لم يكن القتال فى الإسلام أو المعارك التى خاضها المسلمون يومًا من الأيام بهدف الاعتداء على الغير، بل كان لرد العدوان الذى يتعرض له المسلمون، من خلال هذا الباب وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك نقدم لك عزيزى القارئ معركة فى ذاكرة التاريخ الإسلامى خاضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم وعن أرضهم. تعد معركة «أقليش» واحدة من معارك الإسلام الكبرى فى بلاد الأندلس التى حدثت فى 16 من شوال عام 501ه الموافق 29 مايو1108م، ولكنها لم تنل نفس شهرة «الزلاقة أو الأرك»، وإن كانت لا تقل عنهما أهمية، كان خبر مرض الأمير «يوسف بن تاشفين» حاكم دولة المرابطين ببلاد الأندلس وقرب وفاته شجع الإسبان الصليبيين وملكهم «الفونسو» السادس على استئناف غاراتهم المخربة ضد أراضى المسلمين انتقاما من هزيمتهم الثقيلة فى «الزلاقة» قبل عشرين سنة، فهاجم الإسبان إشبيلية، وعاثوا فيها فساداً، واستولوا على كثير من الأسرى والغنائم. اقر أ أيضًا | الدكتور إبراهيم البرزنجي «2-2»: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة إيجابية في دعم الفتوى لكن بضوابط يقول الدكتور صلاح عبد المولى الشورى، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: بعد وفاة الأمير «يوسف بن تاشفين» سنة 500ه/1107م تولى ابنه الأمير «على بن يوسف» والذى قرر رد الاعتداء الذى قام به الإسبان، فأصدر أوامره بإعداد جيش ضخم وأسند قيادته لأخيه «تميم»، وتم تحديد الهدف الذى سيهاجمه المسلمون وهو مدينة «أقليش» الحصينة، وهى من أمنع معاقل الإسبان فى شمال جبال «طليطلة»، وقد أنشأها فى الأصل المسلمون، واستولى عليها الإسبان عندما سقطت طليطلة فى صفر سنة 478ه، تحركت الجيوش المسلمة فى أواخر رمضان سنة 501ه/1108م، وتوجهت إلى «أقليش» لفتحها، وفى نفس الوقت عندما اقتربت هذه الجيوش من المدينة أرسلت حامياتها الإسبانية برسالة استغاثة «لألفونسو» السادس لنجدتهم، فجهز حملة قوية لقتال المسلمين بقيادة أشهر قادة البرهانس وأرسل معه ولده الوحيد وولى عهده «سانشو» وكان صبياً فى الحادية عشرة من عمره وأرسل معه سبعة كونتات من أشراف قشتالة لحمايته ومشورته، وصلت القوات المسلمة أولاً قبل الإسبانية إلى «أقليش» وهاجمتها حتى فتحتها وذلك عام 501ه/1108م، وكان فى المدينة الكثير من المسلمين، وكان يطلق عليهم المدجنون، فلما فتحها المسلمون انضم كثير منهم للمعسكر الإسلامي، ولم تمر سوى ساعات قلائل حتى وصل جيش «ألفونسو» الإسبانى وكان تعداده أضعاف الجيش الإسلامي، اصطدم الجيشان فى قتال بالغ العنف حتى اختلفت أعناق الخيول، وصبر كل فريق صبرا شديدا، ولم تظهر بوادر النصر لأى منهما حتى وقعت حادثة غيرت مجرى القتال. وهى أن الصبى «سانشو» انفلت من خيمته ونزل أرض القتال، ووقع وسط ثلة من فرسان المسلمين فقتلوه، وحاول بعض الكونتات إنقاذه فقتلوا معه، فدب الهرج فى صفوف الإسبان، وانهارت عزائمهم، فكثر القتل فيهم، وحاول الكونتات السبعة الفرار فلحق بهم جماعة من المدجنين وقتلوهم جميعاً، وتمت الهزيمة الساحقة للإسبان، ووقع خبر الهزيمة وموت ابنه على «الفونسو» مثل الصاعقة، ولم يحتمل الصدمة فتوفى بالهم والغم والحزن الذى أصابه.