■ كتبت: ياسمين السيد هاني تتسارع التطورات في العدوان الإرهابي الذي تشنه دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة الأعزل، مدعوما بمدد أمريكي سياسي وعسكري لا ينضب، ورغم الخلافات التي بدت في الفترة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الا أن ترامب الذي أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل للمضي قدما في ارهابها، لأسباب قد لا تتعلق بالحرب في حد ذاتها، بدا متخبطا مرة أخرى فيما يتعلق بسياسته تجاه المنطقة. ◄ إسرائيل تناور في مساحة من الدعم الأمريكي لتسهيل التهجير ◄ المبعوث الإمبريالي جاهل بأبسط الحقائق والحقوق وإن كان نهج الغموض فى سياسته وعدم استبعاد أى منهج من الدبلوماسى إلى العسكرى، هو ما يفضله ترامب، إلا أن ما حدث على مدار شهرين منذ تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة أعطى رسائل متضاربة تجاه عدد كبير من الملفات، مما يعكس عدة حقائق، أولاها أن الرئيس الأمريكى يعرف «ما يريد» أكثر مما يعرف «ما لا يريد»، وبالتالى فهو يقوم بتجربة كل الطرق والسبل والوسائل والسياسات على اختلافها، ثانيا أن فريق الرئيس الذي اختاره لعضوية إدارته قد لا يكون بالقدر الكافى من الاستقلال فى عمله لبحث أفضل طريق لمصلحة بلاده، بل يعمل بالفعل فى خدمة أجندة الرئيس. أما ثالثة هذه الحقائق التى يكشف عنها نهج الإدارة الأمريكية فهو أنها لا تتعامل بخطط طويلة واستراتيجيات معتمدة فى أروقة السياسة، بل تقوم على أسلوب «القفز» بين خيار وآخر بدون مقدمات وبدون حيثيات واضحة، وإن دل ذلك على شىء، فإنما يدل على قصر النظر فيما يتعلق بملفات حيوية، وهو أمر غالبا ما يسهل استغلاله من جانب أطراف مثل إسرائيل مثلا. ◄ القطاع المنكوب ربما يجسد الوضع الآن فى قطاع غزة الأعزل والمنكوب أفضل مثال للتدليل على كل ما سبق، والتأكيد على أن إدارة ترامب السياسية ارتجالية لا تعرف التخطيط، وأنه ضعيف الرؤية السياسية، فإسرائيل لم تجرؤ على استئناف العدوان على القطاع الأعزل بدون ضوء أخضر أمريكى من «ترامب القوى». أما ترامب نفسه، فقد تراوحت مواقفه - من قبل تنصيبه رئيسا وإلى الآن - بين التشدد والتساهل تجاه إسرائيل فى مسألة استئناف الحرب، كما تراوحت مواقفه بين التعهد والالتزام بإرجاع الأسرى لدى حماس ثم الانقلاب على ذلك التعهد والميل التام تجاه الرغبة الإسرائيلية باستئناف الحرب وهى بعيدة كل البعد عن إرجاع الأسرى بحسب أهالى المحتجزين الإسرائيليين أنفسهم، كما أن وصفته للسلام التى سبق وعرضها والمتعلقة بتهجير الفلسطينيين، عاد وتراجع عنها فى وقت لاحق بعد أن تم إطلاعه على تداعياتها الخطيرة على الإقليم وعلى المصالح الأمريكية نفسها فيه، حتى ادعاءاته بأن الفلسطينيين بؤساء بسبب ما تعرضوا له فى تلك الحرب، فضحها تأييده الأعمى لإسرائيل فى استئنافها للحرب. ◄ ثنائية إسرائيل رُبما كانت إدارة سلفه جو بايدن أضعف من أن تجبر إسرائيل على وقف الحرب، وأضعف من أن تمنعها المدد العسكرى والتأييد الدبلوماسى لكنها كانت بالتأكيد لا ترى فى هذه الحرب خيرا للمصالح الأمريكية، فسيناريوهات الانفلات أكثر من احتمالات الضبط والسيطرة، وهذه الرؤية بالتحديد هى ما تغيب عن أذهان الساسة فى واشنطن، وترامب الذى يُرسل عبر غزة رسائل لأطراف أخرى مثل إيران مثلا، لا ينتبه لأن عدوان غزة سيؤثر على العلاقات مع دول المنطقة وفى مقدمتها مصر. ونقل تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن مصادر مطلعة فى وفود الوسطاء أن إسرائيل يبدو جليًا أنها تستخدم ثنائية «الحرب - المفاوضات» كغطاء لتقديم خطة التهجير القسرى لسكان القطاع، وإسرائيل التي أنشأت مؤخرًا إدارة لتسهيل التهجير الطوعى، لا ترى فى استئناف الحرب إلا عاملا مسهلا لهذه الخطة. ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر مطلعة أن إسرائيل تحاول تقويض جهود الوساطة المصرية فى صفقة الأسرى ومفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس، وأن جميع المقترحات فشلت، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى نقص الدعم من واشنطن. وقال مصدر: «رفضت الإدارة الأمريكية تقديم أى ضمانات بشأن الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى». وأحد هذه المقترحات، الذى دعا إلى وقف إنساني خلال عطلة عيد الفطر، تم رفضه من قبل المبعوث الأمريكي. وتوقفت المفاوضات منذ إتمام المرحلة الأولى من صفقة الأسرى قبل نحو شهر. ومع غياب التقدم، استؤنف العدوان من إسرائيل ويعتقد المسئولون الأمريكيون أن العمل العسكرى مبرر بسبب رفض حماس تقديم تنازلات. ◄ المبعوث الإمبريالي لكن إذا كان تأييد أمريكا للحرب هو من باب فرض السلام نهاية، فإن ذلك لن يكون إلا تجربة فشل جديدة، فكل محاولة فى تاريخ هذا الصراع لإعلان السلام دون تحقيق العدالة للفلسطينيين لم تؤدِ إلا إلى زيادة اشتعال نار الحرب، وكان هذا محور تحليل كتبه ديفيد هيرست فى «ميدل إيست أى» وقال فيه إن المبعوث الرئاسى ستيفن يتكوف كشف دون قصد عن جهله خلال لقائه المصور الأخير بالصحفى تاكر كارلسون. وكتب هيرست: «لا يسمح أى معلم محترم لنفسه بإخراج طفل من الصف التاسع إذا كان لا يعرف ما يبدو أن ويتكوف لا يعرفه عن أقدم صراع إقليمي في العالم»، ففى تصور ويتكوف، لا يوجد أى مطالبة فلسطينية بالأرض أو حقوق وطنية فلسطينية، لا يوجد مستوطنون يطردونهم من منازلهم فى الضفة الغربيةالمحتلة. لم يتم الإعلان عن ثلاث عشرة مستوطنة هناك فحسب ولا يوجد فلسطينيون فى إسرائيل أيضًا، الأمر كله يتعلق بحماس وغزة، ووفقا له، فإن المشكلة فى غزة لا تتعلق بمكان وضع مليونى شخص هناك، لقد كنا نفهم هذا بشكل خاطئ، يمكن إرسالهم إلى أى مكان: أرض الصومال، البلقان، أينما كان، بل إن الأمر كله يتعلق بمكان وضع ناطحات سحاب ترامب. ووصف التحليل ويتكوف بالسفير الإمبريالى، ونقل عنه أن غزة كانت مليئة بالأنفاق لدرجة أنها مثل «الجبن السويسرى تحت الأرض.. ثم تعرضت للقصف بقنابل خارقة للتحصينات، لذلك لم يعد هناك صخور. لا يوجد مكان لوضع الأساسات إذا كنت ستبنى المبانى»!. وبهذا فإن ويتكوف ليس مجرد مفاوض.. إنه مبعوث إمبراطورى، الإمبراطور هو من يضع الطاولة معلنًا أنه سيحقق «السلام من خلال القوة». ◄ رؤية قاصرة من جهته، قال تحليل للمجلس الأطلسى إن استراتيجية ترامب فى الشرق الأوسط تدور حول إبرام صفقة مع إيران، لكن قطاع غزة قد يكون عقبة فى الطريق، وأوضح المجلس فى تحليله إن بعض المعلقين وصفوا السياسة الخارجية لترامب تجاه الشرق الأوسط بأنها ارتجالية وفوضوية، ومع ذلك، فثمة نقطة مركزية فى سياسة ترامب وهى تأمين اتفاق نووى مع إيران وكبح تأثيرها الضار فى المنطقة، أو تحييد شرها. فالضربات الأمريكية ضد الحوثيين التى بدأت فى 15 مارس يبدو أن لها أهدافًا متعددة. الهدف الفورى هو إجبار الجماعة على إيقاف هجماتها على الشحنات وإسرائيل. لكن المسئولين الأمريكيين أكدوا أيضًا أنهم يحملون إيران المسئولية عن هجمات الحوثيين، لأنها زودت الحوثيين بالأسلحة والتدريب وأمدتهم بالاستخبارات حول تحركات السفن. وقد حذر ترامب نفسه مؤخراً من أن إيران قد تدفع ثمن ذلك، بما فى ذلك من خلال ضربة عسكرية ضد إيران نفسها إذا لم يوقف الحوثيون هجماتهم. ◄ الهدف الخفي