أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 19 يونيو بسوق العبور للجملة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الخميس 19 يونيو 2025    بوتين يٌبدي استعداده للقاء زيلينسكي لكنه يشكك في شرعيته    الحماية المدنية تسيطر على حريق اندلع في مصنع زيوت بأسيوط    يوفنتوس يكتسح العين بخماسية نظيفة في افتتاح مشواره بكأس العالم للأندية    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 19 يونيو 2025    نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة الشرقية 2025 (فور ظهورها)    فصل التيار الكهربائي وإزالة السقف الصاج للسيطرة على حريق مستودع الزيوت في أسيوط (فيديو وصور)    طرح البرومو التشويقي الأول لمسلسل «220 يوم» (فيديو)    السيطرة على حريق شب داخل شقة سكنية بالسيدة زينب    سالزبورج النمساوي يفوز على باتشوكا المكسيكي في كأس العالم للأندية    تزمنًا مع ضربات إيران وإسرائيل.. العراق ترفع جاهزية قواتها تحسبًا لأي طارئ    لم تنجح إلا طالبة واحدة.. رسوب جماعي لطلاب الشهادة الإعدادية في مدرسة ببني سويف    زيزو يوضح حقيقة الخلاف حول ركلة جزاء تريزيجيه    واشنطن بوست: مديرة الاستخبارات الأمريكية ووزير الدفاع ليس لهما دور رئيسي في مناقشات ضرب إيران    أحمد الجنايني ينفي شائعة زواجه من آيتن عامر ويتوعد مروجيها    ملف يلا كورة.. ثنائي يغيب عن الأهلي.. مدير رياضي في الزمالك.. وتحقيق مع حمدي    أنباء عن سماع دوى انفجار فى مدينة كاشان وسط إيران    إسرائيل: منظومات الدفاع الجوي الأمريكية اعترضت موجة الصواريخ الإيرانية الأخيرة    الدولار ب50.50 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 19-6-2025    بدء صرف مرتبات يونيو 2025.. والحد الأدنى للأجور يرتفع إلى 7 آلاف جنيه الشهر المقبل    بعد فشل القبة الإسرائيلية.. الدفاعات الأمريكية تعترض الموجة الإيرانية على إسرائيل    ياسر إبراهيم يتحدث عن مباراة الأهلي وبالميراس في كأس العالم للأندية    ‌جيش الاحتلال: ننفذ حاليا سلسلة من الضربات فى طهران ومناطق أخرى بإيران    محمد رمضان وهيفاء وهبي في حفل مشترك ببيروت.. وديو غنائي مرتقب مع عايض    فواكه تساعد على طرد السموم من الكبد والكلى    بين الاعتراض على الفتوى وحرية الرأي!    تعرف على موعد حفل محمد رمضان وهيفاء وهبي في لبنان    تموين الإسماعيلية تكثف حملات المرور على المطاعم (صور)    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    بنهاشم: تسديد 12 كرة على المرمى يؤكد اختراق الوداد دفاعات مانشستر سيتي    من قال (لا) في وجه من قالوا (نعم)؟!    إعلام لبناني: غارة إسرائيلية على جنوبي لبنان أسفرت عن اغتيال عنصر من حزب الله وإصابة آخر    دور الإعلام في نشر ودعم الثقافة في لقاء حواري بالفيوم.. صور    سماوي: مهرجان جرش في موعده وشعلته لن تنطفئ    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    تصعيد غير مسبوق: حاملة الطائرات الأمريكية الثالثة تتمركز قرب إيران    5 جرامات تكفي.. تحذير رسمي من «الملح»!    «الزاوية الخضرا».. ديكور «الواحة الداخلية» في منزلك    الصحة تحذر من 5 شائعات عن استخدام اللولب النحاسي كوسيلة لتنظيم الأسرة    المغرب 7,57م.. أوقات الصلاة في المنيا والمحافظات الخميس 19 يونيو    ريبيرو: بالميراس يمتلك لاعبين مميزين ولديه دفاع قوى.. وزيزو لاعب جيد    17 صورة من حفل زفاف ماهيتاب ابنة ماجد المصري    أحدث جلسة تصوير ل بوسي تخطف بها الأنظار.. والجمهور يعلق    حفار بترول قديم ومتوقف عن العمل يسقط فى رأس غارب دون إصابات    ما حكم سماع القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    السفير السعودي بالقاهرة يلتقي نظيره الإيراني لبحث التطورات الإقليمية    «مصر للطيران للأسواق الحرة» توقع بروتوكول تعاون مع «النيل للطيران»    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 19 يونيو 2025    بالأسماء.. إصابة 11 شخصًا بحادث تصادم في البحيرة    ملفات تقنين الأراضي| تفاصيل اجتماع رؤساء الوحدات المحلية بقنا    احتفالية لرسم البهجة على وجوه ذوي الهمم بالفيوم.. صور    حسام صلاح عميد طب القاهرة ل«الشروق»: انتهاء الدراسات الفنية والمالية لمشروع قصر العينى الجديد    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: «داري على شمعتك تِقيد» متفق مع صحيح العقيدة فالحسد مدمر (فيديو)    جامعة الأزهر ضمن أفضل 300 جامعة بالعالم وفقًا لتصنيف US NEWS الأمريكي    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متنزهات بروائح الزمن الجميل ..«الأسماك».. لؤلؤة الجمال والرومانسية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 20 - 04 - 2025


محمد عراقى
كنوز حية تروى فصولًا من حكايات مصر عبر العصور، تجسيدًا لحلم الخديو إسماعيل بجعل القاهرة تتفوق على عواصم أوروبا. إنها ترجمة لإبداع المهندسين الذين صاغوا هذه المساحات الخضراء بلمسات فنية تجمع بين عراقة الماضى وجمال الحاضر، واليوم تشهد تطورًا يواكب رؤية المستقبل. قيمتها لا تقتصر على احتوائها كنوزًا من النباتات والأشجار، فهى ليست مجرد مساحات خضراء تزين المدن، بل هى شاهد حى على حضارة عريقة ورؤية جمالية تأصلت فى وجدان الأجيال. تحولت من حدائق قصور الملوك التى تروى قصص الأبهة والترف، إلى الحدائق العامة التى شهدت لقاءات الأصدقاء والعائلات، فكانت متنزه البسطاء وحدائق الملوك، ومركزًا لكثير من الأحداث المهمة فى مصر. إنها حدائق مصر التراثية، والتى تعد «خروجات» بروائح الزمن الجميل، وملتقى للعشاق والفنانين والمثقفين، ومصدر إلهام للأجيال.. «الأخبار» فى هذا الملف تستعرض بالورقة والقلم تاريخ رحلة حدائق مصر التراثية، وتصميمها المعمارى الفريد، وأندر النباتات والأشجار التى تحتضنها، والأحواض المائية التى تأسر الألباب، مرورًا بأبرز اللحظات التى مرت بها، وصولًا إلى جهود التطوير الحالية التى تسعى للحفاظ على هذا الإرث العظيم وتقديمه للأجيال القادمة فى أبهى صورة.
شهادة حية على جمال التصميم وروعة التاريخ، قبلة الرومانسية الأولى وموطن العشاق، الملاذ الأول للباحثين عن الهدوء وجمال الطبيعة.. كيف لا وهى تحتوى على أشجار لن تجد لها مثيلا، ومن أندر الأشجار جُلبت خصوصًا لها؟! إنها حديقة الأسماك، «الجبلاية» سابقًا، الحديقة الأكثر جمالًا فى القاهرة، والتى تعد معلماً تاريخياً وثقافياً وموقعاً ساحراً للتنزه والاستمتاع بمناظر لن تجد لها مثيلا. ناهيك عن تخليدها لمئات من قصص العشاق، واحتوائها على أندر الأسماك.
«الأخبار»، فى السطور القادمة، تنقلنا بالورقة والقلم داخل حديقة الأسماك، مستعرضة أبرز اللحظات البارزة بها منذ نشأتها إلى الآن.
