عندما يطل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بتصريحاته السياسية فى لحظة حساسة على متن الطائرة الرئاسية قبل أن يهبط فى باريس، فإن الرسالة تحمل فى طياتها أكثر من مجرد كلمات أو مواقف دبلوماسية تقليدية. قرار ماكرون بأن يكون حديثه عن السلام فى الشرق الأوسط، وعن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، هو اختيار مدروس بعناية، قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا التصريح هو امتدادٌ لسياسات فرنسا المعتادة، لكن على أرض الواقع، هذه التصريحات وهذا الموقف مدفوعٌ بزخم زيارة تاريخية للقاهرة، ونتاج لقاءات مكثَّفة وتشاورات على مدى ثلاثة أيام مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، كما أنها تعبيرٌ عن إعادة صياغة للتوجُّه الأوروبى فى التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وبالذات القضية الفلسطينية. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: عالم تمحى فيه المدن وتحترق الأسواق ما يُثير الاهتمام فى تصريحات ماكرون الأخيرة هو أنه اختار إعلانها قبل وصوله إلى باريس، وهو ما يحمل دلالات سياسية استراتيجية، فهذه الرسالة لم تكن مجرد حديث عابر، بل كانت بمثابة إعلان رسمى وتأكيد لموقف فرنسا فى أجواء مُعقَّدة. الرسالة على متن الطائرة تأتى أيضًا لتُؤكد أن فرنسا لا تخشى إحداث توازن بين سياساتها فى الشرق الأوسط، هى لا تقتصر على العلاقات مع الحلفاء التقليديين فى المنطقة، بل تُحاول أن تفرض نفسها كلاعبٍ رئيسى فى مسار السلام الفلسطينى الإسرائيلى، خاصة وأن باريس كانت وما زالت تدعم فى السر والعلن حل الدولتين. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: سلام ترامب.. إفطار بمذاق بارد ومأزق الشرق الأوسط لكن السؤال هنا: ما الذى يعنيه حديث ماكرون عن دولة فلسطينية مستقلة، وما هى الرسالة التى يحملها؟ هذه المرة ماكرون لا يتحدَّث فقط بصوته الخاص، بل يعكس مواقف الاتحاد الأوروبى ككلٍ، حتى وإن كانت بعض الدول الأوروبية تُفضِّل الصمت أو التحفظ، فرنسا لا ترى فى الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى مجرد أزمة إقليمية، بل قضية ذات أبعاد إنسانية وأخلاقية، وبالتالى تعكس هذه التصريحات محاولة لإعادة توجيه الأنظار الأوروبية إلى هذا الملف، إذا كانت فرنسا تطرح نفسها فى المقدمة فيما يتعلق بالدعم العلنى لفلسطين، فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: مَن سيتبعها من الدول الأوروبية؟ خاصة فى سياق الاتحاد الأوروبى الذى يعانى من تباين واضح فى المواقف بشأن الملف الفلسطينى. إن دولًا مثل إسبانيا، البرتغال، وأيرلندا، قد تكون أكثر استعدادًا لدعم هذه التوجهات، فقد كانت هذه الدول فى السابق تُظهر دعمًا قويًا لفلسطين، ويبدو أن تصريحات ماكرون تأتى لتوجيه رسالة تحفيزية لها لمتابعة نفس المسار. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفي يكتب: المدن الصناعية وأوراق مؤتمر أخبار اليوم لكن الحقيقة التى لا يُمكن تجاهلها هى أن ماكرون يُقدِّم نفسه كقائد لمحور أوروبى جديد، قادر على تنسيق المواقف وخلق توازنات بين القوى الكبرى فى الاتحاد الأوروبى. تصريحات ماكرون هى دعوة لأوروبا كى تلعب دورًا أكبر وأكثر وضوحًا فى ملف فلسطين، ليس فقط من خلال الجهود الدبلوماسية، بل عبر ضغط سياسى حقيقى على إسرائيل لوقف الاستيطان، والانخراط بجدية فى مفاوضات جادة حول حل الدولتين. ما بين الطائرة الفرنسية والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، تكمن رسالة استراتيجية يسعى ماكرون لتوجيهها إلى أوروبا والعالم، فى الوقت الذى تزداد فيه التعقيدات فى المنطقة، وفى وقت تتعدّد فيه الضغوط على الدول الكبرى لتغيير مواقفها من إسرائيل وفلسطين. تأتى رسالة ماكرون لتُشير إلى دور فرنسى مُتزايد فى قيادة مواقف الاتحاد الأوروبى، وأن فرنسا ستظل تُواصل الضغط من أجل السلام الشامل. وربما، فى هذا السياق، قد تكون فرنسا بصدد تشكيل محور أوروبى مستقل قادر على مواجهة الهيمنة الأمريكية على الملف الفلسطينى، وهو أمر قد يفتح المجال أمام تغيير حقيقى فى السياسة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، إذا ما قرَّرت دول الاتحاد الأوروبى أن تسير خلف فرنسا فى دعم رؤية ماكرون.