قرر الرئيس الأمريكي تنفيذ تهديده بفتح أبواب الجحيم على جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن.. واعتبر المسؤولون الأمريكيون أن هذه الضربات قد تستمر أيامًا أو أسابيع.. فلماذا الآن؟! قال تقرير نشرته هيئة الاذاعة البريطانية، إن الحركة الحوثية انبثقت من رحم الصراع المسلح مع الحكومة المركزية في اليمن، وبدأ حراكها في بداية التسعينيات مع تشكيل أول حركة باسم «الشباب المؤمن»، مدفوعة بواقع التهميش الذي تعاني منه مناطق الزيديين الذين تقدر نسبتهم بحوالي 35 إلى 40 في المئة من سكان اليمن. والزعيم الأول للحركة حسين بدر الدين الحوثي، اتبع بعد 11 سبتمبر 2001 نهجا فكريا اكتسب طابعا سياسيا قبل أن يتحول إلى تنظيم مسلح في عام 2004 في غمرة المواجهات مع القوات الحكومية، وهو العام الذي قتل فيه حسين الحوثي ليخلفه شقيقه الأصغر عبد الملك في القيادة. في سبتمبر الماضي، نقلت رويترز عن تقرير وصفته ب«السري» صادر عن مراقبي تطبيق عقوبات الأممالمتحدة أن جماعة الحوثي تطورت «من جماعة مسلحة محلية بقدرات محدودة إلى منظمة عسكرية قوية» بدعم من الحرس الثوري الإيراني وجماعة حزب الله اللبنانية ومتخصصين عراقيين. وقالت لجنة الخبراء المستقلة إن الحوثيين كانوا يتلقون تدريبات تكتيكية وفنية خارج اليمن خلال سفرهم بجوازات سفر مزيفة إلى إيران ولبنان والعراق. وكتب خبراء الأممالمتحدة في أحدث تقاريرهم الذي اطلعت عليه رويترز أن «الشهادات العديدة التي جمعتها اللجنة من خبراء عسكريين ومسؤولين يمنيين وحتى من أفراد مقربين من الحوثيين تشير إلى أنهم لا يملكون القدرة على التطور والإنتاج من دون دعم أجنبي وأنظمة أسلحة معقدة». وأضافوا أن «نطاق وطبيعة ومدى عمليات نقل العتاد والتكنولوجيا العسكرية المتنوعة المقدمة إلى الحوثيين من مصادر خارجية، بما في ذلك الدعم المالي وتدريب مقاتليهم، غير مسبوقة»، وقال مراقبو تطبيق العقوبات إن أنظمة الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون مشابهة لتلك التي تنتجها وتستخدمها إيران أو جماعات مسلحة ضمن ما تطلق على نفسها اسم (محور المقاومة) المدعوم من طهران. ■ دونالد ترامب ◄ أسباب الجحيم قرار الحرب الأمريكية على الحوثيين قد اتخذ بحسابات سياسية دقيقة، راعت هذه الحسابات الموقف من أكثر من طرف، دون أن يكون وحده السبب في القرار. أما بالنسبة لإسرائيل، فلا يمكن التسليم بما روجت له من أن الضربات الأمريكية المكثفة على أنصار الله تأتى لدعم تل أبيب. فأمريكا في السابق كانت تضرب «على استحياء» مواقع أو معاقل لأنصار الله الحوثيين فى ظل إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وهى ضربات تم هندستها بدقة لتكون بشكل رئيسي دفاعية أمام هجمات الحوثيين على السفن التجارية. فبدأت باستهداف مواقع إطلاق الصواريخ على السفن ثم امتدت بشكل محدود جدًا لمعاقل الحوثيين. لم تكن أمريكا ولا حلفاؤها يهدفون منها أبدا إلى التصعيد الإقليمي، بل كل ما أرادوه إنهاء أمر ساهم فى النهاية فى زيادة التضخم فى اقتصادياتها المنهكة منه بسبب حرب أوكرانيا. فضربات الحوثيين على السفن كانت تؤدي إما لإتلاف البضائع أو زيادة مبالغ التأمين على رحلات الشحن البحري التجارية أو لطول فترة الرحلة