«والقمح الليلة الليلة ليلة عيده.. يا رب تبارك تبارك وتزيده..» (من كلمات طيب الذكر «حسين السيد» من غناء موسيقار الأجيال «محمد عبد الوهاب»). على ذكر ليلة القمح، عيد الحصاد، يقال إن رؤية حصاد القمح فى المنام تدل على الرزق والخير والبركة، ويُفسر القمح فى المنام بالرزق الحلال، كما يشير إلى أن الرائى شخص مجتهد يسعى لتحقيق أهدافه من خلال العمل الجاد. ليس حلما ما رأيت، «بأم عيني»، رأيت الحصاد، يغبطنى الحصاد، سيما حصاد القمح، وفى معية الرئيس السيسي، مصر كلها كانت حاضرة مغتبطة باحتفالية الخير، بمحور الشيخ زايد (محور الضبعة سابقاً). زاد من غبطتي، افتتاح المرحلة الأولى من «مدينة مستقبل مصر الصناعية»، نموذج حى ومثال ناطق بأجندة أولويات الدولة المصرية فى العشرية الجديدة، بعد عشرية ثورة يونيو المجيدة، تخطو يونيو واثقة على درب الأمل. على ذكر فقه الأولويات يترجم «فقه الموازنات» وهو مصطلح إسلامى حديث، يُعرَف ب»فقه مراتب الأعمال»، حيث يفاضل بين الأعمال من حيث أيها أولى بالتقديم على غيرها. بالضرورة وأولوية أولى توفير الغذاء، من الأولويات المعتبرة التى توصف بالاستراتيجية، ويصح هنا حديث الأولويات الجاد المدروس مصحوبا بالحيثيات. هناك وجهات نظر مقبولة فى سياق تلاقح الأفكار، أبدا ليس نفيا لصالح الأعمال وجدواها، وإجهاض الأحلام فى مهدها، وتصدير اليأس والإحباط، فحسب مناقشات مثمرة بين الأحباء. معلوم هناك من يزرع الأمل فى النفوس، وهناك من يئد الأجنة فى الأرحام، فارق بَيِّن بين من يحفر بأظافره الصخر فى قلب الصحراء الصفراء.. يعمرها ويرويها ويخضرها، يزرع فيها أشجار الأمل، ويحتفل بالحصاد، ومن يسترخى ممددا مستنيما على شواطئ الراحة، ينقش فى الفضاء الإلكترونى أحلاما براقة تعجب الناظرين، يمطرونه «لايكات». هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا، رجال صدقوا، يزرعون الصحراوات الصفراوات بالحلم الأخضر، وفق توقيتات موقوتة، وبين من يتلذذ بحديث مخاتل، وينظر من التنظير غير المكلف، ما يسمونه مخاتلة «حديث الأولويات»!! ويصير السؤال مفعما بالأولويات، أليس مشروع مدينة مصر الصناعية شرق العوينات، وإحياء مشروع توشكى، وأكبر منهما مشروع «الدلتا الجديدة» التى تكلفت المليارات من لحم الحى كأكبر المشروعات الزراعية فى العصر الحديث بغية توفير نسب مقدرة من الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الأساسية.. أليس أعلاه من فقه الأولويات؟! من ذا الذى يضع قائمة الأولويات، وماهية الأولويات؟ إن الأولويات تشابهت علينا، هل يمارى منظرو الأولويات فى أولوية هذا المشروع الزراعى العملاق لكفاية المصريين من السكن والغذاء للأجيال المقبلة؟! حديث الأولويات يسرى، العند السياسى يولد الكفر بالمنجزات التى تتحدث عن نفسها، ولربما لا تجيد حكومة الدكتور مدبولى تسويقها بين الناس، ولكن الناس ترى وتسمع وتتكلم بفقه الأولويات.. قطعيا، لا نشكك البتة فى اخلاص المخلصين وطنيا إذا تحدثوا عن الأولويات المرحلية، ولكن بعض الموضوعية مستوجب للإنصاف الوطني، الواقعية فى التنظير، وقبلها التوفر على المعلومات اليقينية اللازمة للمصداقية المستوجبة. شغل الفضاء الوطنى بحديث الأولويات جيد، ولكنه حكى تنقصه موضوعية الإنصاف، وكأن ما تجرى وقائعه على الأرض ونشاهده على الهواء مباشرة محض أضغاث أحلام ويخاصم الأولويات! لا يستقيم منهجيا ولا علميا، ظلمٌ بَيِّنٌ، تصدير حديث الأولويات لإجهاض ما هو مصنف أولوية أولى، بعضا من الإنصاف السياسي، استصلاح الصحراوات يحتاج لتضافر الجهود، وحفز الهمم، وعَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتى العَزائِمُ.