ظَنَّ الكثيرون أن إنقاذ منطقة العتبة» التراثية من الأسواق العشوائية التى غرقت فيها عبر عشرات السنين بمثابة حلم مستحيل، خاصة بعد أن اختفت الأرصفة بمفروشات البضائع «من كل لون» وتم تحريمها على المشاة، وضاقت الشوارع الواسعة بالباعة الذين انتزعوا حق السيارات فى المرور بحرية، لكن المنطقة التى عانت من الإهمال طويلًا، وجدت أخيرًا اليد التى تمتد إليها لتزيح عنها كل عناء المشاجرات والحرائق، وانطلقت جهود مكثفة لتنظيمها واستعادة الهيبة إلى مبانيها التراثية، واستعادة جمالها المفقود.. فى هذا الملف تتحدث «الأخبار» إلى السكان والباعة الذين تم تخصيص أماكن قانونية لهم، مما يعزز من استقرارهم وينظم عملية البيع، من خلال مشروع متكامل يعكس رؤية حضارية تهدف إلى الحفاظ على الطابع التراثى الثقافي، مع الأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأهالى واقتصاد المنطقة. ميدان العتبة يعتبر من أبرز معالم القاهرة، ويعود تسميته إلى العهد العثماني، حيث كان يُعرف ب «العتبة الزرقاء» قبل أن يتغير إلى «الخضراء» فى عهد الخديوى إسماعيل، فى القرن التاسع عشر، حيث كان يُفضِّل اللون الأخضر لاعتقاده أنه يجلب الحظ، فيما يتميز الميدان بموقعه الاستراتيجي، باعتباره ملتقى الشوارع الرئيسية، وكان فى الماضى نقطة انطلاق «الترام» بمصر. شهدت المنطقة تطورًا كبيرًا فى عهد الخديوى إسماعيل الذى أراد تحويل القاهرة إلى قطعة من أوروبا، فقام بتطوير البنية التحتية، وأدخل أنظمة حديثة للتخطيط العمراني، وكان ميدان العتبة الخضراء أحد المشاريع الرئيسية ضمن خططه، باعتباره أشهر ميادين العاصمة، ومن المعالم البارزة التى تجمع بين التاريخ العريق والحداثة، حيث كان هذا الميدان شاهدًا على العديد من الأحداث التاريخية والتحولات العمرانية. قامت الأخبار بجولة ميدانية بمنطقتى العتبة والرويعى لنقل الصورة كاملة لأعمال التطوير ومشاركة الباعة الجائلين والسكان فرحتهم بقُرب انتهاء معاناتهم اليومية التى تتمثل فى رحلاتهم من منازلهم إلى مقر عملهم والعكس، بسبب الزحام الشديد وعدم التنظيم، بعد توسع المحال التجارية خارج حدودها، وانتشار الباعة الجائلين على الأرصفة وفى الطرق. هذا الواقع دفع الدولة للتحرك لتغيير وجه المنطقة تمامًا، من خلال خطط مشروع تطوير شامل يهدف إلى إعادة تنظيم العتبة،، وإنشاء باكيات منظمة للباعة الجائلين، بما يضمن لهم فرص عمل مستدامة ويُعيد النظام إلى الشوارع، وتعزيز الطابع الجمالى للمنطقة، مع الحفاظ على إرثها التاريخى والثقافي، ليعود للعتبة بريقها الذى عرفته الأجيال السابقة، وتحويل المنطقة إلى نموذج حضارى يوازن بين التنظيم والجمال فى قلب العاصمة. يقول فرج منتصر من سكان منطقة الرويعى بالقُرب من جراج العتبة، إنه يشعر بسعادة كبيرة مع انطلاق أعمال تطوير منطقة العتبة، مشيرًا إلى المعاناة اليومية من ضوضاء المشاجرات المتكررة والحرائق الهائلة التى اجتاحت المنطقة، والتى غالبًا ما كانت تشتعل بالمخازن والمحال بشارع الرويعي، وتصل ألسنة نيرانها إلى المبانى المجاورة، مما يتسبب فى خسائر جسيمة. ويحكى قائلًا: استيقظت يومًا على صوت صراخ ودخان كثيف يتسلل من نوافذ منزلي، وكنت الوحيد الموجود بالبيت فى ذلك اليوم، أسرعت بالفرار من هول المشهد، لولا لطف الله كنت سأفقد حياتي». وأضاف: قوات الحماية المدنية