لا يخفى على أحد التحديات التى تواجه الصحافة المكتوبة، وذلك فى عصر تتسارع فيه التطورات التكنولوجية الجاذبة لشرائح القراء المختلفة عبر المنصات الرقمية، وما لها من تأثير سلبى على باقى وسائل الإعلام وتحديدًا على الإعلانات، التى تعد أحد أهم مصادر تمويل الصحف، فضلًا عن ارتفاع تكاليف الطباعة والنشر، مع زيادة معدلات التضخم وتضاعف أسعار الخامات مثل: الورق والأحبار ومستلزمات طباعة الصحف. فى الولاياتالمتحدة، أغلقت مئات الصحف المطبوعة أبوابها منذ عام 2005 وحتى عام 2021، وانخفض عدد الصحفيين إلى النصف تقريبًا، وحاولت مؤسسات ومطبوعات عريقة الالتفاف على الأزمة كصحيفة «الإندبندنت» البريطانية بوقف الطبعة الورقية، والاكتفاء بالنسخ الرقمية وتواجد موادها على منصات التواصل الاجتماعى. هى بالتأكيد أزمة ذات طابع عالمى تسببت فى اختفاء مؤسسات صحفية كبرى من الخريطة الإعلامية، مما دفع مجموعة من الخبراء، وعدة مراكز بحثية لتوقع اختفاء وتلاشى الصحف المطبوعة، ورصدها لتقلص دائرة القراء، وانصراف عدد كبير منهم إلى شبكات مواقع التواصل الاجتماعى، الذى يشهد نموًا هائلًا فى عدد مستخدميه، حيث قضى سكان العالم 12.5 تريليون ساعة على الإنترنت عام 2021. إلا أن الحال تبدل وعادت بعض الصحف، التى توقفت إلى الطباعة مرة أخرى، فمجلة ال«نيوزويك» عادت بعد توقف عامين لطباعة نسختها بجودة أعلى، ومؤخرًا أعلنت مجلة «لايف» الشهيرة عن عودة نسختها المطبوعة العام الحالى، كما قررت «الإندبندت» العودة للطباعة فى مناسبات خاصة، وذلك لعدة أسباب أهمها فى تقديرى: 1- الهروب من ضجيج وسائل التواصل الاجتماعى إلى هدوء الموضوعات المتخصصة والمتعمقة والإخراج الصحفى الجذاب. 2- الثقة فيما تكتبه الصحف المطبوعة من معلومات باعتبارها وثيقة تخضع لتدقيق قبل الطباعة بمعنى أنها تمر بمراحل عديدة قبل أن تصل للقارئ، وهو ما يضمن دقة وصحة ما تنشره. 3- التزام الصحف المطبوعة بمواثيق الشرف الصحفية والأكواد المهنية، التى تضمن جودة المنتج الصحفى. 4- الحنين إلى الورق ورغبة أجيال جديدة فى خوض تجربة القراءة. واجهت الصحافة القومية المصرية التحدى العالمى بثبات وتخطيط لا أبالغ إذا قلت «هندسة» تقوم بها الهيئة الوطنية للصحافة؛ تنفيذًا لتكليف الرئيس عبد الفتاح السيسى من أجل تعزيز دورها التنويرى، وهو أمر أراه من حسن حظ الصحافة القومية أن تجد هيئة تقوم بدور السند والداعم عبر التوجيه الذكى والمدروس للدعم الحكومى من أجل دعم بقاء مؤسسات صحفية كبيرة وعريقة، وتأتى مؤسسة «أخبار اليوم» فى مقدمتها. ومنذ تولى المهندس عبد الصادق الشوربجى رئاسة الهيئة، وهناك جهد لمسته بنفسى من أجل تقديم الدعم اللازم والمطلوب لمؤسسة «أخبار اليوم»، التى أسسها مصطفى وعلى أمين عام 1944، وهما نجمان لامعان فى بلاط صاحبة الجلالة، وذلك من أجل الحفاظ على قوتها وريادتها المصرية والعربية، فهى مالكة شعار «صحافة الملايين»، لها مكانتها الصحفية وبصمتها فى تاريخ مصر، وصانعة الإصدارات الرشيقة صاحبة الانفرادات القوية، وذات التأثير الواسع وأقوى أرشيف موضوعات وصور تؤرخ لأكثر من 80 عامًا، كانت فيها الشاهد والموثق لأحداث كبرى. لم تتوان الهيئة عن دعم «أخبار اليوم» والتخطيط لمستقبلها بالاستثمار فى أقرب المجالات لمهنة الصحافة ودورها التنويرى والتثقيفى وهو الاستثمار فى مجال التعليم، وحصلت «أخبار اليوم» بمساعدة من الهيئة على رخصتى مدرسة دولية وجامعة لها شريك دولى لضمان جودة التعليم المقدم، وهو ما يعد إضافة لمنظومة التعليم فى مصر من جهة وضمان أرباح سنوية تُمكّن المؤسسة من الاستمرار فى دورها التنويرى من جهة أخرى، كما يضمن ل«أخبار اليوم» استمرارية طباعة صحفها فى ظل ارتفاع تكاليف عملية الطباعة مع تطوير العمل داخل المؤسسة، بحيث يحدث الدمج بين الصحافتين المطبوعة والرقمية لضمان بقاء تأثير المؤسسة وانتشار إنتاجها الصحفى. الحوكمة والاستثمار فى الأصول والتحول الرقمى هو النهج الذى اعتمده المهندس عبد الصادق الشوربجى للارتقاء بالمؤسسات الصحفية القومية، وضمان استمرارية دورها الهام والحيوى فى صناعة رأى عام مستنير بالخبر الصحيح، والتحقيق الاستقصائى العميق، وإسهامها بصحافة الرأى والفكر النقدى، وتفنيد الشائعات، وتقديم الحلول لتحصين المجتمع من هجمات تنظيمات الظلام والتشدد المتربصة بالدولة والشعب، ومحاولاتها الدائمة لزراعة الفتن وإشاعة الفوضى. إن الإنجاز الذى تشهده «أخبار اليوم» بدعم قوى من الهيئة الوطنية للصحافة هو انطلاقة حقيقية لمؤسسة عريقة ترفض التعثر وجادة فى البحث عن السبيل الإيجابى لمواجهة الأوضاع الاقتصادية وإصرارها على تقديم صحافة مهنية ومتزنة، تعلى فيها المصلحة العامة، وتسعى إلى تثقيف الناس بما يفيد، وتوعيتهم بما حققوه من إنجاز حقيقى على مدار السنوات الماضية فى كل المجالات، كما تشاركهم التحدى الاقتصادى عبر طرح الأسباب والحلول ومتابعة نتائج الإصلاحات الجارية فى كل مكان على أرض مصر. بهذه الكلمات أردت أن أعبر عن عميق شكرى كواحد من أبناء دار «أخبار اليوم» لدعم الرئيس عبد الفتاح السيسى للصحافة القومية وللهيئة الوطنية للصحافة، ولكل أعضاء تشكيلها السابق والحالى على ذلك الجهد، الذى تكلل بالنجاح فى وضع مؤسسة صحفية كبيرة ورائدة مثل «أخبار اليوم» على الطريق الصحيح لتصبح أقوى وأكثر مناعة باستثمار حقيقى يضمن بقاءها فى قادم الأيام.