تبدو مصر غارقة فى كل شبر من أرضها بكنوزها التاريخية ومعالمها الحضارية.. ومثلما تزينت أرضها بآلاف القطع الأثرية ..فما خفى فى مياهها تحت البحر أو النهر يظل مبهرًا، إنه تاريخ لم يطمسه طمى النهر ولا أمواج البحر، من هنا تأتى أهمية الاجتماع الذى عقده رئيس الوزراء أمس، بهدف الاستفادة من آثارنا الغارقة، وقد لا يعرف الكثيرون أننا نمتلك ثروة فريدة لا تقتصر على مكان واحد.. ففي أعماق مياهنا، تستكين كنوز أثرية، من الإسكندرية الأسطورية التى تحتفظ فى أعماقها ببقايا أحياء ملكية ..إلى موانئ البحر الأحمر التاريخية .. ولا تغيب أسرار أسوان الكامنة في طمي النيل عن الأنظار. «الأخبار» ترصد في هذا الملف قصص الحضارة المصرية الغارقة تحت الماء من الشمال للجنوب لنرى جانباً آخر من تاريخ مصر.. نغوص لنشهد انسياب النيل حاملاً معه ذكريات الماضي.. ونواجه أمواج البحر لنبحر وسط أصداء الحضارات الغارقة ..لنشهد عظمة حضارات ازدهرت ثم استراحت في أحضان الماء لتظل شاهدة على براعة الإنسان وعظمة الماضى. ◄ متاحف بحرية ومدن أسطورية في قاع الإسكندرية تحتل الإسكندرية الصدارة فى عدد مواقع الآثار الغارقة وعدد المكتشفات البحرية المهمة..ولذا فقد كانت هى نواة إنشاء إدارة الآثار الغارقة التى امتد عملها لجميع أنحاء مصر، كما يوضح الدكتور إسلام سليم مدير إدارة الآثار الغارقة الأسبق لذا نستعرض أبرز مواقعها المتنوعة فى البداية. ◄ مدن تحت المياه في خليج أبي قير فى سماء خليج أبى قير على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً شرق الإسكندرية.. كان الكابتن كول يحلق بطائرته عام 1933 عندما لمحت عينه شواهد صامتة تبدو كبقايا أعمدة راسخة تستقر فى الأعماق ليسارع بإبلاغ الأمير عمر طوسون أحد أبناء العائلة المالكة من أسرة محمد على باشا وصاحب ضيعة أبوقير.. والذى اتصل بدوره بمديرى المتحف اليونانى آنذاك «بريشيا»..وما هى إلا فترة وجيزة حتى تشكلت بعثة استكشافية صغيرة لكشف النقاب عن أسرار الخليج ..وكان أولها استخراج رأس تمثال من الرخام الأبيض النقي. وبنظرة الخبير الفاحصة أعلن بريشيا أنه رأس الإسكندر الأكبر..وكأنما كان خليج أبى قير ينتظر الفرصة ليبوح بما اختزنته أعماقه قروناً طويلة .. ■ تمثال لملك يحتمل من العصر البطلمي من الجرانيت الاحمر فقد أعقب ذلك مسح فى مناطق متعددة أسفرت عن وجود بقايا لمدينة غارقة تحدثت عنها المصادر القديمة وهى مدينة كانوب التى كانت تقع على الفرع السابع للنيل، حسبما يوضح د.محمد السيد .. وتوالت الاكتشافات ..فبدأت المدينة الغارقة تبوح بأسرارها شيئاً فشيئاً وكأنها هاربة من سبات الأعماق تفور نحو السطح كأمواج متلاحقة إلى أن جاء موعد اكتشاف آخر كبير ففى عام 2000 اكتشفت بعثة فرنسية أثرية مدينة هيراكليون الغارقة بخليج أبى قير و التى وردت فى المصادر القديمة مثل كتابات هيرو دوت من القرن الخامس قبل الميلاد.. فكما يوضح د. إسلام سليم مدير عام إدارة الآثار الغارقة الأسبق فكانت هيراكليون هى أكبر ميناء لمصر على ساحل البحر المتوسط قبل أن يؤسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية عام 331 قبل الميلاد.. فمثلت نبض مصر التجارى الذى استقبل السفن بأضواء لاتخفت ..