تدخلت بأعداد كبيرة من سيارات الإطفاء وطلمبات الحريق والسلالم الهيدروليكية، للسيطرة على هذه الحوادث، لكنها واجهت صعوبات شديدة بسبب الزحام والعشوائية التى عرقلت وصولها السريع للموقع، ما يجعل أعمال التطوير التى تشهدها المنطقة بارقة أمل نحو حياة أكثر استقرارًا وتنظيمًا. ويشير صابر شكرى -أحد سكان الرويعي، إلى المعاناة الكبيرة التى تعيشها المنطقة بسبب العشوائية والزحام، وانتشار مخازن ومحال الملابس أسفل العقارات دون إجراءات وقائية أومعايير للسلامة، مما يجعلها عُرضة لخطر الحرائق الكارثية. وأوضح أن العقار الذى يقطن فيه يحتوى على مخزن ملابس أسفله، وبجواره العديد من الورش، ما يمثل تهديدًا كبيرًا لأرواح السكان فى حال اندلاع أى حريق. وأضاف: إذا اشتعلت النيران فى تلك الورش أو المخازن، فإنها ستلتهم كل شيء قبل أن نتمكن من السيطرة عليها، وعَبَّر عن سعادة السكان الكبيرة مع بدء أعمال تطوير منطقة العتبة، مؤكدًا أن هذه التغييرات ستسهم فى القضاء على العشوائيات والازدحام. اقر أ أيضًا | أصل الحكاية | كنوز العتبة الأثرية.. رحلة عبر الزمن في قلب القاهرة بعيدًا عن العشوائية وقالت فاتن بركات من سكان منطقة العتبة - إنها تعول بنتين وولدين وتعيش بالمنطقة منذ أكثر من خمسين عامًا، ولدت وتزوجت وأمضت حياتها فيها، ومع مرور الوقت، أصبحت أسرتها تعانى يوميًا من صعوبة الوصول إلى المدارس والجامعات، والعودة إلى المنزل بسبب الزحام الشديد وعدم التنظيم الناتج عن انتشار الباعة الجائلين. وأضافت بركات: الأمل عاد إلينا بعد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى، بتطوير منطقة العتبة، وتحديد أماكن منظمة للباعة الجائلين، بما يساهم فى إعادة تنظيم المنطقة واستعادة جمالها الذى يليق بمدينة القاهرة، وأعربت عن أمنيتها بأن يكتمل التطوير بوضع قوانين تضمن التزام الباعة الجائلين وأصحاب المحال بعدم التعدى مرة أخرى على الأرصفة أو إغلاق الطرق، لتظل العتبة نموذجًا حضاريًا يعكس جمال وتطور العاصمة. حياة مستقرة قال محمد جابرى أحد السكان أمام جراح العتبة: يوميًا نستيقظ على خناقات وضجيج، وأحيانًا على حرائق وأصوات عربات المطافى التى تحيط بنا من كل مكان، وتمتد من المخازن إلى المحال بشارع الرويعى، ومن شدتها وصلت النيران إلى الدور الأول بالمبانى المجاورة، ما أدى إلى وقوع الكثير من الخسائر. وأضاف أمجد صلاح من سكان المنطقة: عانينا كثيرًا بسبب العشوائية والزحام وانتشار مخازن ومحال الملابس أسفل العقارات، دون إجراءات حماية، ما يعنى أن نشوب أى حريق يمكنه أن يلتهم الكثير من المحال والعقارات. وشرح أن العقار الذى يقيم فيه يحتوى فى الأسفل على مخزن ملابس، وبجواره عدد من الورش، ما يمثل خطرًا كبيرًا على أرواح القاطنين به، وبالمنطقة كلها، وإذا اشتعلت النيران ستحصد كل شئ قبل أن نتمكن من السيطرة عليها، ما يجعل فرحتنا بالتطوير لا توصف لأنها ستخلصنا من الزحام والعشوائيات وتغير شكل العتبة وسمعتها. الباعة الجائلون حمودة بكري، أحد الباعة بمنطقة العتبة منذ أكثر من 15 عامًا، عَبَّر عن سعادته بأعمال التطوير الجارية بالمنطقة، مشيرًا إلى أنه ينتظر بفارغ الصبر الانتهاء من المشروع وتوسيع الباكيات المخصصة للباعة. وأضاف بكري: شعور الخوف المستمر من حملات البلدية كان يلازمه دائمًا بسبب عمله المخالف، ما