«مولودة بالقاهرة.. والدتها مصرية ووالدها إندونيسي، هكذا جمعت البروفيسور د. أماني لوبيس عضو مجلس العلماء الإندونيسي، ورئيسة جامعة شريف هداية الله الإسلامية السابقة في جاكرتا بين محبتها لمصر وإندونيسيا.. مصر التي تلقت فيها أيضًا تعليمها الإعدادى والثانوي، وحصلت على الليسانس في اللغات والترجمة من كلية الدراسات الإنسانية للبنات بجامعة الأزهر، وكانت الأولى على دفعتها، ثم استكملت دراستها العليا في كلية الشريعة والقانون بجامعتها التي تدرجت فى مناصبها وصولًا لرئاستها من 2019 وحتى 2023». ◄ القيم الإنسانية مهمة في التعايش العالمي تجمع لغتها أيضًا بين العربية الرصينة والعامية المصرية المُحببة للقلوب، رغم تخرجها في قسم اللغة الإنجليزية، تدرس السياسة الشرعية فى جامعتها وفى جامعة الدفاع وجامعة إندونيسيا والعديد من الجامعات فى بلدها.. تنطق عباراتها بحب الأزهر ومصر وتتحدث سيرتها تأكيدًا لتشربها منهج قلعة الوسطية فى حب الأوطان وبذل الجهد فى ضمان استقراره وتقدمه، والتآلف بين أبنائه، والتعارف بين البشر بصفة عامة. تتحدث الدكتورة أمانى عن أوضاع المسلمين فى إندونيسيا قائلةً:» نسبة المسلمين 87% فى إندونيسيا أكثر من 250 مليون نسمة من المسلمين والباقى من الديانات الأخرى البوذية والهندوكية والكاثوليكية والبروتستانتية والكونفوشيوسية، فهناك 6 ديانات معترف بها وفقًا للدستور الإندونيسي لعام 1945، والحياة السلمية موجودة فى كل أنحاء البلاد، وتجمع بين معتنقى الديانات تحت رعاية الحكومة، ومظلة وزارة الشئون الدينية، وهناك هيئة وطنية للتآلف بين معتنقى الديانات، تعقد اجتماعات دورية لمناقشة أية إشكاليات وحلها فورًا بالحوار والآليات السلمية. وتشير إلى دخول الإسلام إلى إندونيسيا منذ فترة مبكرة، عن طريق التجار عبر البحر، وربما منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان عن طريق التجار الإندونيسيين، وانتشر الإسلام فى إندونيسيا تدريجيًا حسب وصول التجار إلى الجزر الموجودة، وهناك معلومة مفيدة جدًا تقول بأنه منذ عصر الخليفة عثمان بن عفان، كانت هناك مراسلات سياسية بين الملوك والسلاطين فى إندونيسيا والخليفة عثمان بن عفان، فالعلاقة موجودة وقائمة عبر التجار منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه طبعًا معلومة غير موجودة فى الكتب التاريخية العربية؛ ولكن نحن فى إندونيسيا جمعنا كثيرًا من المعلومات من الصين ومن الهند ومن داخل إندونيسيا نفسها، والتي تشير إلى علاقة قديمة وطيدة جدًا تجاريًا وسياسيًا مع شبه الجزيرة العربية أو الحجاز. وتتحدث عن علاقة إندونيسيا بالأزهر موضحة أنها قديمة؛ لأن الأزهر منارة للدراسات للعلوم الإسلامية، ومعروف جدًا وكل مَن يذهب من إندونيسيا لطلب العلم يتوجه إلى مكة والمدينة ثم الأزهر، ولكن الأزهر له منهجية معروفة خاصة تناسب الإندونيسيين «وسطية وتسامح وانفتاح»، فلذلك الأزهر قريب جدًا من الشعب الإندونيسي خاصة الفئات المتعلمة والعلماء. ◄ أول شيخة إندونيسية تفتخر الدكتورة أمانى بأنها أول إندونيسية حملت لقب شيخة من الأزهر وهى الشيخة رحمة اليونسية، موضحةً أنها كانت شيخة مجاهدة تدير معهدًا لتعليم البنات، وكانت مناضلة حملت السلاح ضد الهولنديين واليابانيين، وحصلت على لقبها من الشيخ محمود شلتوت فى الأزهر أوائل الستينيات أعطاها اللقب؛ لهذا ولأنها كانت تدرب الطالبات تربية عسكرية، ولها دور كبير فى ترسيخ التربية الإسلامية بإندونيسيا خاصة فى غرب سومطرة، ومنذ هذا الوقت الكثير من الإندونيسيين والإندونيسيات يذهبون للدراسة فى الأزهر والتفقه فى الدين ويعودون لنشر العلم. وعن مكانة الأزهريين فى المجتمع الإندونيسى تؤكد أنها مكانة خاصة فى جميع أنحاء البلاد، وخريجو الأزهر معروف أنهم يتولون المناصب ولهم احترام وتقدير كبير من أبناء الشعب، يصبحون علماء ومفتين وأصحاب معاهد دينية، فالأزهر دوره كبير والحمد لله، ويحضر الإندونيسيون مؤتمرات وحوارات فى الأزهر، والأزهر منهجه ناجح فى نشر مبادئ الحكمة والتعاون والتسامح بين الأديان والحوار مع الآخر واحترام الثقافات المختلفة، وهو قدوة فى نشر التعاون والتسامح، ودائمًا نذكر بالخير مولانا الإمام الاكبر د.