لا أستثنى أحدا من هؤلاء النجوم الذين يحتكرون الإنتاج ويحققون مكاسب مالية ضخمة من هذه الأعمال الرديئة كلمات بليغة للمستشار رئيس المحكمة قبل أن ينطق بالحكم الصادر فى حق المتهم تكشف عن قضية مهمة يعانى المجتمع منها بعد أن أصبح البلطجى النموذج والقدوة لجيل من الشباب. كلمات بمثابة صرخة للمجتمع بعد أن أصبحت البلطجة واستعراض القوة تفرض نفسها علينا.. وبعد أن اتجهت الدراما المصرية إلى هذا السلوك المعوج الذى تدعى أنه يحقق نسب مشاهدة عالية ويجلب مزيدا من الإعلانات وهو قول باطل مهما حاول المنتجون الترويج له عبر عدد من النجوم. قبل عدة أيام وفى قلب الشارع توقف تروسيكل ونزل منه عدد من الأشخاص يحملون الأسلحة البيضاء والعصى واعتدوا على أحد الأشخاص لتأديبه بعد حدوث خلافات مالية بينهم وحطموا «فسبة» يملكها.. هذه الصورة أصبحت تتكرر كثيرا فى تصفية الخلافات بين البعض وخاصة من الخارجين على القانون. وفى إحدى قضايا القتل فى المنيا والتى حكمت فيها المحكمة بالإعدام للقاتل، قال المستشار مكرم صلاح قنديل رئيس المحكمة فى خطبة بليغة إن المتهم يعانى من مرض التقليد الأعمى للمسلسلات والأفلام التى تقدم كل يوم ما هو جديد من مشاهد وأعمال تحض على تقليد أعمى للبلطجة والعنف بين الشباب، تشمئز منها النفوس وتحول المجرم إلى بطل شعبى فى تلك الأعمال الوضيعة، والتى غضت أجهزة الرقابة والمشرع الطرف عنها فعاثوا فى عقول الشباب فسادا، والمحكمة وهى تختتم حديثها فى تلك الأعمال توجه حديثا لصناع الدراما «اتقوا الله فى مصر وشباب مصر، إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة الا من أداها بحقها». كل التقدير لهذا الرجل الذى يعبر بكلماته عن رفض شعبى صريح لما تقدمه الدراما وخاصة ما شهدناه فى شهر رمضان الماضى من مشاهد عنف وبلطجة فى العديد من المسلسلات، وكأن هؤلاء يدعون الشباب إلى نهج هذا السلوك العدوانى القميء. وتذكرت قبل سنوات، كنت عند ميكانيكى سيارات وكان الأسطى ينتظر مشاهدة حلقة من مسلسل معاد لأحد الممثلين، وعندما حان وقت العرض ترك عمله وتفرغ لهذا الهراء ووجدته معجبا للغاية بالشخصية التى يقدمها الممثل الشاب فى المسلسل تحت اسم «حبشي» لأنه تحول إلى بلطجى فى الحارة بعد أن تعرض للظلم. هذا الممثل وغيره للأسف الشديد ومعظم نجوم الصف الأول يلجأون إلى هذا النوع من الأعمال الدرامية لزيادة شعبيتهم بين الناس وخاصة ساكنى الأحياء الشعبية الذين تتحول مشاجراتهم بنفس الأداء فى تقليد أعمى لهؤلاء النجوم الذين يفترض فيهم أن يكونوا نموذجا يحتذى بهم. لا أستثنى أحدا من هؤلاء النجوم الذين يحتكرون الإنتاج ويحققون مكاسب مالية ضخمة من هذه الأعمال الرديئة، ويتنافسون على تصوير المشاهد البشعة، وكأن الدراما المصرية توقفت عن ولادة الأعمال العظيمة مثل «ليالى الحلمية وزيزينيا وأرابيسك والمصراوية والشهد والدموع والراية البيضاء وامرأة من زمن الحب ورحلة السيد أبو العلا البشري» وغيرها من الأعمال الخالدة لعميد الدراما العربية أسامة أنور عكاشة. وكذلك مسلسل دموع فى عيون وقحة ورأفت الهجان للقدير صالح مرسى وكذلك أعمال عظيمة لمحمد جلال عبد القوى منها المال والبنون وسوق العصر وحضرة المتهم أبى ونصف ربيع الأخر وعلى باب مصر وهز الهلال يا سيد والبر الغربى والليل وآخره وأولاد آدم. وأعمال مهمة جدا لرائد الدراما الصعيدية عبد الرحيم كمال منها الرحايا وشيخ العرب همام والخواجة عبد القادر ويونس ولد فضة والقاهرة - كابول وجزيرة غمام والحشاشين ومسلسل «حدائق الشيطان» لمحمد صفاء عامر. الإبداع المصرى لا يتوقف لكن الاستسهال عند بعض صناع الدراما يتجه نحو البلطجة!