بدأت القصة عام 1876 عندما أراد الخديو إسماعيل تنفيذ رغبته فى تحويل مصر إلى أجمل بقاع الكون لتتفوق على أوروبا فى كل شيء. وبالفعل، شرع فى إنشاء عدد من المتنزهات والحدائق، على رأسها «الجبلاية»، الاسم الأول للحديقة وللمصادفة، ارتبطت نشأتها بالرومانسية، إذ إن السبب الرئيسى فى إنشائها، كما أُشيع، أن الخديو إسماعيل أنشأها على النيل لتصبح أجمل هدية إلى حبيبته الإمبراطورة الفرنسية «أوجيني»، ملكة فرنسا فى ذلك الوقت. تم تصميم الحديقة بعناية لتجمع بين الطرازين الإسلامى والفرعوني، بداية من الممرات المتعرجة، ومرورًا بالجبلايات الصناعية الشاهقة، وانتهاءً بالكهوف المائية المظلمة. ساهمت هذه العناصر فى خلق مكان ساحر وخاص يأسر الزائرين.
خياشيم السمك
هكذا بدأت قصة حديقة الأسماك، التى تبلغ مساحتها ما يقارب تسعة أفدنة ونصف الفدان، وتتكون من مجموعة من الكهوف والجبال بُنيت باستخدام الطمى الأسوانى والرمل الأحمر، متخذة هيئة سمكة كبيرة. يقع مدخلها عند فتحتين تشبهان فتحة خياشيم السمك، وفى الخلف يقع بهو الحديقة، وعلى جانبيه فتحتان اتخذتا هيئة الزعنفتين. خلفهما، توجد ممرات الحديقة الأربعة المصممة على هيئة كهوف وممرات صغيرة تجذب القلوب وتشعرك وكأنك تعيش داخل البحر بكافة تفاصيله. السبب فى ذلك أنها تحتوى على أكثر من 49 حوضًا للأسماك المتنوعة والنادرة، التى تنعكس عليها أشعة الشمس عبر فتحات علوية.
الطابع الاستوائي
الرائع فى هذا الأمر أنك بجانب جمال هذه الطبيعة ستشعر أنك تسمع صوت الهواء وصوت خرير الماء، صانعًا جوًا يخطف القلوب ويصيبها بطريقة لطيفة بطابع من الهدوء والسكينة والرومانسية. لكن لن تتوقف رحلتك عند هذا الحد. فالحديقة، بجانب أنها ستخطف فؤادك بعالم البحار، لم تنس جمال الطبيعة والطابع الاستوائي. تصميمها يشبه الغابات تماماً، فهى محاطة بأشجار نادرة جلبت من مدغشقر وأستراليا وتايلاند.
استمرت حديقة الأسماك منذ ذلك اليوم فى رحلتها لتصبح قبلة العشاق الأوائل. بدأت علاقتها مع قصص الحب فى الأفلام المصرية الكلاسيكية مثل «موعد غرام» و»عش الغرام»، كما شهدت تصوير فيلم «القلب له أحكام». بالإضافة إلى ذلك، صور المطرب محمد عبد المطلب فيها أغنية «يا أهل المحبة». وبجانب هذه الميزة، لم تكتفِ حديقة الأسماك بذلك، بل أصبحت أيضًا ملاذًا للباحثين عن الهدوء، نتيجة هذا التصميم الرائع.
سمك القرش
بدأت رحلة التطوير المستمر بعد افتتاحها فى الأول من مارس 1891. ومع تولى الخديو عباس حلمى الثانى إدارة البلاد، أُسندت إدارتها إلى إدارة حديقة الحيوان. تضم الحديقة أكثر من 49 حوضًا للأسماك المتنوعة والنادرة، تتنوع بين أسماك نيلية وبحرية وأسماك زينة. كما تحتوى الحديقة على أقسام تضم أنواعًا من السلاحف والزواحف البحرية التى تعيش فى المستنقعات والأنهار. يوجد فى واجهة الحديقة حوض كبير يضم أسماكًا مفترسة مثل سمك القرش وسمك الخنزير وغيرهما. كما تضم الجبلاية أربع صوبات لتفريخ الأسماك، إلى جانب مفرخ رئيسى وصوبتين لمعالجة المياه اللازمة لحياة آلاف الأسماك، ومن بينها 24 حوضًا لأسماك الزينة.
