في قلب القاهرة القديمة، حيث تتقاطع الحارات الضيقة برائحة التاريخ، كان سوق النحاسين ينبض بالحياة. بين عامي 1870 و1900، التقطت عدسات المصورين مشاهد مدهشة لأحد أهم الأسواق المتخصصة في صناعة وبيع النحاس، التي تعد من أعرق الحرف المصرية. في هذا السوق، كان الحرفيون المهرة ينقشون الأواني ويشكلون التحف، وسط أجواء تعكس تراثًا ممتدًا عبر العصور. ◄ الموقع والتاريخ يعود سوق النحاسين إلى العصور الإسلامية المزدهرة، حيث اشتهرت القاهرة كمركز لصناعة النحاس، التي كانت مزدهرة منذ العصر الفاطمي والمملوكي. كان السوق يقع في حي الجمالية، متاخمًا للأسواق التقليدية الكبرى مثل خان الخليلي وسوق السلاح، مما جعله وجهة أساسية للتجار والزبائن الباحثين عن أوانٍ وأدوات نحاسية متميزة. ◄ صناعة النحاس في القرن ال19 في الفترة بين 1870 و1900، كانت صناعة النحاس تعتمد على مهارة الحرفيين الذين كانوا يطرقون النحاس بأدوات يدوية، ويزخرفونه بالنقوش العربية والزخارف الإسلامية. كانت المنتجات تشمل الأواني المنزلية، والأباريق، والمباخر، والمشربيات النحاسية التي كانت تُستخدم في المساجد والقصور. كما كان النحاس مكونًا أساسيًا في المشغولات التي تُصدّر إلى أنحاء العالم الإسلامي. اقرأ أيضا| الفن والتجارة يجتمعان في سوق النحاسين بدمشق ◄ مشهد السوق تعكس الصور الملتقطة للسوق خلال هذه الفترة حيوية المكان، حيث تصطف المحال الصغيرة، وتنتشر الورش المفتوحة على جانبي الطريق، ويتحلق الحرفيون حول المواقد، منهمكون في تشكيل النحاس المنصهر، بينما يعرض التجار بضائعهم بفخر. يظهر في الخلفية المارة بملابسهم التقليدية، وجِمال تحمل البضائع، في مشهد نابض بالحياة. ◄ ارتباط السوق بالعمارة الإسلامية كان سوق النحاسين متاخمًا لعدد من المعالم الإسلامية مثل مسجد السلطان الغوري، مما أضفى عليه طابعًا روحانيًا وثقافيًا. لم يكن السوق مجرد مكان للبيع والشراء، بل كان مركزًا للتبادل الثقافي بين المصريين والتجار القادمين من مختلف البلدان. ◄ تراجع السوق وبقاء الأثر مع دخول القرن العشرين، بدأت الصناعة اليدوية تواجه تحديات أمام المصانع الحديثة، مما أدى إلى تراجع عدد الحرفيين. ورغم ذلك، لا يزال بعض ورش النحاسين في القاهرة القديمة تحافظ على هذا التراث العريق، ويظل السوق جزءًا من الهوية التاريخية للقاهرة. بينما نطالع الصور التي التُقطت بين 1870 و1900، نرى انعكاسًا لعصر ازدهار الحرف التقليدية في مصر. سوق النحاسين ليس مجرد ماضٍ، بل هو شهادة حية على الإبداع الذي تركه الحرفيون القدماء، والذي لا يزال أثره ممتدًا حتى اليوم.