يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة اليوم الأحد 6 أبريل، في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام، تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسعيهما المتواصل لتطويرها في مختلف المجالات. ويتضمن برنامج الزيارة لقاءات رفيعة المستوى مع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من المسؤولين المصريين، ومن المقرر أن يتم توقيع عدد من اتفاقيات تعاون في مجالات متنوعة، فضلاً عن زيارة مدينة العريش المصرية القريبة من قطاع غزة. زيارة متعددة الأبعاد تعزز التعاون الثنائي تعد هذه الزيارة الرابعة لماكرون إلى مصر، في حين قام الرئيس السيسي بثماني زيارات إلى فرنسا، ما يعكس عمق العلاقات بين البلدين وحرص قيادتي البلدين على تكثيف الاتصالات واللقاءات لتعزيز العلاقات المتميزة واستمرار التنسيق المشترك وتبادل الرؤى حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية. وتكتسب الزيارة الحالية أهمية خاصة كونها تأتي في مرحلة بالغة الحساسية بالنسبة للمنطقة، حيث تركز المباحثات بين الرئيسين على عدة ملفات أبرزها الأوضاع في قطاع غزة، وبحث سبل التوصل إلى وقف إطلاق النار دائم، وتعزيز الجهود المبذولة لإيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. كما سيبحث الجانبان سبل تعزيز التعاون الاقتصادي، إذ سيلتئم "منتدى الأعمال" المشترك برئاسة السيسي وماكرون، والذي سيتناول مسائل الصحة، والطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، فضلاً عن النقل الذي سيحظى بجلسة خاصة نظراً للتعاون القديم والواسع بين الطرفين في هذا القطاع. علاقات تاريخية متجذرة ومتطورة تقوم العلاقات المصرية الفرنسية على أساس متين من الروابط التاريخية القوية التي تمتد لعقود طويلة، والتي قد شهدت تطورًا كبيرًا، مُنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم. وتستند هذه العلاقات إلى مبادئ الاحترام المتبادل والصداقة والثقة، وقد تعززت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة انطلاقاً من إرادة سياسية مشتركة وحرص من قيادتي البلدين على دفعها نحو آفاق أرحب، في ضوء الثقل الذي تتمتع به الدولتان الصديقتان. وتعددت الزيارات الثنائية الرفيعة المستوى بين البلدين، بوتيرة تقارب زيارة واحدة سنوياً على مستوى رئاسة الدولة، فقد زار الرئيس السيسي باريس في نوفمبر 2014، وشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بصفة ضيف شرف، في تدشين أعمال توسيع قناة السويس في أغسطس 2015، وزار فرنسا مصر في أبريل 2016. كما قام الرئيس السيسي بزيارة رسمية إلى باريس في أكتوبر 2017، تلتها زيارة ماكرون إلى مصر في يناير 2019. «غزة» على رأس الأولويات تولي الزيارة الحالية اهتمامًا خاصًا بملف القضية الفلسطينية وتطورات الأوضاع في قطاع غزة، فيشمل برنامج زيارة الرئيس ماكرون لمصر؛ زيارة مدينة العريش المصرية القريبة من قطاع غزة، في إشارة واضحة إلى دعم فرنسا للجهود المصرية في إيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وتعزيز سبل الاستجابة الإنسانية للقطاع. ويتفق البلدان على ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتحرير جميع الرهائن والأسرى، والتوصل إلى سلام دائم يقوم على حل الدولتين، باعتباره الحل الوحيد الضامن لتلبية تطلعات الشعب الفلسطيني الشرعية بالعيش بسلام وأمان والحصول على كامل حقوقه المشروعة وفقًا لمقررات الشرعية الدولية. وكان وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، قد التقى نظيره المصري د. بدر عبد العاطي على هامش مؤتمر باريس بشأن سورية في 13 فبراير 2025، حيث أكدا رفضهما التام لأي حل يتمثل في تهجير الفلسطينيين قسرًا، معتبرين ذلك انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ومزعزعًا لأمن واستقرار المنطقة بأكملها. كما أكد الوزيران عزمهما على العمل مع جميع الشركاء الدوليين لمواصلة إيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، والعمل قدمًا لإعادة إعمار القطاع المدمر، ومن جانبه استعرض الوزير عبدالعاطي جهود مصر في تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بكافة