جعل حياته مليئة بعدم الراحة، لكنه يرى أن التطوير سيمنحه كيانًا رسميًا يحافظ عليه ويعمل ضمن إطار منظم، ما يعزز استقراره فى المستقبل. حياة مستقرة وأعرب سعد محمود، بائع ملابس بمنطقة العتبة، عن أمله الكبير بأن أعمال التطوير تصب فى مصلحتهم وتساهم فى تحسين ظروف عملهم ومصدر رزقهم الوحيد، وأشار إلى أن المخاوف التى كانت تسيطر عليه سابقًا بشأن احتمال إزالة الباعة الجائلين قد تبددت بعد تطمينات المسئولين بأن المشروع يهدف إلى دعم الباعة وتوفير حياة مستقرة لهم. كما عَبَّر عن تطلعات الباعة لأن تكون هناك قواعد واضحة ومطبقة بعد التطوير، تضمن لهم الاستفادة المستدامة من الباكيات التى ستخصص لهم، وتوفر بيئة عمل منظمة تحمى حقوقهم وتدعم استقرارهم الاجتماعى والاقتصادي، أعمال التطوير بالنسبة لنا ليست مجرد مشروع، بل نافذة لحياة أفضل للجميع. تحقيق الحلم وينتظر محمد عبدالله، بائع ملابس بمنطقة العتبة (حاصل على ليسانس حقوق)، أن تنفذ الحكومة وعودها بتوفير أماكن مستقلة ومنظمة للباعة الجائلين بالمنطقة، وأوضح أنه بدأ العمل كبائع أثناء دراسته الجامعية، ومع تخرجه لم يتمكن من العثور على وظيفة تناسب تخصصه، ما دفعه إلى الاستمرار فى بيع الملابس كمصدر وحيد للرزق. وأضاف محمد بأن منطقة العتبة تمثل بالنسبة له ولأسرته بابًا حيويًا للرزق والاستقرار، مُعربًا عن قلقه من أى قرارات قد تؤدى إلى إزالة الباعة من المنطقة بشكل نهائي، وقال: «بيع الملابس هو شريان الحياة لى ولأسرتي، وأتمنى أن يكون التطوير وسيلة لحماية هذا المصدر بدلًا من تهديده». وشدد على أهمية تنفيذ خطط التطوير بشكل يضمن الحفاظ على حقوق الباعة، ويوفر لهم بيئة عمل مستقرة وآمنة تُمكِّنهم من الاستمرار فى دعم أسرهم، موضحًا أن مشروع تطوير العتبة ليس مجرد تنظيم للمنطقة فقط، بل فرصة لتحسين حياة العشرات من الباعة الذين يعتمدون عليها كمصدر رئيسى لدخلهم. شكرًا يا ريس وحكى عيد سعيد، أحد الباعة بمنطقة العتبة، أنه يعمل فى بيع الملابس منذ أكثر من 30 عامًا، وأن هذه المهنة تمثل مصدر رزقه الوحيد لتأمين احتياجات أسرته، وأوضح عيد أنه يعانى من إصابة فى يده اليسرى، مما يجعله غير قادر على العمل فى أى مجال آخر، وأضاف أن سنوات عمله الطويلة كانت مليئة بالتحديات، أبرزها الحملات المتكررة لإزالة الباعة من المنطقة، ما كان يجبرهم دائمًا على العودة مجددًا لتأمين لقمة العيش والعمل بشرف.. وشكر عيد، الرئيس عبد الفتاح السيسى، ووصفه بأنه صاحب الدور الرئيسى فى الاهتمام بالباعة الجائلين عبر مشروع تطوير منطقة العتبة، مشيرًا إلى أن مشروع التطوير يوفر لهم بيئة عمل آمنة ومستقرة، تضمن استمرار باب الرزق الحلال الذى يعول أسرهم. التطوير حلمنا يقول عبده السيد بائع متجول، إن التطوير واستلام الباكيات الجديدةً يحمينا من مطاردات يومية مع شرطة المرافق، وأضاف: كل الباعة مع الذى سيجعلنا أصحاب طاولات مرخصة ومحمية من الدولة، وأضاف صدام الحاج بائع بالموسكى: نحن مع التطوير إذا كانت المحافظة ستسلم الباعة طاولات أو باكيات، ف «الفروشات» تمثل عبئًا علينا فى تغطيتها وربطها ليلًا بالحبال عشرات المرات حتى لا تتعرض للسرقة. أصحاب المحال التجارية يقول صادق محمود، صاحب محل بالعتبة، إن أصحاب المحلات يعانون من تكدس الباعة، فالمحال تدفع ضرائب ورواتب على عكس أصحاب «الفروشات»، كما أن المحال تتعرض للخطر باستمرار حال حدوث حرائق، إذ تعوق إشغالات الباعة وصول عربات الإطفاء، مشيرًا إلى ما شهدته منطقة الموسكى والعتبة من حرائق خلال الأشهر الأخيرة، آخرها يناير الماضي، حينما نشب حريق فى عقار بدرب البرابرة، مؤكدًا أن التطوير سيغير شكل العتبة ويحسن مظهرها ويقضى على انتشار الباعة الجائلين. وطالب بأن يشمل التطوير شارعى الأزهر والجيش، اللذين يشهدان تكدسًا مروريًا طوال العام، رغم استقبال المنطقة حجمًا كبيرًا من السياح الذين لا يستطيعون المرور بسبب مزاحمة الباعة وبضائعهم. ويشير محمد محمود - صاحب محل - إلى أن عمليات التطوير ستغير شكل الزبون الذى كان يرتاد العتبة، سنجد كل الطبقات لأن البضائع الموجودة أفضل الموديلات. انطلاق المرحلة الأولى على قدمٍ وساق، بدأ تنفيذ المرحلة الأولى لتطوير سوقى العتبة والموسكى ورفع كفاءة شارعى العسيلى والجوهرى وامتدادهما، ويوسف نجيب، بعد نقل الباعة الجائلين منهما إلى جراج العتبة بصورة مؤقتة لحين الانتهاء من أعمال التطوير ورفع كفاءة وطلاء عدد من المبانى بها، فيما تبلغ تكلفة المرحلة من المشروع 28 مليون جنيه يتم تمويلها من الخطة الاستثمارية لوزارة التنمية المحلية. وتشمل أعمال التطوير، تجديد وإحلال المرافق والبينة التحتية التى يتم تنفيذها حاليًا أسفل الشوارع المستهدفة فى المرحلة الأولى، وكذا أعمال طلاء واجهات عدد من العمارات ذات الطابع المعمارى المتميز المُطلة على شارعى العسيلى والجوهرى وامتدادهما، ويوسف نجيب. كما تتضمن أعمال تطوير المرحلة الأولى، عمل 473 (طاولة) للباعة الجائلين يقوم بتنفيذها الجهاز المركزى للتعمير بدلًا من (الفرشة) التى كان يستخدمها الباعة فى عرض منتجاتهم، مع مراعاة مصلحة أصحاب المحال التجارية والباعة وسهولة وصول المواطنين إلى المحال بما يحقق معيشة كريمة للجميع والانطلاق نحو مستوى عالٍ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقال الدكتور إبراهيم صابر محافظة القاهرة: وَجَّهنا بسرعة الانتهاء من أعمال المرافق والبينة التحتية المطلوبة للمشروع وشبكات الأمطار ومياه الحريق لاستكمال أعمال التطوير للشوارع المستهدفة. وأشار إلى أن أهمية رفع كفاءة وطلاء واجهات المبانى الموجودة فى نِطاق المرحلة الأولى من التطوير والتى تتميز بطراز معماري، وذلك بالتنسيق مع جهاز التنسيق الحضارى وبما يتناسب مع طبيعتها لتناسب الشكل الحضارى والجمالى للمنطقة والهوية البصرية للمناطق التجارية. وأضاف: أعمال التطوير للمشروع تأتى فى إطار حرص الحكومة على توفير بيئة آمنة للمواطنين المترددين على منطقة العتبة بحى الموسكي، وكذا الباعة وأصحاب المحلات بالشوارع التى تشملها المرحلة الأولى للتطوير. وشدد على ضرورة مراعاة كافة متطلبات ومعايير السلامة والأمان فى تنفيذ المشروع للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وعمل منظومة للحماية المدنية والإطفاء، بالإضافة لرفع كفاءة البنية التحتية لمياه الشرب والصرف الصحى، وعمل ممرات يسهل فيها السير والحركة للمواطنين المترددين على المنطقة بما يساهم فى الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين، والباعة، وأصحاب المحلات التجارية الموجودين بالمنطقة. وأكد محافظ القاهرة، أنه سيتم إعادة الباعة بعد انتهاء أعمال التطوير التى تتم وفقًا للنموذج الذى اعتمدته د.