في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما 2025، وضمن العروض التي تحمل بعدًا فكريًا وإنسانيًا عميقًا، قدمت فرقة مسرحية من جورجيا عرضًا بعنوان "AGNES SHAKESPEARE'S WIFE" من تأليف نينا مازور وإخراج أفتانديلفار سيماشفيلي. العرض الذي أُقيم مساء السبت على خشبة مسرح جمعية دبا، جاء ليعيد تشكيل شخصية "أنيس هاثاواي"، زوجة شكسبير، بوصفها كيانًا سرديًا مستقلًا، له ما يقوله وله أن يُسمع. من الهامش إلى صدارة السرد. ينطلق العرض من فرضية مسرحية جريئة: ماذا لو تحدثت "أنيس"، زوجة شكسبير، أخيرًا؟ في ظل صمتٍ تاريخي طويل تجاه شخصيتها، يقدّم النص أنيس بوصفها شاهدة على عبقرية زوجها، وشريكة صامتة في صناعة إرثه، بل وربما ضحية لتهميشٍ مزدوج: أدبي وتاريخي. اقرأ أيضا|العرض الفرنسي «تخيّل ذاتك» مع جوليان كوتيرو بمهرجان الفجيرة للموندراما المونودراما هنا ليست مجرد وسيلة فنية، بل أداة مقاومة سردية، تمنح المرأة المغيبة صوتًا حقيقيًا على الخشبة، حيث تتحوّل "أنيس" من اسم عابر في سيرة رجل عظيم، إلى بطلة حكايتها الخاصة. يبنى العرض على ثنائية الحضور والغياب، وتعارض الذات مع الظل. فمن خلال مونولوج داخلي مشحون، تواجه أنيس صورة شكسبير، لا كزوج فقط، بل كأيقونة استحوذت على التاريخ، واحتكرت السرد تتجلى في النص مستويات من الصراع: بين الفرد والمؤسسة، بين الصوت الأنثوي والهيمنة الذكورية، وبين الرغبة في الاعتراف والواقع الذي يُقصي. كما تتعمق الدلالات في نقد البنية الثقافية التي تمجد الرجل المبدع وتغفل المحيطين به، خصوصًا النساء العرض يذهب بعيدًا في مساءلة التاريخ الأدبي: من يقرّر ما يُكتب؟ ومن تحذف أسماؤهم من المتن؟ وهل ثمة إبداع فردي محض، أم أن وراء كل "شكسبير" امرأة صامتة؟ قدّمت الممثلة الجورجية أداءً متقنًا يوازن بين الانكسار الداخلي والتمرّد المتصاعد، معتمدة على إمكانيات جسدية وصوتية عالية. تماهت تمامًا مع الشخصية، فجعلت من لحظات الصمت أبلغ من أي حوار، ومن النظرات والأداء الجسدي بيانًا دراميًا عن القهر والكبت والرغبة في الظهور. ويمكن قراءة العرض بوصفه رسالة مزدوجة: الأولى تعيد الاعتبار إلى المرأة في سياق تاريخي ذكوري، والثانية تطرح نقدًا ضمنيًا للمؤسسة الثقافية التي تُقصي من لا يملكون سلطة التوثيق. "أنيس" هنا ليست فقط زوجة، بل رمزٌ لكل امرأة كانت خلف الأضواء، ودفعت ثمن المجد بصمت. AGNES SHAKESPEARE'S WIFE ليس مجرد عرض مونودرامي، بل هو عمل يعيد هندسة الذاكرة المسرحية والأدبية. العرض الجورجي نجح بذكاء في تحويل شخصية ثانوية إلى أيقونة سردية،حيث ان المونودراما يظل الأداة الأصدق لاستعادة ما أسقطه التاريخ عمداً.