شهدت حديقة الأسماك أعمال تطوير عديدة بدأت مع تولى إدارتها من قبل إدارة حديقة الحيوان. ففى 21 نوفمبر 1902، أُصلح عدد من أحواض الأسماك التالفة لتشمل أكثر من 33 نوعاً من الأسماك النيلية، مثل البلطى باختلاف أنواعه، الشيلان، الرعاد، كلب النيل، القراميط، قشر البياض، المبروكة، المنفاخ، وثعابين النيل. بلغ عدد الأحواض التى أُصلحت فى ذلك الوقت حوالى 24 حوضاً.
18 عاماً
عام 1965 كان الأسوأ للحديقة، إذ أُغلقت لمدة قاربت ال18 عاماً، حتى أُعيد افتتاحها عام 1983. السبب كان الشروع فى أعمال الإصلاح التى استهدفت الحفاظ على منشأة الحديقة والأسماك الموجودة بها. نفذت هذه الإصلاحات من قبل جهات مختصة سعت للحفاظ على التصميم المعمارى وتماسكه، وكان على رأس تلك الجهات وزارة الزراعة التى أشرفت على الأمور نظراً لتبعية الحديقة لها.
20 جراماً
شهدت الحديقة مؤخراً مراحل تطوير شاملة على كافة الأصعدة، شملت عمليات الترميم وتحديث البنية التحتية، والأحواض، وإضافة خدمات جديدة للزوار. التطوير تم عبر ثلاث مراحل: تشغيل المفرخ والحضانات ومعمل التفريخ الذى يساعد على أن يصل حجم الأسماك من 15 إلى 20 جراماً، تطوير البحيرة من حيث المصارف والترع واستبدال سيراميك الأحواض والممرات التى عانت طويلاً من مشكلة الطمى المترسب، وأخيراً تطوير الأحواض بالكامل. تكتمل بذلك عملية التطوير وتخرج الحديقة للجمهور بشكل يليق بها. تمت هذه العملية بالتنسيق بين وزارتى الزراعة والآثار، حيث تقع الحديقة ضمن صلاحيات وزارة الآثار.
ذكريات جميلة
فى نهاية الرحلة، فإن زيارة حديقة الأسماك ليست مجرد نزهة عابرة، بل هى رحلة عبر الزمن واستكشاف لعالم فريد من الجمال الطبيعى والتنوع البيولوجي. إنها فرصة للاستمتاع بالهدوء والسكينة بعيداً عن صخب المدينة، وفرصة للتأمل فى جمال المخلوقات المائية والنباتات الخضراء. والأهم من ذلك، فرصة لاستعادة ذكريات رومانسية أو خلق ذكريات جديدة فى هذا المكان الساحر، الذى لطالما كان رمزاً للجمال والحب فى قلب القاهرة.
«الأندلس».. جنة فى حضن النيل :نوافير رخامية وأسود شامخة ونخيل ملكى.. سر جاذبيتها
تحفة فنية وهندسية فريدة، وواحدة من أعرق الحدائق التى تحمل بين جنباتها عبق التاريخ وسحر الطبيعة. إنها حديقة الأندلس، التى استطاعت أن تجمع بين سحر حضارة الأندلس وعراقة الحضارة الفرعونية، وجمال الأشجار والنباتات التى تزينها، وكأنك فى فردوس متعدد الحضارات.
بدأت قصة الحديقة عام 1935، عندما أراد محمد بك ذو الفقار أن يصنع تحفة معمارية تجمع بين الطراز الأندلسى والفرعوني، محققًا تناغمًا فريدًا بينهما. وبالفعل، نشأت حديقة الأندلس، واختارت أن يشهد نهر النيل على روعة تصميمها، حيث تقع على ضفافه من الجهة الشرقية. لم تكتفِ بذلك، بل حرصت أيضًا على أن تتميز بموقعها الفريد، عند مدخل شارع الجزيرة من الغرب، وتجاور ميدان الأوبرا الجديدة من الجنوب، كما تطل على أول كوبرى قصر النيل، لتكتمل روعتها بجوار حديقة كوكب الشرق أم كلثوم.