تلوح للسفن القادمة من أقصى الشرق والغرب المحملة بالبضائع والثقافات، لتصبح مركزاً حيوياً للتبادل الحضارى ..قبل أن تبنى مدينة الإسكندرية وتستحوذ على مكانتها وقبل أن تحل بها كارثة ما لتغوص تحت البحر فقد طوّقت الأمواج هياكلها وتلاشت أضواؤها فى أعماق البحر قرابة القرن الرابع قبل الميلاد لتتحول من ميناء يعج بالحياة إلى أطلال تحت الماء تنتظر منَ يكتشف أسرارها ويعيد إحياء حكاياتها. ويتميز الموقعان بوجود أطلال ضخمة لهما مثل أجزاء معبد للإلهة أفروديت من القرن الخامس قبل الميلاد وحلى ذهبية وأوانى مرمرية ومبان وأعمدة ضخمة وتماثيل لمعبودات وهو ماشجع الحكومة مؤخراً على إعادة البحث فى إمكانية إقامة متحف خاص بها ربما يكون تحت مائى أو لعرض أبرز القطع التى تم انتشالها. ◄ اقرأ أيضًا | العثور على سيارة غارقة منذ 80 سنة ◄ قلعة قايتباي.. حارسة الأسرار الملكية شامخة على ثغر الإسكندرية.. تقف قلعة قايتباى كحارس أسطوري.. لا يحمى أسوار المدينة وحدها.. بل تحتضن فى مياهها عالمًا يكتنز بأسرار على مر العصور..فالقلعة المبنية على بقايا فنار الإسكندرية القديمة تحتضن في محيطها أكثر من ثلاثة آلاف قطعة معمارية فريدة .. يشير د. إسلام سليم مدير عام إدارة الآثار الغارقة الأسبق إلى تنوع هذا الركام الغنى بالتاريخ من الجرانيت الوردى والرمادى إلى الرخام الأبيض الناصع والرخام الأسود ذى العروق البيضاء الأنيقة مروراً بصلابة البازلت وبريق الكوارتزيت..لافتًا إلى أنه من بين هذه الكنوز تجلت سبعة تماثيل لأبى الهول كما عثر على حطام ثلاث سفن ترجع إلى ما بين القرنين الثالث ق.م والسابع الميلادي. ■ خليج قايتباي الإسكندرية وتروي د. منى الحديدى مفتشة الآثار الغارقة أن أبرز محطات الاكتشافات الأثرية بمحيط قلعة قايتباى ترجع إلى عام 1962 عندما عمل كامل أبو السعادات بالاشتراك مع القوات البحرية المصرية على انتشال قطع أثرية من موقع القلعة.. وبداية من 1994م عمل مركز الدراسات السكندرية فى هذا الموقع حيث عثر على الآثار التى أحاطت بعمود السوارى وألقيت فى الميناء عام 1176م فى عهد صلاح الدين الأيوبي لتعيق الغزو الصليبي القادم من قبرص. ◄ الحي الملكي.. قصة الميناء الشرقي هنا الميناء الشرقى ..هنا كانت قصور الملوك العظماء..واجهة الإسكندرية..من ينظر إليه يرتوى من التاريخ ..لك أن تتخيل أنك تطأ أرضاً وبحراً كانت مسرحًا لأعظم الأحداث التى شكلت العالم القديم فأنت هنا ضمن مملكة التاريخ..فقد كان الميناء الشرقى هو الميناء الملكى للعاصمة القديمة حيث احتوى على القصور والمعابد ومنارة الإسكندرية الأسطورية بجزيرة فاروس إحدى عجائب العالم السبع..ولكن اليوم أصبح هذا الحي راقداً تحت مياه البحر المتوسط.. ■ الكنوز الغارقة بالميناء الشرقي يصحبنا د. محمد السيد مفتش الآثار الغارقة إلى جولة داخل الميناء، موضحًا أن الأثر الأبرز فيها هو منارة الإسكندرية التى أمر بإنشائها بطليموس الأول فى عام 297 ق.