شم النسيم في الفيوم ليس مجرد مناسبة ربيعية تمر كل عام، بل هو طقس اجتماعى أصيل يتجدد فيه الفرح وتروى فيه ذاكرة العائلة بأجمل اللحظات. منذ ساعات الصباح الأولى، بدأ المواطنون من داخل المحافظة وخارجها فى التوافد على الحدائق العامة، وشواطئ بحيرتى قارون والريان، حاملين معهم عبق الطقوس المصرية الأصيلة من فسيخ ورنجة وبصل أخضر وبيض ملوّن، فى مشهد يعكس ارتباطا عميقا بين الناس والمكان والذكرى. اقرأ أيضاً| محافظ الفيوم يتابع معدلات الآداء بملف تقنين أراضي أملاك الدولة شهدت حديقة الحيوان بمدينة الفيوم زحاما، حيث اصطحبت الأسر أطفالها للاستمتاع بمشاهدة الحيوانات، بينما كانت الضحكات تتعالى من كل ركن، تملؤها براءة الطفولة وسحر الأجواء الربيعية. الأطفال لعبوا "الاستغماية" وكرة القدم، وركضوا على المساحات الخضراء، ونزلوا إلى مياه البحيرات، وكأنهم يعلنون أن اليوم هو للفرحة فقط. فى تلك الأثناء، كانت فرق العمل من مديريات السياحة والشباب والرياضة ومجلس مدينة يوسف الصديق بقيادة الدكتورة شرين محمد رئيس المركز، توزع الزهور والمطبوعات على الزائرين، بينما تنتشر فرق النظافة فى كل مكان، وأطقم الإسعاف والإنقاذ ترابط بالقرب من الشواطئ تحسبا لأى طارئ، فى صورة تعكس استعدادات مكثفة لضمان يوم آمن ومبهج للجميع. الدكتور أحمد الأنصاري، محافظ الفيوم، حرص على متابعة الأوضاع فى عدد من المناطق السياحية، ووجه بتكثيف التواجد الأمنى والخدمى وتنظيم المرور، فى تأكيد على أهمية هذا اليوم فى وجدان أبناء المحافظة وزائريها. عبد الرحمن عبد العزيز، الذى جاء من بنة سويف بصحبة أسرته، قال إنه يحرص كل عام على زيارة الفيوم فى هذا اليوم، مؤكدا أن قربها الجغرافى وطبيعتها الساحرة يجعل منها وجهة مفضلة للاحتفال. أما خديجة سيد، من قرية قصر الجبالى، فأشارت إلى أن شم النسيم لا يكتمل بدون الفسيخ والرنجة والبيض الملون، مؤكدة أن "اللمة" العائلية هى أجمل ما فى اليوم. أحمد إبراهيم، من قرية فرقص، أكد هو الآخر أن شم النسيم فى الفيوم له طعم مختلف، وأن بحيرة قارون دائما ما تجمعه بأصدقائه فى مثل هذا اليوم من كل عام. سيد حسين، من سكان مدينة الفيوم، اعتبر أن هذا اليوم هو فرصة ثمينة لجمع شمل العائلة، خاصة فى ظل انشغال كل فرد فى مشاغل الحياة. وقال إنهم يحرصون على إعداد الطعام التقليدى بأنفسهم، وتناول الفسيخ والرنجة وسط أجواء من البهجة والضحك، مشيرا إلى أن ما يميز اليوم ليس الطعام فحسب، بل تلك اللحظات التى لا تنسى. البيض الملون كان أيضا حكاية خاصة، حيث أكدت آسيا نعيم، معلمة، أنها تستعد مع عائلتها لهذا اليوم قبلها بيوم كامل، ويقومون بتلوين البيض وتوزيعه بين بعضهم البعض وحتى على الغرباء فى الحدائق كنوع من الفرح والتواصل. وليد عبد العزيز، محاسب في منتصف الخمسينيات من عمره، تحدث عن طقس عائلى توارثوه جيلا بعد جيل، وقال: "من أيام الطفولة وإحنا بنسلق البيض ونلونه، ونفترش الحدائق ونأكل الفسيخ، والفرحة لسه زى ما هى". فى مشهد مفعم بالمحبة، قال ميشيل فيكتور، أحد الموظفين، إن شم النسيم هذا العام له نكهة خاصة، حيث تزامن مع عيد القيامة، ما أضفى أجواء من الألفة بين المسلمين والمسيحيين، مضيفا أن الطقوس واحدة، والفرحة واحدة، واللمة هى السر. وهكذا تحولت الفيوم إلى كرنفال من الألوان والضحك والروائح المتداخلة بين البصل والرنجة وزهور الربيع، ليبقى شم النسيم يوما لا ينسى، يحمل فى طياته روحا مصرية خالصة، لا تتغير رغم تغير الزمن.