أمير الشعراء
على مساحة فدانين فى قلب القاهرة الخديوية، تتربع حديقة الأندلس، تلك الجوهرة الخضراء التى تأسر الألباب بجمال تصميمها وعراقة تاريخها، وتنقسم الحديقة إلى قسمين متميزين، أولهما الجنوبى الذى يحمل اسم «حديقة الفردوس العربية». هذا الجزء الفريد صُمم ليحاكى الحدائق الأندلسية الساحرة الموجودة فى جنوب إسبانيا، ليأخذ الزائر فى رحلة بصرية إلى عبق الحضارة العربية فى أوج ازدهارها، ويبرز فى هذا القسم «جوسق» أنيق مزين بزخارف هندسية ونباتية أندلسية أصيلة، يقف شامخًا ليحكى قصصًا من الماضى العريق. وإلى جانبه، يستقبلك تمثال أمير الشعراء أحمد شوقي، تحفة فنية من إبداع الفنان القدير محمود مختار، ليضفى لمسة ثقافية وجمالية على المكان.
النخيل الملكي
أما قلب «حديقة الفردوس العربية»، فينبض بجمال نوافيرها الرخامية الثمانية الأضلاع. يتوسط كل نافورة عمود رخامى رشيق، يحيط به ثمانية تماثيل لأسود تنبثق من أفمامها المياه المتدفقة، لتشكل معًا سيمفونية بصرية ساحرة. ويحيط بالزوايا الخارجية لهذا المثمن ثمانية تماثيل لضفادع رخامية، تنطلق من أفمامها أيضًا خيوط المياه الرقراقة، على جانبى هذه النافورة البديعة، تنتصب «برجولتان» أنيقتان، وهما مظلتان خشبيتان تضفيان لمسة جمالية وظلالًا وارفة. ويلى النافورة صف من النخيل الملكى الشامخ، يخلق أجواءً من السكينة والجمال الأخاذ، يأسر الفؤاد ويحملك فى رحلة عبر الزمن إلى فردوس الشرق المفقود، حضارة الأندلس العريقة.
الفن الفرعوني
أما عن الجزء الشمالى من حديقة الأندلس، فقد خُصص ليحكى فصلاً آخر من فصول الحضارة المصرية العريقة. صُمم هذا الجزء على الطراز الفرعونى الأخاذ، فى مزيج فنى بديع مع لمسات من الطابعين الإسلامى والقبطي، ليُعرف باسم «الحديقة الفرعونية»، ويقدم للزائر تجربة فريدة تأسر الحواس، يستقبلك عند مدخل هذا القسم بوابة فرعونية مهيبة، تقف شامخة كشاهد على عظمة الأجداد.
وإلى جانبها، يبرز نموذج لتمثال «شيخ البلد» الشهير، محاطًا بأشجار النخيل الملكى الأنيقة وأشجار أخرى متنوعة تضفى على المكان رونقًا خاصًا، وتنتشر فى أرجاء «الحديقة الفرعونية» نماذج متنوعة لتماثيل فرعونية تجسد ملامح من الحضارة المصرية القديمة، لتمنح الزائر تجربة تاريخية متكاملة، تمزج بسلاسة بين عظمة الفن الفرعونى وجمال الطبيعة الخلابة، وبهذا التصميم الفريد، يصبح الجزء الشمالى من حديقة الأندلس متحفاً مفتوحا يروى قصة الحضارة المصرية عبر العصور، ليضيف بُعدًا تاريخيًا وثقافيًا ثريًا إلى جمال الحديقة وسحرها.
متحف الحديقة
وأخيرا، توجت حديقة الأندلس بكنز إضافى يضاف إلى جمالها وسحرها، وهو «متحف حديقة الأندلس» الذى أُنشئ حديثًا فى أعقاب عمليات التطوير الشاملة التى شهدتها.
يهدف هذا المتحف ليكون مركزًا تاريخيًا حيًا، يُذكرنا بجميع الأحداث المهمة التى مرت بها الحديقة على مر تاريخها العريق، كما أنه يُسلط الضوء بشكل خاص على عمليات الترميم الدقيقة التى أُجريت لإعادة الرونق التاريخى لهذه الحديقة الخلابة.