م حيث كانت معلماً للمدينة القديمة فبلغ طولها 130م واحتوت على مشعل لتوجيه السفن إلى الميناء من على بعد 50 كم فى البحر ،حيث كان ينعكس ضوء ناره العظيمة على مرآة برونزية ضخمة.. ولكن يد الإهمال تسببت في تداعى أركان هذه المنارة تدريجياً حتى انهارت تماماً بعد زلزال عنيف أصابها فى القرن الرابع عشر الميلادي، ومع ذلك فلم تستسلم أسرار الميناء الشرقى للنسيان، ففى الحفائر الأخيرة التى تجرى فى أعماق هذا الموقع التاريخى بدأت الأرضية الرخامية لقصر يعتقد أنه كان يوماً ما مسكناً للملكة الأسطورية كليوباترا فى الظهور لتنضم إليها بقايا معبد لإيزيس وأبو الهول وتماثيل أخرى صامتة تحكى كل منها قصة من قصص الماضى العريق،ليظل هذا الحى الملكى العريق يرسل إشارته من تحت أمواج البحر المتوسط الزرقاء على مجد قديم وحضارة اندثرت. ◄ قصر كليوباترا.. وجود محتمل في الشاطبي فى منطقة الشاطبى بالإسكندرية تتشابك خيوط الماضى بالحاضر.. فهذا الموقع الذى يمتد من السلسلة أمام مكتبة الإسكندرية حالياً يلامس ما عُرف فى العصر البطلمى ب «رأس لوخياس» القلب النابض بالقصور الملكية والمعابد الفخمة فى الحى الشرقى لمنطقة الحى الملكى بالعصر البطلمي.. ■ المرساة الحجرية الشاطبي ويلفت سعد أحمد مفتش الآثار الغارقة إلى أن البعثات الأثرية قد عثرت على قطع أثرية مهمة حول لسان السلسلة الممتد نحو الشرق قد تكون بقايا معبد مهيب للإلهة إيزيس أو أجزاء من قصر الملكة الأسطورية كليوباترا السابعة التى حكمت مصر كما ظهرت بقايا فخارية معظمها لأوان على طراز الأمفورات تعود بنا بالذاكرة إلى العصر الرومانى المتأخر لتشهد على حركة تجارية وثقافية نشطة كانت تدب على هذه الأرض منذ آلاف السنين..ومازال يشهد الموقع أعمال تنقيب للكشف عن المزيد من الأسرار. ◄ سر السفينة الغارقة.. جزيرة سعدانة ترصد التجارة العابرة للقارات في مياه ضحلة تتخللها شعاب مرجانية ملونة ..يرقد حطام سفينة غامضة.. ربما ابتلعتها الأمواج وغدر الطبيعة حوالى عام 1760م.. هنا فى جزيرة سعدانة شمال سفاجا بالبحر الأحمر حيث يرقد هذا السر الدفين ليحكي قصة تجارة عابرة للقارات فى القرن الثامن عشر الميلادي. ■ الآثار الغارقة بجزيرة سعدانة ويوضح د.محمد مصطفى أن تلك السفينة المكتشفة هى أول عملية حفر كبيرة لحطام سفينة يتم إجراؤها فى المياه المصرية وقد بلغ طولها 50م وكانت تحمل حوالى 900 طن من البضائع مثل خزف صينى من عهد أسرة تشينغ لتسويقه فى منطقة الشرق الأوسط كما عثر على العديد من أنواع التوابل كالفلفل والهيل وجوزة الطيب من الهند واللبان من عمان بالإضافة جوز الهند والزيتون والبندق وغيرها من البضائع. تثير هذه السفينة الغارقة فضول الباحثين فطرازها المعمارى لا يشبه أيا من السفن التى عرفتها تلك الحقبة الزمنية مما يجعل أصلها لغزا محيرا. ومع ذلك فإن محتوياتها الثمينة تسلط الضوء على حركة تجارية نشطة ربطت بين أقاليم متباعدة وجعلت من موانئ مصر حلقة وصل حيوية بين الشرق والغرب. ◄ كنوز «قارون».. أدوات حجرية للمصريين القدماء فى عام 2010 شهدت أعمال مسح أثرى لبحيرة قارون ورغم أن الفريق لم يعثر على تماثيل وأبنية ضخمة تحت الماء لكن اكتشافاتهم لاتزال مهمة.. فقد كشفت الأعماق عن مئات الأدوات الحجرية المصنوعة من البازلت والصوان ولقى أخرى تشير إلى وجود بشرى يعود إلى عصور قديمة جدا وبين هذه الشواهد الغارقة ظهرت حلقات فخارية من العصر العثمانى لتشكل لوحة زمنية فريدة تجمع بين العصور السحيقة والأزمنة القريبة وكأنها رسالة من عصر قريب يصافح آخر بعيد.. ■ بحيرة قارون بالفيوم ويرى د. محمد مصطفى رئيس الإدارة المركزية للآثار الغارقة