بنوده ومراحله الزمنية الثلاث، ونفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى القطاع، مشدداً على أهمية البدء في عملية التعافي المبكر وإعادة الإعمار وبوجود الفلسطينيين على أرضهم، مشدداً على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة استناداً لحل الدولتين لتحقيق السلام في المنطقة . تعاون اقتصادي وشراكة مُنذ عقود تمثل فرنسا شريكًا اقتصاديًا بالغ الأهمية لمصر، إذ شهدت المبادلات التجارية بين البلدين نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث سجلت زيادة بنسبة 22% في عام 2019 لتبلغ 3 مليارات يورو. ويتعزز الحضور الاقتصادي الفرنسي في مصر بفضل وجود نحو 160 فرعاً لمنشآت فرنسية توظف أكثر من 50 ألف شخص، وتحتل هذه المنشآت مكانة قوية في القطاعات الواعدة في الاقتصاد المصري مثل الصناعة والصناعة الزراعية والأجهزة الكهربائية والصيدلة والتوزيع واستغلال المحروقات والسياحة والبنى التحتية. ومن أبرز مشاريع التعاون الثنائي في المجال الاقتصادي، مترو الأنفاق في القاهرة، الذي أسهمت فيه المنشآت الفرنسية إسهاماً كبيراً بفضل دعم مالي فرنسي استثنائي تجاوز ملياري يورو من التمويلات الميسرة منذ عام 1980. ومن المتوقع أن يشهد "منتدى الأعمال" المصري الفرنسي، الذي سيعقد خلال الزيارة، توقيع 12 اتفاقاً جديداً في مجالات الصحة والنقل والمياه وغيرها، مما سيسهم في تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين. دعم فرنسي للمرشح المصري لليونيسكو من القضايا المهمة التي ستشهد تطوراً خلال زيارة ماكرون، تأكيد فرنسا مجدداً دعمها للمرشح المصري خالد العناني، وزير الآثار والسياحة السابق، لمنصب المدير العام لمنظمة اليونيسكو في الانتخابات المقبلة. ويأتي الدعم الفرنسي لمرشح مصر في إطار التعاون الثقافي الوثيق بين البلدين، وإيماناً من باريس بالدور التاريخي والحضاري لمصر في مجالات التراث والثقافة. وتتمتع مصر بتاريخ طويل من التعاون مع منظمة اليونيسكو، وقدمت إسهامات بارزة في مجالات حماية التراث العالمي والحفاظ على الآثار، وهو ما يؤهلها لتولي هذا المنصب الدولي المهم والمساهمة في تعزيز دور المنظمة على المستوى العالمي. تعاون ثقافي وعلمي مستمر يحظى التعاون في المجالات الثقافية والتعليمية والبحثية والأثرية بمكانة مهمة في العلاقات المصرية الفرنسية، ومن المقرر أن يتم خلال الزيارة توقيع مجموعة من الاتفاقيات في هذه المجالات، بما فيها تعليم اللغة الفرنسية. ويتولى المعهد الفرنسي في مصر، بفروعه الثلاثة في القاهرة والإسكندرية ومصر الجديدة، تنشيط التعاون الثقافي بين البلدين، فيما يتمثل الحضور الفرنسي في مجال البحوث بوجه خاص في معهد البحوث بشأن التنمية ومركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية. وتحتل فرنسا مكانة متميزة في مجال علم الآثار في مصر من خلال المعهد الفرنسي لعلم الآثار الشرقية، والمركز الفرنسي المصري لدراسات معابد الكرنك، ومركز الدراسات الإسكندرانية، فضلاً عن البعثات الأثرية الفرنسية المتعددة في مصر. ومن المقرر أن يقوم ماكرون خلال زيارته بجولة خاصة في "المتحف المصري الكبير" الذي يجري تجديده، وذلك قبل افتتاحه المرتقب في الثالث من يوليو المقبل، في خطوة تعكس اهتمام فرنسا بالتراث المصري القديم. مستقبل العلاقات المصرية الفرنسية من المنتظر أن تشهد الزيارة الحالية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر توقيع عدة اتفاقيات تعاون جديدة، منها 10 اتفاقيات مؤسساتية ستوقع أثناء اللقاء بين الرئيسين، و12 اتفاقاً أخرى بمناسبة "منتدى الأعمال"، تشمل مجالات الصحة والنقل والمياه وغيرها. ومن المقرر أن يصدر، بنهاية الزيارة، بيان شامل يتناول المسائل السياسية والاقتصادية والدفاعية والتجارية والثقافية والأكاديمية، ويوفر بياناً بالاتفاقات والعقود الجديدة الموقَّعة، مما سيرسم خارطة طريق للعلاقات الثنائية في المرحلة المقبلة. وتعول مصر على دعم فرنسا في مساعيها للإصلاح الاقتصادي، حيث تنوه باريس بالدعم الذي وفرته للقاهرة في محادثاتها مع صندوق النقد الدولي، وتؤكد رغبتها في "مواكبة مصر" في خطتها الإصلاحية المرتقبة.