البحرية لو قررت سفينة ما سلك طريق آخر مثل رأس الرجاء الصالح بدلا من طريق البحر الأحمر مرورا بقناة السويس. ويمكن القول إن قرار ترامب بمواجهة الحوثيين بهذه الوتيرة التدميرية يرجع إلى أسباب مختلفة وليست حصرية بدافع واحد، بل ترسل تلك الضربات والاستعراض القوى من ترامب فى اليمن بعدة رسائل لعدة أطراف. أهم هذه الأطراف فيبدو أنها إيران، هذه القوى النووية المُتمردة ظاهريًا، فربما أراد ترامب أن تفهم طهران أنه لا تسامح أو صبر مع استخدامها وكلائها الإقليميين لتحقيق مصالح لها، وأنه لا سقف لديه أو خيارات محظورة فى التعامل مع ذلك. وأنه كما أمر بقتل قائدها العسكري البارز قاسم سليماني فى يناير 2020، فلا مانع لديه فى التصعيد مرة أخرى أمامها. ◄ اقرأ أيضًا | الحوثيون تعلن استمرارها في منع الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر ◄ سياسات التمرد فبسبب الارتباط الوجودي بين جماعة الحوثيين المتمردة في اليمن من ناحية وإيران من ناحية أخرى، لا يمكن التسليم بأن سياسات هذه الجماعات خالية من البصمة الإيرانية. كما لا يمكن القطع بالأهداف المعلنة أو الأسباب التي تقدم من جانبهم لتبرير أي قرار لهم. فالجماعة ربطت بين حملتها الهجومية في البحر الأحمر وبين حرب غزة. وبعد هدنة غزة، قررت الحركة قبل أيام العودة مرة أخرى لحملتها الهجومية، بسبب غلق المعابر وعدم دخول المساعدات إلى قطاع غزة، لكن هذه الجماعة التي هي نفسها احتلت صنعاء من قبل مغتصبة الحكم في اليمن، لا يمكن التسليم بوجود أهداف نبيلة لها خالية من أي إملاءات إقليمية. ومع ذلك تبرأت طهران على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني بها حسين سلامي، الذي قال، إن جماعة الحوثي «حركة ممثلة للشعب اليمني»، مشيرًا إلى أنها «تتخذ قراراتها الاستراتيجية بنفسها» ولا تملى عليها قراراتها. وبذلك، فإنه من الناحية العملية، تقول إيران إن ما تفعله الجماعة ليس نابعا إلا منها ولا دخل لإيران فيه، وهذا الموقف الذي أمكن رؤيته من قبل عن تخلي إيران ظاهريا عن حلفائها الإقليميين يثير أسئلة تتعلق بمستقبل تحالفات إيران الإقليمية وما إذا كانت ستظل تحتفظ بولاءاتهم. ◄ الصورة الأوسع أما الصورة الأوسع، لما حدث، فهي في محاولة أمريكا عزل إيران عن مصادر قوتها الإقليمية وإرسال رسالة إليهم بأنهم لا ينبغي لهم الاعتماد مجددًا على الدعم الإيراني المنقطع النظير.. فقد يأتي إليهم لو كانوا يواجهون قوى من المنطقة، لكن عندما يتعلق الأمر بأمريكا أو حليفتها إسرائيل، فلن تقف طهران إلى جانبهم. هذا العزل الذي تباشره واشنطن بحق إيران قد زادت وطأته أيضًا العلاقات التي تتحسن تدريجيًا بين أمريكاوروسيا.. فعلاقات الجانبين تعزل إيران أكثر وأكثر، وكانت روسيا هي محل ارتكاز واستناد إيران بشكل أساسي حين جرت جولاتها المقتضبة من التصعيد ضد إسرائيل العام الماضي، واستخدمت فيها طهران أسلحة روسية متقدمة مما أوعز بالدعم الروسي الشديد لها في مواجهة أمريكا التي تدعم بشدة أوكرانيا مثلًا ضد روسيا، لكن العلاقات التي تتحسن الآن بين موسكووواشنطن واتجاه حرب أوكرانيا للحل يخلق واقعًا استراتيجيًا آخر لإيران، ويدفعها لتقديم تنازلات في أي اتفاق نووي يعتزم ترامب إبرامه.