الأسبق أنه لا يمكن العثور على أى بقايا أثرية ثابتة فى قاع البحيرة بسبب التاريخ الجيولوجى للمنطقة وتضاؤل البحيرة منذ العصور القديمة مما يعنى أنه لا يمكننا العثور على أى بقايا أثرية موجودة فى مكانها ولكننا نأمل فى اكتشاف حطام سفن تكون راقدة داخل أو تحت الطبقة الرسوبية التى يبلغ سمكها مترين مما يؤكد أهمية استخدام المسح الجيوفيزيقى أيضا هناك». ◄ أسرار نلسون وتقلبات الزمان على بعد أربعة كيلومترات من رأس خليج أبى قير..تقع جزيرة نلسون جزيرة صغيرة التى تحمل فى طياتها حكايات قرون من الزمن ..تروى تحولات الزمان والمكان..كمشهد مصغر من الحياة.. فهى ليست مجرد بقعة يابسة تتراقص من حولها ألسنة الأمواج بل مسرح توالت عليه فصول الحياة فتقلبت بها الأحوال من مقبرة صامتة إلى مستوطنة حيوية ثم هجرها سكانها لتصبح محجرا إلى أن أصبحت نقطة استراتيحية خلال الحرب..ثم عادت سيرتها الأولى فطوت أمواج البحر أمجادها لتصبح أسطورة وتاريخا..إلى أن جاء أوان الكشف عن تاريخها فى عام 1998 حيث بدأت الجزيرة تفصح عن خباياها فأثمرت جهود البعثة الإيطالية برئاسة «باولو جاللو» عن اكتشاف ما يزيد عن 200 قطعة أثرية تحكى كل منها قصة وتلقى الضوء على حياة وثقافة قاطنى الجزيرة الأوائل كما يوضح أحمد محمود الديب مفتش الآثار الغارقة. ■ تمثال ملكي من العصر البطلمي بخليج أبي قير فبين ثنايا الرمال والمياه ظهرت شواهد من الأسرة المصرية السادسة والعشرين تشير إلى حضارة عريقة وتلتها لمحات من العصر البطلمى تعكس امتزاج الثقافات وعمق التاريخ. ويشير د. حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الذى يحتضن قاعة خاصة بآثار نلسون فى حديثه للأخبار أن المتحف يعرض ال183 قطعة من هذه المكتشفات الثمينة فى قاعة خاصة تحملها اسمها..ويوضح أنه فى الفترة الأولى اقتصر استخدام جزيرة نلسون كجبانة من قبل سكان كانوب وهيراكليون الغارقتين أما فى نهاية القرن الرابع قبل الميلاد فقد اتخذ الإغريق قرارا خالف الأعراف فأقاموا مستوطنتهم الجديدة على أنقاض الجبانة القديمة ربما مدفوعون بالحاجة إلى السيطرة على حركة الملاحة فى الميناء الأعظم بمصر آنذاك. فتجلى فى تلك المستوطنة براعة التخطيط العمرانى والهندسة المعمارية فى بناء الجدران الشاهقة والمعابد والصهاريج الضخمة .. ويلفت عبد البصير إلى أنه فى القرن الخامس الميلادى أصبحت الجزيرة محجرا حيث شكل العمال مستوطنة فقيرة هجرها سكانها فى نهاية القرن السابع الميلادى ..بينما عادت نلسون للصدارة وقت الحروب البريطانية الفرنسية والتى كان الغرض من ورائها السيطرة على البحر المتوسط فأصبح خليج «أبى قير» هدفا حساسا ولعبت الجزيرة دورا نظرا لموقعها مما خلف هناك المزيد من الآثار. ◄ ميناء روماني في خليج المعمورة كان خليج المعمورة بالإسكندرية يمثل البوابة البحرية التى تربط البحر الأبيض المتوسط بشريان الحياة فى مصر نهر النيل.. يتهادى الخليج من حدائق المنتزه الملكية غربا وينساب بهدوء حتى يلتقى بخليج أبى قير شرقا ليشكل قوسا يحتضن ذكريات تاريخية ..