تحديد الأسعار يتم بالأهواء بعيدًا عن تفاعلات السوق ليس صحيحًا ان اتفاقيات التجارة الحرة أو الاتفاقيات الاقتصادية الاقليمية تمنع أو تحظر أى تدخل للدولة فى تحديد الأسعار أو تحديد هامش للربح يحقق العدالة بين قوى السوق. ورغم وجود العديد من القواعد والنظريات الاقتصادية الثابتة والراسخة فى كل دول العالم إلا أن الاقتصاد المصرى تحكمه سلوكيات وممارسات تجعله فريداً عن تلك القواعد وعلى حين تمثل نظريات العرض والطلب بديهيات تحكم تحركات الأسعار إلا أن الأمر فى مصر يكاد يختلف جملة وتفصيلاً مثلا أسعار الذهب قد تنخفض أو ترتفع عالمياً على حين يكون العكس تماماً فى مصر حيث تتحدد الأسعار وفقاً لهوى وأغراض شخصية يتحكم فيها مجموعات صغيرة من التجار ورجال الاعمال والذين يحددون مسبقاً الأسعار بعيداً عن تفاعلات السوق الحقيقية. قد يكون مقبولاً أن سلعة ما تباع بسعر محدد يختلف عن سعر نفس السلعة لو عرضت فى مكان آخر ولكن من غير المقبول مثلا أن السعر قد يختلف فى حدود الثلث!! اختلاف أسعار أى سلعة من مكان لآخر لابد أن يتم فى حدود وهامش لا يمكن أن يزيد عن 10 بالمائة ولكن مع غياب أى نوع من الرقابة يحدث انفلات الأسعار وتتهم الدولة ظلماً أنها وراء هذا الارتفاع الجنونى بالاسعار وهى منه براء. أرجوك قبل شراء أى سلعة قم بجولة سريعة داخل 3 مولات أو سوبر ماركت حدد مثلاً 4 سلع ولتكن زيت وسمنة وسكر وأرز وتعرف على أسعارها فى هذه المحلات بشرط أن تكون من نفس النوع. ساعتها سوف تكتشف الفارق الهائل فى الأسعار بين تلك المحلات دون ضابط أو رابط خلال جولتك ربما ستلاحظ أن هناك سلعة سعرها أقل بكثير عنها فى المحلات الأخرى وهذه السلعة الصيادة تمثل أكبر دعاية عن أن هذا السوبر ماركت يبيع بأقل الأسعار فعندما تجد مثلا أن عبوة الشاى تقل 3 أو 4 جنيهات سيتولد لديك شعور بأن هذا المكان يبيع بأسعار رخيصة وهو ادعاء زائف لأن نفس المكان قد يرفع من سعر سلعة أخرى بطريقة مبالغ فيها تعوض مكسبه فى عبوة الشاى. لا شك أن تدخل الدولة فى تحديد بعض الأسعار للسلع لا يخل أبداً باتفاقيات التجارة الحرة بل إن هذه الاتفاقيات تعطى الحق للدولة للتدخل لأسباب اجتماعية وإنسانية مثل تحديد أسعار الدواء والسلع الأساسية وخاصة لمحدودى الدخل وكذلك فى حالات الكوارث الطبيعية أو كتدابير وقائية فى حالة أى تهديد للصناعة المحلية. دعونا نتفق على أن الدولة تقوم بجهود كبيرة فى مجال الإصلاح الاقتصادى وكما قلت مرارًا وتكرارًا فإن ديون مصر الداخلية والخارجية تحولت لأصول بقيمة تزيد على 5 أضعاف قيمة الديون. ولكن يظل المواطن المصرى البسيط هو الهدف والغاية من أى إصلاح. لقد شهدت مصر موجة من الغلاء تم التصدى لها من خلال عملية الدعم ولكن تظل الرقابة هى العنصر الحاسم تجاه محاولات الاحتكار لبعض السلع أو رفع أسعارها دون أى مبررات، يأخذنى ذلك لمسألة أخرى وهى الشهادات التى تصدرها بعض البنوك كوعاء ادخارى للمواطنين وخاصة لأصحاب المعاشات وضرورة التوسع فيها مع الأخذ فى الاعتبار أن خفض الفائدة الذى تم مؤخرًا أثر على هذه الفئة والتى كانت تجد فى فائدة مدخراتها طريقًا لتعويض فارق تكلفة متطلبات الحياة وقيمة المعاشات التى تزيد سنويًا ولكنها تظل قاصرة عن مواجهة الزيادات المتلاحقة فى الأسعار. مشكلة مصر الحقيقية ليست الغلاء ولكن غياب الضمير! وعدم وجود آليات لبتر الداء بعيدًا عن المسكنات.