ويتضمن بين جنباته صورًا نادرة وقيّمة لأبرز حفلات الفنانين وكبار الشخصيات التى استضافتها الحديقة ومدرجاتها عبر السنين، ليعكس مكانتها الثقافية والاجتماعية البارزة، كما يضم المتحف صورًا لأهم الإعلانات التى اتخذت من الحديقة موقعًا لها، وشواهد على الزخارف الفريدة التى تزين أرجاء المكان. ومن اللافت للنظر عبارة «لا غالب إلا الله» التى زينت العديد من «القدور» التى جرى ترميمها بعناية فائقة.
هذه العبارة ليست مجرد نقش جميل، بل تحمل فى طياتها دلالات تاريخية عميقة، فهى شعار دولة «الموحدين» فى الأندلس، والذى نُقش على الأعلام بعد انتصار يعقوب المنصور فى معركة «الأرك»، ولم تتوقف أهمية هذه العبارة عند هذا الحد، بل أصبحت فيما بعد شعارًا ل «بنى الأحمر» فى الأندلس، باعتبارهم الورثة الروحيين للموحدين. ولا يزال هذا الشعار حاضرًا بقوة فى زخارف «قصر الحمراء» وباقى قصور مملكة غرناطة فى بلاد الأندلس، ليشهد على عظمة تلك الحقبة التاريخية وارتباطها الوثيق بحديقة الأندلس فى قلب القاهرة.
اختصارا لكل هذا، إن حديقة الأندلس، بفردوسها العربى وتفاصيلها المعمارية والفنية الفريدة، ليست مجرد حديقة، بل هى قطعة حية من التاريخ، وواحة من الجمال والهدوء فى قلب القاهرة الصاخبة، تستحق الاكتشاف والتأمل.
اقر أ أيضًا | شم النسيم| رحلة عبر التاريخ من المصريين القدماء حتى اليوم
«الحرية».. حديقة مضادة للاكتئاب :أمير الشعراء وشاعر النيل وطلعت حرب.. أبرز تماثيلها
متحف فنى مفتوح، وذاكرة حية تحتفى برموز الفكر والأدب والفن فى مصر والعالم. عُرفت قديماً باسم حديقة النيل، وبها تستطيع أن تُخلد ذكراك مع زعماء العالم بكثير من الصور التذكارية.
كما يمكنك أن تستمتع بجمال الطبيعة والنيل، أو التقاط صور مع أجمل أشجار النخيل الملكى والنباتات. إنها حديقة الحرية، ملتقى التاريخ وسحر الطبيعة.
على مساحة سبعة أفدنة وبالقرب من النيل الخالد، اختار الخديو إسماعيل استكمال خطته فى تطوير القاهرة، فأراد أن ينشئ حديقة تتميز بجمع التاريخ والطبيعة الساحرة، وأن تكون متحفاً يخلد عظماء مصر والعالم. وقد تم إنشاء حديقة النيل فى عام 1876، لتستمر على هذا الاسم بالرغم من مراحل التطوير المستمرة لها، حتى عام 2001، والذى شهد إعادة الافتتاح للحديقة ولكن هذه المرة تحت اسم حديقة الحرية.
رموز العالم
طبيعة الحديقة هذه المرة تختلف عن كل الحدائق، فالحرية لم يقتصر دورها على احتوائها على أشجار ونباتات نادرة وتصميم فريد، بل احتوت أيضاً على تخليد لكثير من رموز العالم ومصر، وتتميز بتصميم هندسى فريد يقسمها إلى نصفين متناظرين. مدخل الحديقة مزين بصفين من أشجار النخيل الملكى ذات الجذوع البيضاء الرخامية والأوراق اللامعة.
كما يكسو سور الحديقة مجموعة من النباتات المتسلقة ذات الألوان الزاهية، مثل أشجار الأكاسيا بأزهارها الصفراء وأشجار الفيكس هاواى ذات اللون الأبيض والأخضر. تنتشر أحواض الزهور فى أرجاء الحديقة، مما يضفى عليها أجواءً ساحرة.
