فى قلب العاصمة القاهرة، حيث تتشابك العراقة مع الحداثة، تنطلق خطة طموحة لإعادة إحياء وتطوير منطقة وسط البلد ومربع الوزارات، مستهدفة تحقيق الاستغلال الأمثل للمبانى الحكومية والتراثية، مع الحفاظ على الطابع العمرانى الفريد الذى يميز هذه المنطقة العريقة. اقرأ أيضًا | الهواتف المحمولة| تغر ق فى دماء الضحايا فى هذا السياق، وجّه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بسرعة طرح كراسة شروط «مربع الوزارات» للمستثمرين من القطاع الخاص خلال مدة لا تتجاوز شهرين، وذلك فى إطار رؤية الدولة لتعظيم الاستفادة من الأصول غير المستغلة وتحويلها إلى مشروعات تدعم الاقتصاد الوطنى وتعزز مكانة القاهرة كوجهة استثمارية وسياحية متطورة. يمثل مشروع تطوير وسط البلد خطوة رئيسية ضمن جهود الدولة لإحياء القاهرة الخديوية، إذ سيتم تنفيذ عملية التطوير على مراحل، تشمل المرحلة الأولى عدة محاور رئيسية، مثل شوارع رمسيس، الجلاء، الأزبكية، عماد الدين، شامبليون، معروف، قصر النيل، عابدين، البستان، باب اللوق، وميدان التحرير، وستقسم هذه المناطق إلى قطاعات متخصصة، تضم فنادق عالمية، ومجمعات ثقافية وحرفية صديقة للبيئة، ومبانى إدارية وتجارية، ومناطق ترفيهية، إلى جانب وحدات سكنية ومرافق تعليمية وثقافية، مما يحقق تنوعًا وظيفيًا يعكس روح المكان ويحافظ على طابعه المعمارى الفريد. وتأتى خطة تطوير مربع الوزارات ضمن الرؤية الأشمل لاستغلال الأصول الحكومية غير المستغلة، إذ يضم المربع عددًا من المبانى الوزارية التى سيتم إعادة توظيفها وفق رؤية استثمارية مدروسة، وتشمل هذه المبانى مقر وزارة العدل، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والهيئة العامة للتخطيط العمرانى، ووزارة التموين والتجارة الداخلية، ووزارة الإنتاج الحربى، إلى جانب مجموعة من المبانى الحكومية الأخرى ذات الطابع التراثى، وتستهدف الخطة تحويل بعض هذه المنشآت إلى فنادق عالمية متميزة، تستقطب فئات مستهدفة من الأسواق السياحية، بالإضافة إلى تخصيص بعض المبانى لمشروعات اقتصادية واستثمارية تعزز من مكانة المنطقة كوجهة للأعمال والسياحة. اهتمام حكومي شهدت الفترة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين بالفرص المتاحة فى القاهرة الخديوية ومربع الوزارات، حيث تلقت الحكومة طلبات عديدة من مستثمرين كبار لاستغلال هذه المبانى وتحويلها إلى مشروعات فندقية وإدارية حديثة، بما يحقق عوائد اقتصادية كبيرة للدولة، وفى هذا الإطار، يقوم «صندوق مصر السيادي» بدور محورى فى تنسيق الجهود الاستثمارية، لضمان تحقيق رؤية الدولة التخطيطية فى الاستفادة المثلى من هذه المنطقة التاريخية، وفقًا لما أكده مجلس الوزراء. الرؤية الاستثمارية تشمل استغلال مُربع الوزارات فى المرحلة الأولى، يليها تطوير باقى منطقة القاهرة الخديوية فى المرحلة الثانية، مع وجود مقترحات متعددة لاستخدام المبانى الوزارية فى إقامة غرف فندقية، ومساحات للأعمال، وأماكن للإقامة، وسكن للطلاب، إلى جانب سيناريوهات تمويل أعمال التطوير، بما يضمن استدامة المشروع وتحقيق أقصى استفادة اقتصادية منه. وفيما يتعلق بالهوية العمرانية للمنطقة، شدد رئيس الوزراء أن تطوير وسط البلد سيتم مع الحفاظ الكامل على الطابع المعمارى والعمرانى للمنطقة، مؤكدًا على أهمية احترام القيمة التراثية للمبانى القديمة، وإعادة توظيفها بما يعكس روح القاهرة الخديوية، ومن هذا المنطلق، تعمل محافظة القاهرة بالتعاون مع جهاز التنسيق الحضارى على إزالة التعديات، والاهتمام بأعمال الصيانة والنظافة للعقارات التراثية، وتحسين الصورة البصرية للمنطقة، مما يعزز من