سميحة شتا فى سعيه إلى التوصل إلى اتفاق نووى جديد مع إيران، يبدو الرئيس دونالد ترامب حريصا على تعطيل الوضع الراهن دون رؤية متماسكة لكيفية القيام بذلك. وهذا هو السبب فى أن الإنذار الذى وجهه فى مارس الماضى بأنه إذا لم تنجح المحادثات خلال شهرين، فسوف يفكر فى العمل العسكرى بمساعدة إسرائيل على الأرجح أمر خطير للغاية. اقرأ أيضًا | باحث سياسي: تأجيل المفاوضات لا يعني خلافا بين الولاياتالمتحدةوإيران لقد عاد ترامب إلى التلويح باستخدام سياسة العصا والجزرة فى تسوية الأزمات الإقليمية المشتعلة، حيث أرسل ترامب فى مارس الماضى رسالة إلى المرشد الأعلى الإيرانى، آية الله على خامنئى، مُعلنًا فيها رغبة الولاياتالمتحدة فى التفاوض على اتفاق جديد، ثم أعقب ذلك تهديدًا علنيًا، قائلًا إنه إذا لم يوافق قادة إيران على استئناف المحادثات، فسيتعرضون «لقصف لم يروا مثله من قبل». بعد تهديدات ترامب وحشد القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط، أعلن الجيش الإيرانى أنه سيرد على أى هجوم باستهداف القواعد الأمريكية فى المنطقة، التى تضم آلاف الجنود الأمريكيين. تقول صحيفة «الجارديان» البريطانية أن القادة الإيرانيين وافقوا أيضًا على إجراء مفاوضات غير مباشرة، بدلًا من المحادثات المباشرة التى اقترحها ترامب. وقد أرسل ترامب مبعوثه الخاص، المطور العقارى ستيف ويتكوف، لقيادة فريق من المفاوضين الأمريكيين للقاء كبار المسؤولين الإيرانيين بشكل غير مباشر، بمن فيهم وزير الخارجية عباس عراقجى. وعقد الجانبان ثلاث جولات من المحادثات المثمرة حتى الآن هذا الشهر، بوساطة عُمان. ومن المقرر أن يجتمع الفريقان الأمريكى والإيرانى مجددًا فى بداية هذا الأسبوع فى مسقط، عاصمة عُمان، حيث سيبدآن محادثات حول التفاصيل الفنية لاتفاق محتمل. فى مايو 2018، انسحب دونالد ترامب من جانب واحد من الاتفاق النووى الإيرانى، وأعاد فرض العقوبات الأمريكية التى شلت الاقتصاد الإيرانى. والآن وبعد مرور مائة يوم على ولايته الثانية كرئيس، يتطلع ترامب إلى إصلاح الاتفاق النووى مع إيران الذى انتهكه منذ ما يقرب من سبع سنوات. فى حين غيّر ترامب وقادة إيران لهجتهم فى الأسابيع الأخيرة، إلا أن هناك العديد من العقبات قبل التوصل إلى اتفاق، بما فى ذلك المتشددون فى إيرانوواشنطن، بالإضافة إلى معارضة الحكومة اليمينية فى إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو، الذى قضى سنوات فى العمل على تقويض المفاوضات بين الولاياتالمتحدةوإيران. سيكون الحاجز الرئيسى هو ما إذا كانت إدارة ترامب تصر على تفكيك البرنامج النووى الإيرانى بالكامل ما يسمى «النموذج الليبى»، الذى سمى على اسم الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، الذى قرر القضاء على برنامج الأسلحة النووية لبلاده فى عام 2003 تحت ضغط من الولاياتالمتحدة. يُصرّ بعض صقور السياسة الخارجية فى واشنطن، بمن فيهم مستشار ترامب للأمن القومى، مايكل والتز، ووزير الخارجية، ماركو روبيو، على هذه الاستراتيجية المتطرفة، التى تُحاكى مطلب نتنياهو بأن تُفكّك إيران بالكامل أنشطتها النووية وبنيتها التحتية كجزء من أى اتفاق مع الولاياتالمتحدة. إذا اتبع ترامب نهجًا مشابهًا، فمن المُرجّح أن تنهار المفاوضات، وقد يُنفّذ ترامب تهديده بشن ضربات عسكرية. أوضحت إيران أنها لن توافق على إنهاء برنامجها النووى بالكامل، لكنها ستقبل نهجًا قائمًا على التحقق، كما فعلت فى اتفاق عام 2015 الذى تفاوضت عليه إدارة أوباما مع الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة وألمانيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبى. من شأن هذا النوع من الاتفاق أن يفرض قيودًا صارمة على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، ويفرض نظام تفتيش يضم مراقبين دوليين. ويبدو أن العديد من مستشارى ترامب، بمن فيهم ويتكوف ونائب الرئيس، جيه دى فانس، يؤيدون هذا الحل. يبدو أن قادة إيران قد فهموا هذه الرسالة، وسعوا إلى إرضاء غرور ترامب وإبراز احترامهم له بطريقة لم يحترموا بها بايدن قط. فى مقال رأى نُشر فى صحيفة واشنطن بوست فى 8 أبريل، بدا وزير الخارجية الإيرانى وكأنه يخاطب ترامب مباشرةً عندما ألقى باللوم فى فشل المفاوضات السابقة على «غياب الإرادة الحقيقية من جانب إدارة بايدن». كما استغل عراقجى رغبة ترامب المتكررة فى أن يكون صانع سلام يُنهى إرث أمريكا من الحروب الدائمة، فكتب: «لا يمكننا أن نتخيل الرئيس ترامب راغبًا فى أن يصبح رئيسًا أمريكيًا آخر غارقًا فى حرب كارثية فى الشرق الأوسط». وناشد الوزير ترامب بسمعته كصانع صفقات، مشيرًا إلى «فرصة التريليون دولار» التى ستعود بالنفع على الشركات الأمريكية إذا تمكنت من الوصول إلى إيران بعد اتفاق دبلوماسى. من الواضح أن قادة إيران يدركون أن ترامب يُحب أن يُصوّر سياسته الخارجية على أنها مُوجّهة برغبته فى تأمين صفقات اقتصادية وفوائد للشركات الأمريكية. فى هذه الحالة، قد تؤدى غرائز ترامب التجارية وأسلوبه التفاوضى المُتَمَسِّك إلى نتيجة إيجابية، تُجنِّب الحرب مع إيران وتُقوِّض موقف المتشددين فى واشنطنوإيران وإسرائيل. لقد تبنّى ترامب بالفعل تحوّلاً كبيراً تجاه طهران منذ ولايته الأولى، حين أصرّ على أن إيران هى الدولة الرائدة فى العالم فى رعاية الإرهاب وأكبر تهديد لمصالح الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط. فى ولايته الثانية، أبعد ترامب معظم المحافظين الجدد عن إدارته، ويبدو أن ترامب يدرك أيضًا أن نتنياهو قد يصبح أحد أكبر العقبات أمام التوصل إلى اتفاق مع إيران، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يعلن الرئيس عن خطته لاستئناف المحادثات مع إيران بينما كان نتنياهو يجلس بجانبه فى اجتماع بالمكتب البيضاوى فى 7 أبريل. إذا استمر ترامب فى مقاومة نتنياهو، إلى جانب الجمهوريين المتشددين وبعض مستشاريه، فقد يكون قادرا على التفاوض على اتفاق دراماتيكى مع إيران وإصلاح الأزمة النووية التى أطلقها قبل سنوات.