فقد كانت السفن القادمة من بعيد تشق طريقها عبر فرع النيل الكانوبى حاملة بضائع متنوعة وثقافات مختلفة لتنقلها إلى قلب مصر ومدنها وقراها المنتشرة على ضفاف النيل، حسبما يوضح عبد الحميد عبد المجيد القائم بأعمال المدير العام للآثار الغارقة سابقا، ويشير إلى عثر فى الموقع على كسرات فخارية وبقايا أوان فخارية ضخمة منتشرة فى قاع الخليج مما يدل على وجود حطام العديد من السفن من بينها سفينة رومانية وهو ما يشير بدوره إلى ازدهار التجارة ويلفت مصطفى شحاتة مفتش الآثار الغارقة إلى أنه عثر أيضًا بالموقع على ميناء صغير ورصيف يعودان إلى العصر اليونانى الرومانى بالإضافة إلى محجر للحجر الجيرى الذى استخدم فى بنائهما كما كشف عن أحواض يعتقد أنها بقايا مزارع سمكية قديمة مما يشير إلى وجود تجمع سكنى قديم . ◄ حكايات 2000 سنة في مرسى باجوش أما على بعد خمسين كيلومترا شرق مدينة مرسى مطروح الساحرة حيث تعانق رمال الصحراء زرقة المتوسط فتتجلى منطقة «مرسى باجوش» كلوحة فنية خطتها يد التاريخ على صفحات البحر.لم تكن هذه البقعة الساحرة مجرد ميناء عابر بل كانت بمثابة حضن دافئ للسفن التجارية العابرة وملاذا آمنا لآلاف المراكب التى جابت المتوسط عبر القرون. وكشفت جهود مركز الآثار البحرية بجامعة الإسكندرية منذ عام 2015 عن كنوز كامنة تحت الماء فأسفرت أعمال المسح الأثرى بقيادة الدكتور عماد خليل رئيس مركز الآثار البحرية بكلية الاداب- جامعة الاسكندرية عن بقايا سفن غارقة تعود لعصور مختلفة بداية من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن التاسع عشر الميلادى ..تروى كل قطعة منها تحكى قصة رحلة انتهت فى الأعماق. وتنتشر حول هذه الحطام مراسى حجرية حديدية ورصاصية.. كما أخرجت الأعماق عددا لا يحصى من الأوانى الفخارية القادمة من شمال إفريقيا ومصر واليونان وإيطاليا وإسبانيا وفلسطين لتشكل معا خريطة حية لكثافة النشاط البحرى فى هذه المنطقة عبر العصور وأن مرسى باجوش ظل مستخدما من قبل السفن لمدة تزيد على ألفى عام ◄ ميناء خوفو على البحر الأحمر.. وادي الجرف..عندما يصبح قاع البحر سجلًا للتاريخ نسافر عبر رمال الزمن الذهبية شرقا نحو شواطئ البحر الأحمر الدافئة .. حيث يحتضن وادى الجرف سرا عتيقا..هنا نقف على أعتاب أقدم ميناء صناعى عرفه العالم... ويكشف د.محمد مصطفى رئيس إدارة المركزية للآثار الغارقة الأسبق ورئيس البعثة المائية الأخيرة لوادى الجرف بالبحر الأحمر «للأخبار» أن أعمال المسح المائي لوادي جرف قد انتهت هذا العام.. فبعد عمل دام 4 أعوام توصلت البعثة المصرية لكامل حدود وأبعاد الوادى وعثرت على بعض المكتشفات ..مشيرا فى الوقت ذاته إلى استمرار عمل البعثة الفرنسية على اليابسة».. ■ وادي الجرف بالبحر الأحمر وأضاف :«يرجح أن الميناء يرجع إلى عصر الملك خوفو أشهر ملوك الأسرة الرابعة (حوالى 2600 ق.م) وفترة من عهد الملك خفرع .. ويثبت العثور على هذا الميناء أن المصريين القدماء قد عرفوا إنشاء الموانئ البحرية منذ الأسرة الرابعة على الأقل وكونوا شبكة اتصال بين ساحل البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء.. وكان قد عثر فى وادى جرف على 21 مرساة من الحجر الجيري ترجع إلى عصر الأسرة الرابعة وعدد من البرديات البرديات مدفونة بين الكتل الحجرية التى أغلقت بها المغارات القريبة والتي يعتقد أنها كانت ورش عمل ومخازن وسكن وتسجل تلك البرديات كيفية نقل الحجارة لبناء الهرم ويوميات العمال مما يؤكد أن بناء الهرم كان مشروعا قوميا مصريا. ◄ جرّة فخارية تكشف أسرار الساحل الشمالي إلى الغرب، نتجه حيث الساحل الشمالى فعلى مقربة من شاطئ العلمين كنز صامت جديد. وهو حطام سفينة تجارية التى تضرب بجذورها فى عمق القرن الثالث قبل الميلاد أى قبل 2300 عام تقريبا .