أمير الشعراء
وتضم الحديقة أيضاً مجموعة من التماثيل التى تُخلد رموزاً ثقافية ووطنية وعالمية. من بين هذه التماثيل تمثال أمير الشعراء أحمد شوقي، وتمثال شاعر النيل حافظ إبراهيم، بالإضافة إلى تمثال طلعت حرب، الذى يُعتبر رمزاً للنهضة الاقتصادية. كما تحتضن الحديقة تمثال اللواء عبد المنعم رياض، الذى استشهد فى حرب الاستنزاف عام 1969. ومن الرموز العالمية، يوجد تمثال محرر تشيلى برناردو أوهيغينز، وزعيم بيرو ريمون كاستيلا، والبطل المكسيكى ميغيل إيدالغو إى كوستيا.
عشرة جنيهات
كل هذا الاستمتاع ستجده بعشرة جنيهات فقط، لذا إذا كنت تبحث عن مكان مثالى للاسترخاء والتأمل، ويجمع بين التاريخ والجمال الطبيعى فى أجواء هادئة، فحديقة الحرية تواصل استقبال الزوار يومياً من الساعة التاسعة صباحاً حتى الحادية عشرة مساءً. كما أن حديقة الحرية ليست مجرد مكان للتنزه، بل هى شاهد على تاريخ طويل ومكانة مميزة فى قلب القاهرة. إنها وجهة تجمع بين الماضى والحاضر، وتُعد رمزاً للحرية والجمال.
«الأزبكية».. و500 عام من الحكايات :تحويل «بركة بطن البقرة» إلى جوهرة فى قلب القاهرة
المقصد الرئيسى لسكان القاهرة، والمكان الأفضل للاحتفالات والمناسبات الاجتماعية.. بها يجتمع الماضى والحاضر والمستقبل، تخطى عمر وجودها ال 500 عام، وتعد نقطة تجمع للمثقفين والفنانين والأدباء لمجاورتها للسور الأهم فى مصر.
إنها مثال حى على القدرة على تحويل النقمة إلى نعمة، فبعد أن كانت موقعًا خصبًا للأمراض والأوبئة بسبب وقوعها فى موقع تجمع الفيضانات، تحولت لتصبح واحدة من أجمل الحدائق فى مصر. إنها حديقة الأزبكية، «بركة بطن البقرة» سابقًا.. مكافأة من السلطان قايتباى كانت البداية لإنشائها.
ففى أواخر القرن الرابع عشر، وبالتحديد فى عهد السلطان قايتباى، أراد أن يكافئ قائد جيوشه، سيف الدين بن أزبك، فقام بإهدائه قطعة أرض ناحية بركة بطن البقرة -اسم المنطقة آنذاك»- وبالفعل، أقام القائد منزلاً له ومتنزهًا حول البركة، ليطلق عليه فيما بعد «الأزبكية»، مشتقًا من اسمه. وهكذا، بدأت قصة إنشاء حى الأزبكية بحديقته الرائعة.
الخديو إسماعيل
فى عام 1495 تحولت المنطقة لتصبح حيًا كبيرًا يتوسط القاهرة، واستمرت مراحل التطوير فيها. فى عهد العثمانيين، عندما أضاف رضوان كتخدا قطعة أخرى لإقامة قصر جديد على حافة البركة الشرقية، وسماه «العتبة الزرقاء». شهدت المنطقة لحظات فارقة فى تاريخ مصر، مثل خروج جماهير القاهرة عام 1805 تنادى بمبايعة محمد على واليًا على مصر. لكن، مع كل هذه الأحداث، ظلت الأزبكية تحافظ على طبيعة البركة، التى تسببت للأسف فيما بعد فى أن تكون مصدرًا للأمراض والأوبئة، مما استدعى التفكير فى تحويلها إلى مساحة أكثر نفعًا وجمالاً. وكان الخديوى إسماعيل كلمة السر فى هذا التحول.
