طارق فهمى فضلا عن أن القيم الأساسية التى تربط إسرائيل بالعالم الغربى الديمقراطى أصبحت محل نزاع داخلى متزايد تعكف إسرائيل الرسمية فى الوقت الراهن على صياغة نظرية جديدة للأمن القومى تركز فيها على المخاطر والتهديدات التى تواجهها، لا سيما بعد حرب غزة التى أحدثت تغييرات كبيرة فى المنطقة بأكملها حيث تبدو إسرائيل، أكثر من أى وقت مضى وفقا لتصور إسرائيلى عام، تحتاج إلى عقيدة أمنية مقبولة على نطاق واسع مع التخوف من أن الحروب الطويلة تحد من قدرة إسرائيل على الاستفادة من الإنجازات العسكرية لتحسين وضعها الاستراتيجى بشكل دائم بسبب ما تفرضه من عبء متزايد على جميع أنواع الموارد حيث أعادت الحرب الحالية فى غزة وفق مفهوم إسرائيلى واضح ومعلن تشكيل الشرق الأوسط فى إطار صراع دولى بين القوى التى تسعى إلى تفكيك النظام الليبرالى وتلك التى تدافع عنه مع التسليم بأن الطرف الأساس لإسرائيل هو محور المقاومة، وأن الهدف الاستراتيجى ينبغى أن يكون إيجاد توازن إقليمى قوى فى مواجهة المحور، بدعم نشط من الولاياتالمتحدة، وإنشاء بنية إقليمية مستدامة خاصة مع تآكل مكانة إسرائيل كدولة ديمقراطية ليبرالية فى منظور الدول الغربية والمنظمات الدولية وعودة الانقسامات الاجتماعية التى كانت واضحة قبل اندلاع الحرب إلى الظهور مجددًا حيث تهدد هذه التوترات المرونة المجتمعية والاقتصادية لإسرائيل، فضلا عن قدرات جيشها الذى يعتمد بشكل كبير على جنود الاحتياط. وتكتسب التحديات التى تواجه إسرائيل أهمية خاصة فى ضوء عدم وجود اتفاق دولى على حدود إسرائيل والاعتراف بها، فضلا عن أن القيم الأساسية التى تربط إسرائيل بالعالم الغربى الديمقراطى أصبحت محل نزاع داخلى متزايد وإقليميا ومن ثم فإن التحدى الأساسى الذى تواجهه إسرائيل هو منع جهود إيران الرامية إلى إعادة بناء تحالفاتها فى أعقاب الحرب، فعلى سبيل المثال فإن دولة مثل العراق تشكل حاجزًا أمنيًا بالغ الأهمية بالنسبة لإيران وفقا لتصورات إسرائيلية مطروحة، ومصدر قلق مستمر ضد إسرائيل، وركيزة أساسية للنفوذ الشيعى فى المنطقة، وعليه فإن المطلوب هو الحفاظ على الوجود الأمريكى فى العراق، لأنه يقيد حركة الحكومة العراقية ويحد من نفوذ إيران. كذلك التخوف من أن يقوم حزب الله بالعمل على إعادة بناء شبكاته العسكرية والمدنية فى جنوبلبنان، وفى الوقت الذى تتجنب فيه المنظمة اللبنانية الصراع المباشر مع الجيش الإسرائيلى خلال فترة تعافيها، فإن جهودها قد تؤدى بالنهاية إلى إشعال فتيل الحرب مجددا الأمر الذى يتعين على إسرائيل إنشاء حزام أمنى على طول الحدود مع لبنان، مع الحفاظ على حرية العمل ضد حزب الله، ومنع إعادة تسليح الحزب من خلال تشديد الرقابة عبر البر والبحر والجو. ونظرًا للمخاطر المحتملة، فإنه يتعين على إسرائيل فى سوريا منع سيناريو تشكيل دولة إسلامية، مع تجنب الحرب المباشرة ومنع التهديدات بالقرب من حدودها، والحفاظ على المنطقة العازلة، وتنفيذ ضربات عسكرية حسب الحاجة كما يوجد تسليم بأن استمرار الصراع مع الفلسطينيين والسياسات التى تنتهجها إسرائيل قد تتسبب فى توفير الشرعية للفلسطينيين والدول الأخرى والهيئات الدولية لشن حملة سياسية ودبلوماسية وقانونية واقتصادية متعددة الأوجه ضد سياسات إسرائيل وتقييد حرية إسرائيل فى العمل وتقليص الاهتمام العالمى باحتياجاتها الأمنية وتعريض اتفاقيات السلام مع الدول العربية للخطر، خاصة إذا تم إعلان السيادة الإسرائيلية الكاملة أو الجزئية فى الضفة الغربية، وفرض إدارة عسكرية فى قطاع غزة، وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة من المنطقة خارج اتفاق شامل. ومن ثم ووفقا لطرح إسرائيلى مستمر وتزامنا مع ما يجرى حول إسرائيل فمن الضرورى استمرار العمليات ضد حركتى حماس والجهاد الإسلامي، وحرية عمل إسرائيل ضد البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية داخل غزة، على غرار المنطقة «ب» فى الضفة الغربية وفرض السيطرة على الحدود لمنع تدفق السلاح والأموال إلى حركة حماس. ومن الواضح تعمد الخبراء والعسكريين الذين يصيغون الرؤية الأمنية الراهنة وبناء نظرية أمن قومى جديدة تناول القضايا الخارجية ومن منظور أمنى وليس سياسيا فقط وبصورة أكبر من تناولهم للقضايا الداخلية وهناك تسليم بما يمكن أن تتعرض له إسرائيل من مخاطر حقيقية تتطلب سرعة العمل والانتقال من رصد المخاطر للتفاعل واتخاذ إجراءات حقيقية فى التعامل إضافة لوجود نزعة عسكرية متعالية مع الإبقاء على ثوابت ومعطيات الأمن القومى الإسرائيلى برغم مطالبهم بالتغيير. وفى المجمل هناك تخوف من بقاء الأوضاع على ما هى عليه فى إسرائيل وتزايد مد التمرد اللافت داخل المؤسسة العسكرية والتى تتجاوز تحفظات الاحتياط على الخدمة وامتدادها إلى شرائح مختلفة فهناك تسليم ظاهر ومتنامٍ بالقدرة على المواجهة وإبقاء إسرائيل كدولة كبيرة فى الإقليم من خلال إعادة استخدام القوة العسكرية، وحسن إدارتها بصورة كبيرة فى الفترة المقبلة كى تستمر إسرائيل كدولة مقبولة فى الإقليم بمنطق القوة العسكرية الممتدة وعدم الارتكان وفقا لطرح إسرائيلى عام لفكر السلام الذى قد تدفع ثمنه إسرائيل من أمنها وحضورها وهو أمر لا يمكن تقبله فى ظل وجود اليمين المتطرف قابضا على السلطة فى إسرائيل.