تروى قصتها على مهل ..فلم تكشف الأمواج سرها دفعة واحدة.. بل جاءت شواهدها الأولى منذ أربع سنوات تقريبا حين عثر صياد على «أمفورا» فخارية، وهى جرة كان يستخدمها الرومان والإغريق، لتكون بمثابة إشارة خافتة لوجود هذا الكنز. ■ جزء من حطام سفينة تجارية يروى محمد على مفتش الآثار الغارقة أن المشهد اكتمل فى عام 2023 ، عندما لاحظ أحد رواد القرى السياحية حطام السفينة لتبدأ رحلة استكشاف جديدة..ويوضح مروان فتحى مفتش الآثار الغارقة أن أعمال المسح البحرى التى امتدت لمسافة ألف متر مربع تقريبا أسفرت عن وصف دقيق للموقع. فقد كشفت عن صخرة كبيرة تتراوح مساحتها بين 300 و400 متر مربع التصق بها كم هائل من جرارات الفخار» ذات المقبضين بعضها مكتمل والآخرى مكسورة. ◄ معبد بطليموس في الأعماق.. آثار النيل الخالد في أسوان إلى الجنوب.. حيث تدفقت أسرار الحضارة من حضن النيل الساحر وفاضت وجرت على ضفافه وامتدت شواهدها حتى اليوم.. فكان النيل المبارك هو شريان مصر الذى يربط شمالها بجنوبها وتنقل من خلاله البضائع والمقتنيات والأحجار من المحاجر جنوبًا إلى المعابد والمقابر شمالًا.. فتركت آثارها فى قاع النيل.. تهمس برواياتها عن أحداث الزمن القديم لتظهر بقايا السفن الغارقة أو ما سقط منها أثناء عمليات النقل بعد آلاف السنين. ■ مصباح زيتي من معبد بطليموس وعن أبرز المواقع المكتشفة يقول د.هانى عز الدين كبير الباحثين بإدارة الآثار الغارقة «للأخبار» أن عمل بعثات الآثار الغارقة فى أسوان قد أسفر عن موقعين مهمين فى أسوان أولهما هو المراسى والتى كانت تمثل حركة تجارية نابضة كمرسى الأهالى أو ما يشتهر ب «معدية الأهالى» بالقرب من جزيرة النباتات والذى يرجح أنه المرسى الرئيسى لجزيرة إلفنتين وموقع معدية النجع البحرى الذى يمثل مرسى صغيرًا.. حيث نجحت البعثة المصرية فى إزاحة الستار عن جزء من معبد بطليموس السادس ونقوش جدارياته الفريدة التى تحمل لمحات من الحضارة المصرية بينما لاتزال البعثة فرنسية حاليًا على توثيق نقوشها بدقة لتكشف للعالم المزيد من الأسرار. ويتابع د.عز الدين أن الموقع الثانى هو جبل السلسلة حيث تنتصب محاجر الجرانيت والحجر الرملى.. فقد خاضت البعثة الأثرية مغامرة كان هدفها الرئيسى هو اكتشاف الأرصفة البحرية.. ونجحت فى تسليط الضوء على الآلية المتبعة فى نقل القطع الحجرية حيث كانت تنقل إلى الضفة الأخرى هى منحوتة جزئيًا ليتم صقلها ونحت التفاصيل الدقيقة بها بعد النقل وذلك لضمان عدم تأثر ملامحها الدقيقة بعمليات الشحن والانتقال. وإلى جانب ذلك فمازال النيل تنساب منه الأسرار فوثقت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية عددًا من اللوحات والنقوش والصور المصغرة للملوك أمنحتب الثالث وتحتمس الرابع وبسماتيك الثانى وإبريس أثناء تنفيذ مشروع المسح الأثرى الفوتوغرافى لأول مرة تحت مياه النيل بأسوان لدراسة النقوش الصخرية الواقعة بين خزان أسوان والسد العالى كما يوضح سعد أحمد مفتش الآثار الغارقة.