أمانى عبدالرحيم لطالما شكلت بورصة لندن، ركنًا أساسيًا فى النظام المالى العالمى وركيزة مهمة لاقتصاد المملكة المتحدة على وجه الخصوص.. لكن مؤخراً، تعرضت سوق الأوراق المالية اللندنية لسلسلة من الأزمات تهدد مكانتها كمركز عالمى لجمع رؤوس الأموال الجديدة. هذا ما أكده مؤشر فاينانشيال تايمز للأوراق المالية «فوتسى100» والذى اظهر أن سوق الأوراق المالية بلندن يعانى من موجة اضطرابات اقترنت بعمليات إلغاء الإدراج لكبرى الشركات ببورصتها وتجاهل اكتتابات عامة أولية بارزة، ووفقًا للخبراء، إذا استمر هذا الوضع، ستتراجع بورصة لندن خلال السنوات ال5 المقبلة، مدفوعةً بالمزيد من عمليات إلغاء الإدراج.. وكانت شركة «شى ان» للملابس و«إنديفيور» الرائدة فى مجال الأدوية أحدث الشركات التى تخلت عن إدراج أسهمها فى بورصة لندن وسط نزوح جماعى للشركات العملاقة من سوق الأوراق المالية، ما يزيد الضغط على بورصة لندن. اقرأ أيضًا | الهند والاتحاد الأوروبي يتفقان على نصف فصول اتفاق التجارة والعام الماضى، خسر سوق لندن 88 شركة ألغت إدراجها أو نقلت إدراجها الأساسى لمكان آخر، وهو أكبر عدد لنزوح شركات منذ الأزمة المالية التى ضربت لندن عام 2009، ووفقًا لتحليل أجرته شركة «إرنست ويون» الاقتصادية تشمل أسباب انسحاب الشركات من السوق التقييمات المخيبة للآمال للبورصة اللندنية، والقواعد المعقدة، والتكاليف الباهظة للحفاظ على الإدراج. ويذكر أنه فى 2021، كانت لندن أكبر مركز عالمى للاكتتابات العامة الأولية خارج الولاياتالمتحدة والصين، حيث استقبلت أكثر من 120 شركة، ويُلقى البعض باللوم فى هذا التراجع على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى والفوضى السياسية التى أعقبته، والتى دفعت العديد من المستثمرين لسحب أموالهم. بينما يرى آخرون بأن مكانة بورصة لندن تآكلت ببطء على مدى عقود بسبب القرارات التنظيمية غير المواتية وديناميكيات السوق العالمية المتغيرة. ويرى «رادو تونارو»، أستاذ المالية وإدارة المخاطر فى كلية «هينلى» البريطانية أن ازدياد المنافسة من البورصات الأجنبية تفاقم بسبب تراخى بورصة لندن والإطار التنظيمى المعقد فى المملكة المتحدة. فيما يعتقد «جورج لاجارياس»، كبير الاقتصاديين فى شركة «فورفيس مازارز» للاستشارات المالية، بأن تراجع الإدراجات فى لندن، وإن كان أكثر وضوحًا من معظم الدول، جزء من اتجاه عالمى أوسع. حيث شهدت أسواق الاكتتابات العامة الأولية العالمية ركودًا خلال العامين الماضيين وسط ارتفاع التضخم والتقلبات الناجمة عن الحرب فى أوكرانيا، بالإضافة إلى أن الاقتصاد البريطانى ككل يعانى. ويرى «ديفيد بيتش»، الرئيس التنفيذى لشركة «نايتس»، وهى شركة قانونية أن المشكلة الأساسية فى بورصة لندن أنها أصبحت منفصلة عن أداء الشركات، فالأموال تغادر السوق منذ ما يقرب من 4 سنوات، والنتيجة سوق يهيمن عليه البائعون مع عدد قليل جدًا من المشترين. يذكر أن سوق لندن للأوراق المالية أنشئ منذ سنوات سوق أطلق عليه الاستثمار البديل «AIM»، كسوق بديل لدعم الشركات الصغيرة. إلا أن هذا السوق البديل أيضًا أصبح يعانى أزمة ربما أكبر من السوق الرئيسية. وهذا العام، من المتوقع أن يخسر 61 شركة بقيمة إجمالية تبلغ 12.3 مليار جنيه إسترلينى، أو خُمس إجمالى قيمته السوقية، نتيجةً لخطط شطب الشركات، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن أبردين وبيل هانت فى 28 مايو. وكما هو الحال فى السوق الرئيسية، تعثرت عمليات الإدراج الجديدة فى بورصة AIM، حيث لم تُسجل سوى خمسة اكتتابات عامة أولية هذا العام. من جانبها تتطلع حكومة المملكة المتحدة لوضع حد لأزمة سوق الأوراق المالية، بعد أن أطلقت العام الماضى إصلاحات على نظام الإدراج فى بورصة لندن تبسط عملية الطرح العام الأولى. لكن البعض يشكك بأن تحفز هذه التغييرات الشركات على طرح أسهمها فى لندن، وأن على الحكومة تقديم حوافز معززة وسياسات أفضل لجذب الشركات العالمية، ووضع نظام ضريبى أكثر مرونة.