تستعد ألمانيا اليوم لإجراء الانتخابات الفيدرالية لانتخاب أعضاء البوندستاج الحادى والعشرين، ربما فى أسوأ وقت ممكن، مع وصول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وحالة عدم الاستقرار فى الدول الأوروبية الأخرى، فى ظل مناخ سياسى متوتر يركز بشكل أساسى على قضايا الهجرة وصعود أحزاب اليمين المتطرف. يأتى الاستحقاق الانتخابى بعد انهيار الائتلاف الحاكم، الذى كان يضم الحزب الاشتراكى الديمقراطى (SPD) بزعامة المستشار أولاف شولتس، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطى الحر (FDP)، فى نوفمبر الماضى، مما يجعلها لحظة حاسمة فى تاريخ البلاد، حيث يمكن أن تحدد مستقبل السياسات الداخلية والخارجية لألمانيا فى السنوات القادمة. اقرأ أيضًا | من الرياض إلى القاهرة خريطة طريق عربية ضد التهجير أجواء عدم الثقة تسيطر على المشهد السياسى، الولاءات الحزبية التقليدية لم تنهر تمامًا، ولكنها تتضاءل تدريجيًا، وحل محلها جزئيا ارتباطات حزبية جديدة مما أدى إلى نظام حزبى أكثر تفككا مقارنة بفترة السبعينيات، بل وحتى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى. منذ انتخابات2021، شهدت ألمانيا تحولات سياسية كبيرة، أبرزها تراجع شعبية الحزب الاشتراكى الديمقراطى (SPD) بزعامة المستشار أولاف شولتس، وصعود الاتحاد الديمقراطى المسيحى (CDU) بقيادة فريدريش ميرتس، بالإضافة إلى تنامى نفوذ حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليمينى المتطرف. هذه التحولات تعكس عدم رضا الناخبين عن أداء الحكومة، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية وسياسات الهجرة. ونتوقف عند أبرز الأحزاب المتنافسة وهى: الاتحاد الديمقراطى المسيحى/الاتحاد الاجتماعى المسيحى (CDU/CSU) . والحزب الاشتراكى الديمقراطى (SPD). وحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD): يشهد الحزب اليمينى المتطرف صعودًا ملحوظًا، مع توقعات بحصوله على حوالى 20% من الأصوات. يركز برنامجه على معارضة سياسات الهجرة الحالية.وحزب الخضر (Die Grünen). نظرًا للنظام الانتخابى النسبى فى ألمانيا، من غير المحتمل أن يحصل حزب واحد على الأغلبية المطلقة. لذلك، ستكون التحالفات ضرورية لتشكيل الحكومة المقبلة، ويظهر فى الأفق عدد من السيناريوهات الائتلافية المحتملة، وعلى غرار ما يحدث فى كثير من الديمقراطيات البرلمانية، يلعب التوافق بين الأحزاب دورًا محوريًا فى تشكيل الحكومات فى ألمانيا. وفيما يلى أبرز الائتلافات المطروحة: ائتلاف محافظ- ليبرالى (أسود-أصفر): إذا جاءت نتائج الانتخابات كما تُظهر معظم الاستطلاعات الحالية، فقد تكون الكتلة المحافظة المكونة من «الاتحاد المسيحى» (CDU/CSU) فى صدارة الترتيب، وإن كان بفارق ليس شاسعا عن منافسيها. الائتلاف الكبير المحافظ- اليسارى الوسط (أسود-أحمر): هذا الائتلاف التقليدى بين «الاتحاد المسيحى» (CDU-CSU) والحزب «الاشتراكى الديمقراطى» (SPD)، الذى حكم ألمانيا فى عدة دورات زمنية خلال عقود سابقة، يبدو خيارًا من المحتمل التفكير فيه مجددا، خصوصا إذا فشل التحالف «الأسود- الأصفر» فى بلوغ الأغلبية. لكنه قد يواجه صعوبات بسبب الخلافات الأيديولوجية. الائتلاف المحافظ- البيئى اليسارى (أسود- أخضر): تتباين الآراء حول جدوى الائتلاف بين «الاتحاد المسيحى» و»حزب الخضر». ففى حين يدافع بعض قادة «الاتحاد المسيحى» (فرع CDU) عن «نجاح تجربة التعاون» مع «حزب الخضر» فى ولاية شليسفيج-هولشتاين أقصى شمال ألمانيا على بحر البلطيق، يرى قادة آخرون (فرع CSU فى ولاية بافاريا) أن هذا التحالف غير ممكن. ويخشى هؤلاء من أن يفرط حزب الخضر فى فرض أجندته البيئية والليبرالية الاجتماعية على حكومة محافظة، لكن هذا الخيار لا يزال قائما لو حصل «الاتحاد المسيحى» و«حزب الخضر» على أغلبية مشتركة. تحالفات بديلة تشمل أحزابًا أخرى: «البديل من أجل ألمانيا»: على الرغم من صعود حزب (AfD)، فإنه يظل منبوذا من جانب الأحزاب التقليدية، بسبب مواقفه اليمينية المتشددة والمعادية للهجرة والمشككة فى الاتحاد الأوروبى، لذا يستبعد سيناريو تحالف رسمى معه فى الوقت الراهن. «تحالف سارة فاجنكيشت»: يمثل هذا التحالف حالة فريدة، إذ يتبنى خطابًا شعبويًا يمزج بين نقد النخب الاقتصادية والسياسية من جهة، وبين خطاب محافظ حيال الهجرة من جهة أخرى. ومع ذلك، فإن حداثته السياسية وعدم وضوح برنامجه فى بعض القضايا يضعفان فرص دخوله فى ائتلاف موسع، خاصة مع رفض معظم الأطراف التقليدية هذا الخيار. وسط هذه الأوضاع السياسية، يترقب العالم ما ستؤول إليه الأمور فى برلين، فاستقرار ألمانيا مهم لبقية دول أوروبا، وأى اهتزاز فى الداخل الألمانى سينعكس على مستويات أوسع، من سوق المال الأوروبى إلى سياسة اللجوء، وصولا إلى قضايا الدفاع المشترك فى وجه التحديات العالمية. ويبقى السؤال، هل تستطيع الطبقة السياسية الجديدة إقناع الناخبين بأنها قادرة على إصلاح الاقتصاد وتعزيز الديمقراطية وصون مستقبل البلاد دون التفريط بقيم الانفتاح والاندماج والتضامن الأوروبى؟ أم سنشهد تحولات جذرية تُعيد رسم ملامح المشهد على نحو لم تعتده برلين منذ نهاية الحرب الباردة؟