مكانتها كمقصد حضارى وسياحى واستثمارى متكامل. تراث وسط البلد فى هذا الصدد، أكد المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، أن مشروع تطوير وسط البلد يُعد من المشروعات القومية المهمة، لما له من دور فى إعادة إحياء وصياغة التراث المعمارى والعمرانى للقلب التاريخى للقاهرة، موضحًا أن المشروع لا يقتصر فقط على القاهرة الخديوية، بل يشمل أيضًا القاهرة التاريخية بكل ما تحتويه من آثار ومبان وشوارع وأزقة. وأشار أبو سعدة خلال حديثه ل «الأخبار» إلى أن دور الجهاز يتمثل فى وضع الرؤية لإعادة إحياء هذه المبانى، حيث تم الانتهاء حتى الآن من ترميم وتطوير أكثر من 300 عقار، إلى جانب العمل على تحسين المحاور والممرات، مثل ممر الشريفين، منطقة البورصة، وممر الألفى، وذلك ضمن خطة مستقبلية تشمل تطوير ممرات إضافية كالمناطق المحيطة بممر الشريفين، البورصة، وممر بهلر.. وأوضح أن منطقة وسط البلد تمثل ثروة معمارية كبيرة ذات طابع أوروبى مميز، حيث استلهم مخططها العمرانى من المخطط الفرنسى «هوسمان» الذى وضع تصميم باريس، لذلك، يسعى المشروع للحفاظ على هذا الإرث الفريد وإبرازه، بما يعيد إلى القاهرة الخديوية رونقها ويعزز دورها كقلب سياحى وتاريخى للمدينة. وأضاف أبو سعدة أن المشروع شمل تطوير عدد من الشوارع الرئيسية، مثل قصر النيل، طلعت حرب، وعماد الدين، بالإضافة إلى تطوير ميدان التحرير َوالمنطقة المحيطة به، مؤكدًا أن الهدف النهائى هو استعادة وسط القاهرة لدوره كقلب سياحى وتاريخى نابض.. وأشار إلى أن جهود التطوير لا تتوقف عند المبانى فقط، بل تمتد إلى استعادة مناطق ذات قيمة تاريخية مثل حديقة الأزبكية، والعمل حاليًا على تطوير نادى السلاح والشوارع الممتدة من شارع فؤاد، بعد الانتهاء من أعمال مترو الأنفاق.. وختم حديثه بالتأكيد على أن المشروع لا ينعكس فقط على تحسين المشهد العمرانى، بل يترك أثرًا إيجابيًا على الشباب والمجتمع، مشيرًا إلى التفاعل الكبير عبر منصات التواصل الاجتماعى، حيث أصبح المواطنون يوثقون مظاهر الجمال المستعادة فى وسط البلد ويشبهونها بأجمل مناطق أوروبا، ما يعكس نجاح المشروع فى إضفاء جودة حياة أفضل للمجتمع ككل. وتمثل هذه المشروعات خطوة استراتيجية نحو استعادة بريق وسط القاهرة، وتحويلها إلى مركز حيوى يجمع بين التاريخ والحداثة، من خلال تطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات، وإعادة تأهيل المبانى التراثية بطريقة تحافظ على هويتها، مع تقديم نموذج استثمارى متطور يواكب متطلبات العصر، وبهذه الرؤية الشاملة، تستعد القاهرة الخديوية ومربع الوزارات لدخول مرحلة جديدة من التطوير، تعكس الطابع الحضارى المميز لمصر. البنية التحتية وعن أهمية المشروع، قال الدكتور سمير حماد، أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة بنها ونائب محافظ القليوبية السابق، إن القاهرة الخديوية لم تُخطط لتكون مجرد عاصمة تقليدية، بل وُضعت أسسها منذ عهد الخديو إسماعيل على غرار باريس، بحيث تكون مدينة حديثة ذات طابع معمارى مميز وبنية تحتية متقدمة قادرة على الاستمرار لمئة عام.. وأوضح أن ما لا يدركه الكثيرون هو أن هذه البنية التحتية لم تكن مصممة لتحمل أعباء حكومية ضخمة، ومع ذلك استطاعت استيعاب التكدس الوزارى والإدارى على مدار العقود الماضية، رغم أن ذلك لم يكن ضمن المخطط الأصلى لإنشائها. وأشار حماد إلى أن القاهرة ظلت لعقود طويلة مركزًا للحكم والوزارات، مما أدى إلى تكدس غير مسبوق فى وسط البلد، ووضع أعباء إضافية على المرافق والبنية التحتية، بما فى ذلك شبكات الكهرباء والطرق والمواصلات، مضيفًا بأن المنطقة التى