منال عوض وزيرة التنمية المحلية، بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية «الهابيتات»، وبالتنسيق مع جهاز التنسيق الحضارى فى إطار حرص الحكومة على توفير بيئة آمنة للمواطنين المترددين على تلك المنطقة، وكذا الباعة وأصحاب المحلات الموجودة بتلك الشوارع، كما سيتم خلال أعمال التطوير عمل منظومة للحماية المدنية، والإطفاء ورفع كفاءة البنية التحتية للمياه والصرف الصحى، وعمل طريق لسهولة ويُسر حركة المواطنين المترددين على المنطقة وغيرها من المتطلبات، بما يساهم فى الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين، والباعة، وأصحاب المحلات التجارية الموجودين بالمنطقة، وأشار محافظ القاهرة، إلى أنه يُجرى حاليًا طلاء واجهات العقارات بالمنطقة بالتنسيق مع جهاز التنسيق الحضارى بما يتناسب مع طبيعتها، لتناسب الشكل الحضارى والجمالى للمنطقة، مع رفع كفاءة المنطقة بالكامل ومراجعة كافة المرافق والخدمات بها، وأضاف محافظ القاهرة، أن أعمال تطوير هذه المنطقة ستكون نموذجًا يمكن تطبيقه فى شوارع أخرى بالمنطقة. رئيس التنسيق الحضارى: خطوة مهمة للارتقاء بمنطقة القاهرة الخديوية أكد المهندس محمد أبو سعدة رئيس جهاز التنسيق الحضاري، أن مشروع تطوير منطقة العتبة يمثل خطوة مهمة فى الارتقاء بمنطقة القاهرة الخديوية، مشيرًا إلى أن هذا المشروع يهدف إلى تعزيز السياحة والحفاظ على التراث والهوية البصرية للمدينة، وأضاف أن منطقة العتبة تُعتبر من أهم المراكز التجارية بالعاصمة، لكنها تعرضت لفترات من التدهور فى الشكل الحضارى وانتشار الباعة الجائلين بصورة غير منظمة أثرت على جمالها التاريخي. وأوضح أبو سعدة، أن المشروع يشمل إعادة إحياء حديقة الأزبكية ونادى السلاح، بالإضافة إلى تطوير جراج ميناء العتبة وميدان البدرة، ما يعكس اهتمام الدولة بإعادة تأهيل قلب المدينة التاريخي، كما أشار إلى أن هذه الجهود ستُساهم فى تعزيز الدور الاقتصادى والسياحى للمنطقة بشكل كبير. وأكد أهمية تنظيم الباعة الجائلين ضمن إطار رسمى يحافظ على أنشطتهم التجارية بطريقة حضارية، مشددًا على دور المشروع فى تحسين واجهات المبانى وإبراز الطابع المعمارى المتميز للمنطقة، بما يشمل ترميم عمارة تيرينج فى ميدان العتبة، وأكد أن هذا التطوير يهدف إلى إحداث نقلة نوعية فى وسط البلد، من خلال إنشاء ممرات للمشاة ومساحات للاستمتاع، مما يُضفى على المنطقة طابعًا حضاريًا وجماليًا. وشدد المهندس أبو سعدة على أهمية الاستدامة فى الحفاظ على ما تم إنجازه من تطوير، مؤكدًا أن نجاح هذا المشروع يتطلب تعاونًا مشتركًا بين الدولة والمواطنين للحفاظ على الوجه الحضارى للمنطقة، كما سَلَّط الضوء على المواقع التاريخية المُسجلة فى العتبة، مثل عمارة تيرينج ونادى السلاح ومبنى البوسطة القديم، وأشار إلى ضرورة تطوير واجهة جراج الأوبرا ليواكب التحسينات الجارية فى الميدان، فضلًا عن إعادة بناء فندق كونتيننتال وتأثيره الإيجابى على السياحة وجذب الزوار للمنطقة. خبراء: مكاسب عديدة أبرزها تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية عَبَّر الدكتور ابو بكر الديب الخبير الاقتصادي، أن تطوير ميدان العتبة من أهم المشروعات التى تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمصر، حيث يحمل المشروع بين طياته