ونجاح الولاياتالمتحدة فى إسكات صواريخ وطائرات الحوثيين من شأنه تقليص التهديد من الميليشيا التابعة لإيران التى تظل الأكثر نشاطًا ضد مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل منذ أن وافق حزب الله وحماس - اللذان تم إضعافهما بشكل كبير - على التوصل إلى هدنة مع إسرائيل، على الرغم من تجدد الحرب فى غزة مرة أخرى. كما أن إظهار القوة الأمريكية ضد الحوثيين والتحذير لإيران بأن الدور التالى قد يكون لها يهدف أيضًا إلى تعزيز هدف ترامب فى دفع طهران للدخول فى مفاوضات بشأن برنامجها النووى وسلوكها الإقليمى المزعزع للاستقرار. ولتدعيم تحذير ترامب الخفى بأن الولاياتالمتحدة أو إسرائيل، أو كلتيهما، قد ينفذان ضربات عسكرية مدمرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، سعت إدارة ترامب إلى إجراء تدريبات جوية مشتركة مع إسرائيل، حيث قامت طائرة قاذفة أمريكية من طراز B-52 - القادرة على حمل قنابل يمكنها اختراق المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض - وطائرات إسرائيلية من طراز F-15I وF-35I «بتدريب التنسيق العملياتى، لتعزيز قدرتها على التصدى للتهديدات الإقليمية». وفي إطار السياسة الاقليمية لأمريكا ومحورها إيران، كما يقر تحليل المجلس الأطلسى، فإن المسئولين الأمريكيين يعملون بهدوء على تعزيز الاستقرار فى سوريا وضمان عدم انهيار اتفاق الهدنة في لبنان. لعب المسئولون العسكريون الأمريكيون دورًا مهمًا فى التوسط لاتفاق فى 10 مارس بين الحكومة الجديدة فى سوريا وقوات سوريا الديمقراطية الكردية، مما سيساعد على استقرار الحكومة السورية الجديدة من خلال إزالة تهديد النزاع مع الأكراد. لكن الموقف على النقيض من ذلك، عندما يتعلق الأمر بغزة، فإن دعم إدارة ترامب لقرار نتنياهو استئناف الحرب من المرجح أن يتعارض مع هدفها الأكبر فى مواجهة إيران، إن الهجمات الجوية واسعة النطاق على حماس وإعادة إدخال القوات البرية إلى القطاع، التى تلاها هجوم صاروخى من حماس على تل أبيب، قد تؤدى إلى خلق صراع مفتوح مع هذه الجماعة، كما من المرجح أن يؤدى هذا الصراع المتجدد أيضًا إلى زيادة الانقسامات الداخلية فى إسرائيل بالنظر إلى المعارضة الواسعة بين الإسرائيليين لاستئناف القتال. ومن ثم، فإن هذا التوتر واستئناف نتنياهو الحرب فى غزة قد يشتت انتباه إسرائيل عن التركيز على كيفية التعامل مع إيران. ◄ تخبط مستمر ووفقًا لتحليل المجلس الأطلسى، بينما تمتلك إدارة ترامب العديد من عناصر الاستراتيجية المتماسكة تجاه الشرق الأوسط، هناك الكثير من الأمور التى يمكن أن تسوء فى السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، قد يتبين أن الحوثيين صعاب فى القمع على الرغم من الحملة العسكرية الممتدة، وقد ترفض طهران التفاوض حول برنامجها النووى حتى تبدأ الولاياتالمتحدة فى تخفيف العقوبات، قد تؤدى هذه السيناريوهات إلى إجبار البيت الأبيض على تكثيف عملياته ضد الحوثيين بشكل كبير أو اللجوء إلى هجوم عسكرى كبير على إيران أو التراجع وظهور ضعيف. وقد تنهار جهود تعزيز الاستقرار في لبنانوسوريا، مما يجعل كلا البلدين عرضة لإعادة بناء إيران وميليشياتها العسكرية هناك، وقد تكون غزة مستنقعًا طويل الأمد لإسرائيل ومصدرًا كبيرًا للاحتكاك الذى يعوق جهود الولاياتالمتحدة لبناء تعاون أقوى مع الشركاء فى المنطقة، واختتم التحليل بالتأكيد على أن النجاح فى الشرق الأوسط يتطلب التكيف مع الأحداث التى تتغير بسرعة، إذا فشل كل شىء - وهو الموقف الذى وجدت فيه معظم الإدارات الأمريكية السابقة نفسها - فستحتاج إدارة ترامب إلى الارتجال.