كانت فى الأصل مدينة سكنية راقية تحتضن قصر الحكم، لم يكن من المفترض أن تتحول إلى تجمع إدارى مكتظ بمبانى الوزارات والمؤسسات الحكومية بهذا الشكل. وأكد أن خروج الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة كان خطوة حتمية للتخفيف من هذا الضغط، مشيرًا إلى أن اختيار موقع العاصمة الإدارية فى الامتداد الشرقى للقاهرة جاء ليحقق توازنًا عمرانيًا يسمح بإعادة توزيع المهام الإدارية دون التأثير على النسيج العمرانى والتاريخى للقاهرة الخديوية. إعادة تأهيل وحول التعامل مع المبانى التراثية، شدد حماد على أهمية التفريق بين إعادة التأهيل وإعادة الاستخدام، موضحًا أن التأهيل يعنى إجراء عمليات ترميم وإصلاح للحفاظ على الحالة الإنشائية للمبانى، بينما إعادة الاستخدام تمثل التحدى الأكبر، حيث تتطلب خلق أنشطة جديدة تتناسب مع طبيعة المبنى التاريخى، مع ضرورة التعامل معها بحساسية واحترافية شديدة لضمان الحفاظ على قيمتها الأثرية والمعمارية.. وأشار إلى أن مشروع تطوير مجمع التحرير هو نموذج بارز لهذه الاستراتيجية، حيث سيعاد استخدامه كفندق عالمى يتماشى مع الطابع السياحى للمنطقة، خاصة مع وجود المتحف المصرى وكورنيش النيل ومثلث ماسبيرو بعد تطويره، موضحًا أن الأمر لا يقتصر على تحويل المبانى إلى فنادق فقط، بل يمكن تخصيص بعضها ليكون مقرات لشركات عالمية أو سفارات، أو استغلالها فى أنشطة ثقافية واجتماعية مثل إنشاء قصور ثقافة حديثة تدعم الفنون والإبداع، وغيرها. وأوضح حماد أن إعادة الاستخدام يجب أن تراعى عدم إهلاك المبانى التراثية أو تحميلها بأنشطة مكثفة تؤثر على بنيتها الإنشائية، مشيرًا إلى أن الاستخدامات الأمثل ستظل بين السكنى والإدارى، لضمان استدامة هذه المبانى والحفاظ على هويتها التاريخية، مع الاستفادة منها بما يخدم احتياجات المجتمع والاقتصاد فى آنٍ واحد. نقلة اقتصادية طرح منطقة وسط البلد ومجمع الوزارات للاستثمار من شأنه تحقيق عوائد اقتصادية كثيرة، إذ أكد الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى ورئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، أن مشروع تطوير منطقة وسط البلد وإحياء القاهرة الخديوية يمكن أن يمثل نقلة اقتصادية كبرى ستعود بمكاسب ضخمة على الدولة، سواء من خلال جذب الاستثمارات أو تعزيز السياحة، قائلًا إن الجميع يحلم بعودة القاهرة الخديوية إلى سابق عهدها بعظمتها وفخامتها، وهو ما يجعل هذا المشروع فرصة ذهبية لإعادة تقديم العاصمة المصرية بحلة جديدة تليق باسم مصر وتاريخها العريق.. وأضاف عبده أن منطقة وسط البلد تحظى بالفعل بإقبال كبير من السياح الأجانب، نظرًا لطابعها المعمارى المميز وموقعها الحيوى، مما يجعل تطويرها استثمارًا استراتيجيًا يمكن أن يسهم فى تنشيط السياحة وزيادة معدلات الإنفاق السياحى، مشيرًا إلى أن القاهرة باعتبارها أكبر عاصمة فى أفريقيا، تمتلك إمكانيات هائلة وتضم استثمارات بمليارات الدولارات، ما يجعلها بيئة خصبة لمزيد من المشروعات الاستثمارية الضخمة. وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن استغلال الموارد المتاحة بالشكل الأمثل، من خلال تحويل المبانى التاريخية والمرافق الحكومية غير المستغلة إلى مشروعات استثمارية، سيؤدى إلى تعزيز العوائد الاقتصادية، فضلًا عن تحسين الصورة الحضارية للعاصمة. واختتم عبده حديثه بالتأكيد على أن تطوير وسط البلد ليس مجرد مشروع عمرانى، بل يمكن أن يحدث نقلة حقيقية للمجتمع المصرى، تعكس توجه الدولة نحو التخطيط الحضرى المستدام والاستغلال الأمثل للأصول، مما يعزز من مكانة القاهرة كواحدة من أهم العواصم السياحية والاقتصادية.