العديد من المكاسب التى تسهم فى تحقيق رؤية مصر 2030. وأضاف: من أبرز هذه المكاسب الاقتصادية، دمج الباعة الجائلين فى الاقتصاد الرسمى وتوفيق أوضاعهم بما يضمن حفظ حقوق الدولة فى الضرائب والتأمينات، مما يساهم فى زيادة الناتج المحلى الإجمالى بنسبة تصل إلى 40%، بالإضافة إلى ذلك، يوفر التطوير فرص عمل جديدة وتنظيم الحركة التجارية عبر إنشاء أماكن مخصصة للباعة بدلًا من الأماكن العشوائية. وتابع: على الصعيد العمراني، يركز المشروع على تحسين البنية التحتية للميدان، من خلال إنشاء ممرات مرورية آمنة، وتطوير واجهات العقارات ذات الطراز المعمارى المميز بما يحافظ على الهوية البصرية للمكان، كذلك، يتم تطبيق معايير السلامة والأمان لمنع الحرائق وتنظيم الأسواق، بما يحقق بيئة آمنة للتجار والمستهلكين. أما الجانب البيئي، فيعنى المشروع بإعادة تدوير المخلفات وزيادة المساحات الخضراء الصديقة للبيئة، إلى جانب تحسين نُظم التهوية والإضاءة الطبيعية، ولا يقتصر التطوير على ذلك، بل يمتد ليشمل إدخال الابتكار التكنولوجى والطاقة المتجددة، مع إنشاء غرفة تحكم مُجهزة بكاميرات بانورامية لمراقبة الميدان وتعزيز أمن المنطقة. وتكمن أهمية المشروع أيضًا فى جمع عناصر التراث الاجتماعى والثقافى مع الرؤية الحديثة، مما يحسن مظهر المنطقة ويدعم الاستثمار المحلى والدولي، ويعظم موارد الدولة، ومن خلال تدشين مواقف حديثة للسيارات وحلول مبتكرة لأزمات المرور، يتم تحقيق توازن بين متطلبات الباعة وأصحاب المحلات التجارية، مما يعزز التنمية العمرانية ويعيد التوازن للخريطة الاجتماعية. فى النهاية، تطوير ميدان العتبة ليس مجرد مشروع لتجميل المنطقة، بل هو خطوة شاملة نحو تحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، ومثال حى على الجمع بين الحفاظ على التراث والابتكار لتحسين جودة الحياة لجميع المواطنين. العمالة الرسمية أضاف الدكتور عبد المنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية: تُعد ظاهرة الباعة الجائلين فى مصر جزءًا من الاقتصاد غير الرسمي، حيث تُقدر أعدادهم وفقًا لمصادر مختلفة بين خمسة إلى سبعة ملايين بائع، ويساهمون فى تجارة تبلغ قيمتها حوالى ثمانين مليار جنيه سنويًا، أكثر تواجدهم يكون فى مناطق وسط القاهرة مثل العتبة التى يتجاوز فيها عدد الباعة الجائلين ثلاثة عشر ألف بائع بمنطقة وسط البلد فقط، الدولة تسعى لتنظيم هذه الظاهرة من خلال إنشاء أسواق حضارية لاستيعاب الباعة الجائلين مثل سوق التونسى الحضارى بمنطقة البساتين والذى حَلَّ محل خمسة أسواق عشوائية ويضم ثلاثمائة وأربعة وعشرين محلًا بمساحات تتراوح بين خمسة وثلاثين وخمسين مترًا مربعًا..وأوضح أن محافظة القاهرة بدأت فى تسكين الباعة الجائلين فى سوق جديد بمنطقة مصر الجديدة يضم مائة وأربعة وعشرين باكية، بهدف القضاء على ظاهرة الباعة الجائلين بالشوارع، وهذه الجهود تبرز التحديات التى تواجه الحكومة فى التعامل مع هذه الظاهرة والسعى لتحقيق التوازن بين تنظيم الشوارع والحفاظ على مصادر رزق هؤلاء الباعة.. وأشار إلى أن الظاهرة موجودة فى العديد من دول العالم إذ تعد مصدر رزق لملايين الأشخاص، خصوصًا فى ظل معدلات البطالة المرتفعة عالميًا، كما تسهم فى تنشيط الحركة التجارية من خلال توفير منتجات بأسعار منخفضة مما يساهم فى تحريك عجلة البيع