كثيرًا ما نسمع عن أهمية برّ الوالدين، برّ الأصدقاء، برّ الشريك، لكن نادرًا ما نسمع عن برّ النفس. كأن الجميع يستحق الرعاية والاهتمام إلا أنت! كأن العطاء يجب أن يكون طريقًا بلا عودة، تأخذ فيه كل الأدوار دون أن تتوقف لحظة لتسأل نفسك: وماذا عني؟ الحقيقة التي قد تكتشفها متأخرًا أن أحقيتك في احترام ذاتك، في وضع حدودك، في أن ترفض ما لا يناسبك، هي أساس أي علاقة صحية، وهي المقياس الحقيقي لعلاقتك المتزنة مع الحياة. عزيزي عزيزتى ليس مطلوبًا منك أن تبرر للآخرين لماذا ترفض أمرًا لا يتماشى مع قناعاتك أو يستهلك طاقتك، وليس عليك تقديم قائمة من المبررات كلما أردت أن تحتفظ بمساحتك الشخصية. الحياة ليست اختبارًا مستمرًا لإثبات أنك شخص جيد عبر التنازل المستمر. أن تكون إنسانًا متعاونًا لا يعني أن تجعل نفسك مُستباحًا، أن تمد يد العون لا يعني أن تتحول إلى خشبة إنقاذ يحملها الجميع وقت الحاجة ثم يُلقونها على الشاطئ بعد انتهاء العاصفة. نحن أحيانًا نقع في فخ العطاء المفرط، نظن أن الحب يُقاس بمقدار ما نتنازل عنه، وأن الإخلاص يُختبر بمدى تحملنا لما لا يُطاق. لكن ما الفائدة من تقديم كل شيء للآخرين بينما نشعر داخليًا بالإرهاق والخذلان؟ العطاء الحقيقي لا يأتي من شخص مُنهك، والمساعدة لا تكون ذات قيمة إن كانت على حساب كرامتك وراحتك النفسية. أن تضع حدودًا لا يعني أنك قاسٍ، بل أنك شخص يعرف قيمته، ويدرك أن الاحترام يبدأ من الداخل. اللين صفة عظيمة، لكنها لا تعني الضعف، تمامًا كما أن التعامل بطيبة لا يعني أن تكون تابعًا. من الجميل أن تراعي مشاعر الآخرين، لكن ليس على حساب كرامتك. أن تفعل للناس خاطرًا لا يعني أن تكون ذليلًا. هناك خيط رفيع بين أن تكون متعاونًا، وبين أن تكون ممسوحًا، بين أن تكون شخصًا لطيفًا، وبين أن تكون متاحًا دائمًا للجميع لدرجة أنك تنسى نفسك في الطريق. لا تترك الآخرين يرسمون لك حدودك، لأنهم في الغالب سيجعلونها ضيقة جدًا، بالكاد تتسع لك! عزيزي عزيزتى الوعي بحقوقك وواجباتك هو مفتاح الحياة النفسية المتزنة. عندما تفهم حقوقك، لن تشعر بالحاجة لتبرير كل قرار تتخذه، وعندما تدرك واجباتك، ستقوم بها وأنت ممتلئ بالرضا، لا بالاستنزاف والإرهاق. لا يمكنك أن تقدم الخير للآخرين وأنت نفسك في حالة استنزاف. لا يمكنك أن تكون سندًا للناس وأنت تشعر أنك على وشك الانهيار. التوازن هو السر، أن تعطي وأنت ممتلئ، أن تساعد وأنت مرتاح، أن تكون رحيمًا مع الآخرين دون أن تقسو على نفسك في المقابل. عزيزي عزيزتى في النهاية، لا أحد مسؤول عن سعادتك وراحتك النفسية إلا أنت. لن يأتي أحد ليضع لك الحدود التي تحميك، ولن يمنحك الآخرون مساحتك إن لم تطالب بها. برّ نفسك أولًا، ليس أنانية، بل وعي. احترم ذاتك، ضع حدودك، وامنح نفسك الحق في أن تكون كما أنت، لأنك تستحق ذلك.