أحمد الطيب على جهوده الكثيرة الكبيرة ليس فقط فى الأزهر وفى مصر ولكن فى جميع أنحاء العالم خاصة إعلان الإخوة الإنسانية بأبو ظبى 2019، وقد شهدت توقيع هذا الإعلان وأخذته معى إلى إندونيسيا بجميع اللغات؛ لنشر التسامح والمحبة والإخوة. والدول العربية والإسلامية مُستهدفة مثل فلسطين، وهناك مشاكل تعانى منها دول إسلامية، ومسلمون في العديد من الدول لديهم إشكاليات، ويلعب خريجو الأزهر دورًا كبيرًا ولهم مهمة بارزة فى التهدئة والتعايش. ◄ دار الميثاق وعن كيفية إرساء السلم والسلام وتعزيز قيم الحكمة والتسامح والتعايش بين أفراد المجتمع، تقول: «أشيد، بكلمة مهمة جدًا هى المواطنة، فمن الحكمة ومن مقاصد الشريعة أن المواطنة لابد أن تُحترم، والتي تعنى أن كل مواطن له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، والكل يتشاركون فى البناء والتنمية والدفاع عن الوطن الذى يعيشون فيه، وفكرة وجود دار الإسلام ودار الحرب فكرة قديمة وكانت تناسب عصرها، ولابد أن نطورها وهو ما حدث بالفعل فى إندونيسيا بإقامة دولة تحت مُسمى «دار الميثاق»، فلدينا مصطلح دار الميثاق ميثاق يعنى العهود حسب الدستور، فنحن نعيش بهذه الفكرة والحمد لله الذى يجمع كل المواطنين تحت لواء المواطنة، وكل إنسان يُحترم، فى ظل الدستور الموجود، وهى فكرة مهمة جدًا يجب تعميمها فى مختلف المجتمعات والبلاد الإسلامية». ◄ اقرأ أيضًا | «اسرع من البرق».. صلاة تراويح في 10 دقائق بإندونيسيا تثير الجدل ◄ ميجاواتي سوكارنو دور المرأة مهم جدًا، والمرأة فى إندونيسيا حصلت على مكانتها ولها حريتها فى التعبير عن نفسها، وفى تعزيز مكانتها فى المجتمع.. تقول: «وكانت لدينا رئيسة جمهورية هى ميجاواتى سوكارنو بوترى لمدة خمس سنوات ترأس إندونيسيا وقبلها خمس سنوات أخرى نائبة لرئيس الجمهورية، فالمرأة فى مجتمعنا نشطة جدًا وأريد أن أؤكد أن كل امرأة فى إندونيسيا تنتمى إلى جمعية دينية معينة أو جمعية أهلية أو مؤسسة أومجتمع مدنى معين، لابد من أن كل مواطنة إندونيسية تنتمى لجمعية معينة بغض النظر عن الديانات، فى هيكل المواطنة الإندونيسى أن يكون مدرجًا فى إطار مؤسسي، ودائمًا تُنظم برامج مفيدة للمجتمع أو برامج دينية، والكل هدفه خدمة المجتمع والوطن وفكرة السلم مقابل الخلاف، ومواجهة الغزو الثقافى الغربي، ولذلك المرأة لديها دور كبير فى التنمية الاجتماعية وفى المحافظة على الأسرة وعلى الثقافات الموجودة، وهناك مشاكل لا تزال تواجه المرأة اقتصاديًا منها: ضعف المشاركة السياسية، ولكن مع تطور الوعى وارتفاع مستوى التعليم، تأخذ المرأة حقها ومكانتها. وتؤكد ضرورة مواكبة الخطاب الإفتائى للعصر ومواجهة الإلحاد والتشدد؛ لأن الفتوى تشكل شخصية المجتمع الوسطى المسلم المسالم، ولذلك تطويرها خاصة فى مجال العقيدة ومواجهة الإلحاد مهم؛ لأنه مع التطور التكنولوجى قد يحتار الشباب والناس فى كيفية التعامل مع المتغيرات، ولذلك لابد أن تواكب الفتاوى متطلبات الزمن ولابد من إصدارها بدقة لمواجهة التحديات، فهى تعطى إطارًا شرعيًا للتفكير فى قضايا العصر: «كونى في مجلس العلماء لشئون المرأة فى إندونيسيا أتعامل كثيرًا مع قضايا المرأة وتطوير الفتاوى التى تفيد المرأة والشباب والطفل، ولذلك نرى أن الفتوى لابد أن تقدم الرأي السديد وأن تنهى القلق والتساؤلات وهى وسيلة أيضًا للتخفيف من معاناة الناس، ويجب أن تريح أذهانهم وتساهم فى الاستقرار، ودائمًا نحن نرى أن الآيات القرآنية والسنة النبوية يجب أن تُعرض بمنظور عصري، ودائمًا نؤكد أن تعاليم الإسلام صالحة لكل زمان ومكان والحمد لله». وترى أن التأكيد على القيم الإنسانية المشتركة فى كل زمان وفى كل مكان، مهم لمواجهة «الخوف من الإسلام»، فبصرف النظر عن الديانات نجد أن القيم المشتركة بين الأديان موجودة وهى كثيرة جدًا مثل: التعاون والرحمة والتعايش وهى قيم عالمية، والمجتمع الإنسانى كله له مشتركات للتعايش والتعاون والتسامح، فلذلك أريد أن أشير إلى أننا يوم 15 مارس من كل عام نحتفل باليوم العالمى لمواجهة الإسلاموفوبيا .. ونعتبر هذا اليوم احتفاءً بالسلام العالمى والتعايش السلمى واحترام النفس الإنسانية وحقها فى الأمن والحياة طبقًا لقوله تعالى: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، واحترام النفس الإنسانية مهم جدًا وهو أصل فى مواجهة الإسلاموفوبيا، وبعد ذلك تحترم العادات والثقافات المختلفة حتى يكون بمقدورنا أن نعيش معًا.