والشراء بالاقتصاد المحلى خاصة فى المناطق الشعبية.. وأكد أن هناك آثار اقتصادية سلبية منها خسائر بالإيرادات الضريبية، لأن معظم الباعة الجائلين يعملون خارج الإطار الرسمى فلا يدفعون ضرائب أو تأمينات مما يحرم الدولة من مصدر دخل مهم، كذلك المنافسة غير العادلة مع التجار النظاميين الذين يتحملون أعباء الإيجارات والضرائب، إضافة إلى تشويه المظهر الحضارى وتكدس المرور الناتج عن تمركزهم فى مناطق حيوية مما يؤدى إلى ازدحام الطرقات وتعطيل حركة المرور، كما أن ضعف الرقابة على جودة المنتجات يعرض صحة وسلامة المستهلكين للخطر، فتوجد منتجات مجهولة المصدر أو غير مطابقة للمواصفات. وأوضح عبد المنعم، أن الاقتصاد غير الرسمى يصعب تتبعه أو قياسه بدقة مما يعوق جهود التخطيط الاقتصادى السليم، وتسعى الدولة أيضًا لتطوير المناطق الأكثر ازدحامًا بالعاصمة مثل العتبة والتخلص من أزمة التكدس المرورى فيها، حيث بدأت المحافظة بإخلاء ثلاثة شوارع بحى الموسكى من الباعة الجائلين لتنفيذ خطة التطوير الجديدة التى تشمل عودة الباعة مرة أخرى بشكل مختلف، حيث سيتم تخصيص طاولات خشبية مُرقمة لكل بائع لضمان الالتزام بالنظام والمظهر الحضاري. خبير أثرى: مشروع ثقافى واجتماعى واقتصادى مُعقد يحتاج تعاون كل الجهات أوضح الدكتور مجدى شاكر، الخبير التاريخى والأثري، الأهمية التاريخية لمنطقة العتبة التى تُعد من أبرز مناطق القاهرة، إذ كانت تُعرف فيما مضى ب»العتبة الخضراء»، غير أن الاعتداءات والعشوائيات التى لحقت بها أدت إلى حذف صفة «الخضراء»، وأصبح اسمها مجرد «العتبة»، هذه المنطقة التجارية النابضة بالحياة تعتبر نقطة الأصل للقاهرة، حيث تُستخدم كمرجع لقياس المسافات على الطرق السريعة من وإلى العاصمة. وأضاف شاكر أن منطقة العتبة تمثل ميدانًا فريدًا يجمع بين ميدان الأوبرا وحديقة الأزبكية، ويتصل بعدد كبير من الشوارع المهمة، مثل شارع قصر النيل وشارع 26 يوليو وشارع عبد العزيز، ما يجعلها من أكثر المناطق حيوية بالمدينة، كما تضم العتبة مبانى تاريخية بارزة، منها ما يزال موجودًا ومنها ما تم هدمه، مثل سراى العتبة الخضراء، ودار الأوبرا الخديوية، وعمارة متاتيا، ومبنى البوستة المركزية، ومسجد العظام. وأشار إلى أن المنطقة تحتاج إلى إعادة صياغة شاملة، من العتبة وحتى جامع الحسين وشارع المعز، نظرًا لصعوبة التنقل فيها بسبب الزحام وضيق الشوارع، وأكد شاكر أن تطوير العتبة مشروع ثقافى واجتماعى مُعقد، يتطلب تعاون جميع الأطراف المعنية، من تخطيط وآثار وتراث ومحليات، إضافة إلى مشاركة السكان والباعة والتجار لضمان نجاح هذه الأعمال وتحقيق تغيير جذرى للمنطقة. كما شدد على ضرورة الحفاظ على المبانى التراثية بإجراء صيانة دقيقة تحافظ على المواد الأصلية، بما يضمن استمرارية الهوية المعمارية الشكلية والإنشائية، ولفت إلى أهمية الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة لتقديم رؤية شاملة تعزز من العائد السياحي، مشيرًا إلى أن السائح يتطلع لرؤية بلد نظيف، يسهل التنقل فيه، وله قوانين صارمة تطبق بفاعلية. واختتم شاكر بالإشارة إلى أن مشروع تطوير منطقة العتبة يمثل فرصة لجمع الأصالة مع الحداثة، من خلال الحفاظ على التراث الثقافى وتعزيز البيئة الحضارية، بما يعيد للمنطقة مكانتها التاريخية ويحقق طموحاتها فى السياحة والاقتصاد.