فجرًا، في مشهد إنساني مؤثر. ◄ كبار الفن في بيت عبد الوهاب لم يكد ينتشر الخبر حتى امتلأت شقة عبد الوهاب بكبار نجوم الفن والإعلام، من فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، إلى محمد حسنين هيكل، ومحمد التابعي، وحسين السيد، في مشهد يكشف عن مدى المحبة والتقدير التي كان يحظى بها موسيقار الأجيال، والقلق الحقيقي الذي سبّبته الحادثة في الوسط الفني. حادثة الاعتداء على محمد عبد الوهاب لم تكن مجرد لحظة عنف عابرة، بل تجلّت فيها مشاعر الحب والتكاتف من كل المحيطين به، وأظهرت إنسانية الوسط الفني في زمنه الذهبي. ولولا تدخل القدر وسرعة تصرف السائق والجيران، لربما تحولت الحادثة إلى فصل مأساوي في حياة موسيقار صنع مجدًا فنيًا لا يُنسى.