1864
القرن التاسع عشر كان لحظة فارقة فى عمر حديقة الأزبكية، وبالتحديد مع تولى الخديو إسماعيل. لقد كان علامة فارقة فى إنشاء الحدائق التراثية، لرغبته الشديدة فى جعل مصر قطعة تتفوق على أوروبا فى كل شيء، وتحويل العاصمة إلى حديقة غنَّاء ودرة تتوج الشرق الأوسط، من هنا كانت الانطلاقة، حيث أسند الخديو مهمة تصميم الحديقة للمهندس الفرنسى بارلى ديشان، الذى صمم غابة بولونيا الشهيرة فى باريس. من هنا، بدأت الانطلاقة بتحويل البركة إلى حديقة تُعد من أكبر الحدائق التراثية على مساحة بلغت 20 فدانًا. تم تصميمها لتشبه نمط حديقة مونسو فى باريس، ورُدمت البركة تمامًا عام 1864
أم كلثوم
فى عام 1872، تم افتتاح الحديقة رسميًا على مساحة حوالى 20 فدانًا. زُرعت فيها الأشجار والنباتات النادرة، وأُحيطت بسور من البناء والحديد، مع مداخل رئيسية من الجهات الأربع. أضيفت إليها جبلايات صناعية وأحواض زهور، مما جعلها تحفة معمارية فريدة، ومنذ ذلك الحين أصبحت الأزبكية منطقة من أهم مناطق القاهرة.
لم يقتصر دورها على كونها مجرد حديقة للتنزه، بل كانت مسرحًا لأحداث تاريخية هامة. فقد استضافت العديد من المعارض والاحتفالات الوطنية، وكانت نقطة تجمع للمثقفين والفنانين والأدباء، وشهدت الحديقة مظاهرات واحتجاجات شعبية عبر العصور، مما يعكس دورها كمركز حيوى فى قلب العاصمة. ومن أهم هذه الأحداث أنها أصبحت مقصدًا لحفلات كوكب الشرق أم كلثوم، وكبار المطربين المصريين والعرب.
كما أُقيمت فيها العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى للأجانب والمصريين. ففى يونيو 1887 تم الاحتفال بعيد الملكة فيكتوريا من قبل الجالية الإنجليزية فى مصر، كما شهدت الحديقة احتفال الجالية الفرنسية بعيد 14 يوليو، بالإضافة إلى الاحتفال بعيد الجلوس السلطانى واحتفالات العديد من الجمعيات الخيرية.
سور الأزبكية
وتستمر حديقة الأزبكية فى إضافة البهجة والجمال، ولا تزال تحتفظ بسحرها الخاص ومكانتها المميزة فى قلوب المصريين، وتوفر الحديقة ملاذًا هادئًا من صخب المدينة، ومكانًا للاستمتاع بجمال الطبيعة والتاريخ، ويمكن للزائر أن يتجول فى ممراتها الظليلة، ويستنشق عبق الزهور، ويتأمل فى تصميمها الكلاسيكى الأنيق، بالإضافة إلى ذلك، فإن قربها من العديد من المعالم التاريخية والثقافية يجعلها نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف القاهرة القديمة والحديثة.
كما تجاور الحديقة سور الأزبكية، مقر الأدباء والمثقفين، الذى يجذب محبى الكتب والباحثين عن كنوز المعرفة، و يجد الزوار فى السور والحديقة ملاذًا آمنًا لهم.
لذا فإن حديقة الأزبكية ليست مجرد حديقة، بل هى شهادة حية على جمال التصميم وروعة التاريخ، ومثال حى على كيف يمكن للمكان أن يكون جزءًا من ذاكرة أجيال متعاقبة.
وتشهد الآن مراحل تطوير كبيرة فى كافة المجالات بشرط ان يتم الحفاظ على الأشجار التراثية ومنطقة التبة، فضلا عن تجديد النافورة الأثرية وبرجولة قمة التاج والكوبرى الخشب، ونادى سوق السلاح وإحياء البحيرة والبرجولات التاريخية وأيضا سور حديقة الأزبكية، بالإضافة الى الانتهاء من المبنى الإدارى والمطعم والمسرح الرومانى والبحيرة والبوابات وخزان المياه والحريق والبرجولات وأسوار الحديقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.