في خطوة استباقية تُهدد كل مفاهيم العدالة الدولية، عاقب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، الذين يساعدون فى تحقيقات المحكمة بشأن مواطنين أمريكيين أو حلفاء الولاياتالمتحدة، مبررَا زعمه أن أفعالها «تشكل سابقة خطيرة، وتعرض بشكل مباشر الموظفين الأمريكيين الحاليين والسابقين للخطر» وتهديدًا غير عادى للأمن القومى، الأمر الذى يطرح العديد من الأسئلة حول قانونية هذا الإجراء، وهل يجوز للدول فرض عقوبات على المحكمة؟! وإلى أى مدى ستقوض هذه الخطوة استقلالية العمل القضائى الدولى؟! رغم أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لا تتمتعان بعضوية المحكمة الجنائية الدولية، الهيئة الدائمة التى تضم حالياً 124 دولة عضواً والمكلفة بمقاضاة ومحاكمة أفراد متهمين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، إلا أن كثيراً ما انتقد ترامب الجنائية الدولية، واتخذ عدة خطوات موقوفة لمعاقبتها خلال فترة ولايته الأولى فى منصبه رغم أنه وفقا للقانون الدولى، لا يجوز فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية، فالمحاكم لا تتعرض لعقوبات، وما تفعله الإدارة الأمريكية إنما هو تدخل فى شئون العدالة، وقانون الجنائية الدولية يعطيها الحق وفقا لمذكرة الاعتقال المقدمة إليها فى إصدار أمر بالقبض على الرئيس ترامب نفسه، وإلغاء كل القرارات التى أصدرها، كما تستطيع إلغاءها 130 دولة موقعة على اتفاقية روما، لأن فرض عقوبات على المحكمة يهين الديمقراطية الأمريكية، وتأتى ضد مهمة المحكمة فى صون العدالة، لأن هناك تعمدا فى تكرار هذه القرارات مع بنما وكندا وبلجيكا، لكن هذه المرة عندما تصدر المحكمة أمرا بتوقيف ترامب مثلما صدر فى حق نتنياهو فهو مجرم حرب فى نظر العالم، وبالتالى سيكون ترامب كذلك فلا أحد يمكنه أن يتدخل فى أمور العدالة، فالعدالة محمية، إنما الأمر يتوقف على تطبيق القانون عندما أصدرت محكمة العدل الدولية أمرين بالتدابير المؤقتة، اعتقد العالم أن إسرائيل هى التى امتنعت عن تنفيذها، بل كان يتعين أن تتدخل الدول الأعضاء فى اتفاقية منع الإبادة الجماعية فى منع إسرائيل من الاستمرار فى جرائمها. ■ المستشارحسن احمد عمر ◄ المستشار حسن أحمد: الأفضل اللجوء إلى «الاتحاد من أجل السلام» ◄ القضية الفلسطينية المستشار حسن أحمد عمر، رئيس محكمة الاستئناف الأسبق، خبير القانون الدولى، يتساءل لماذا اللجوء إلى مجلس الأمن الذى تستخدم فيه أمريكا حق الفيتو باعتبارها حليفة لإسرائيل ليفرض الموقف فوز قانون القوة؟! لدينا الجمعية العامة للاتحاد من أجل السلام المنعقدة منذ 1997 حتى اليوم، ومختصة بالقضية الفلسطينية، هذه الجمعية تقوم محل مجلس الأمن فى اتخاذ التوصيات بدون فيتو، فأذكر الجميع أن فى 56 كان العدوان الثلاثى على مصر من انجلترا وفرنسا وإسرائيل، وكانوا من الدول العظمي فى مجلس الأمن الذى اختص بنظر الدعوى، كانت الجمعية العامة للاتحاد من أجل السلام، وهى التى أصدرت أمرا بانسحاب القوات، فما حدث كان من الممكن أن يحدث فى 2024، لذلك الإشكالية أننا كعرب لم نلجأ إلى القانون حتى نعالج مثل هذه الأمور، فاليوم أستطيع أن أجبر ترامب على التراجع عما طرحه الآن من خلال ذهاب جامعة الدول العربية إلى الاتحاد من أجل السلام لإصدار أمر بتعديل مكانة إسرائيل فى الأممالمتحدة من دولة عضو إلى مراقب، مما يجبر ترامب نفسه بالعدول عن قراراته حتى إلغاء هذه القرارات، لأن إسرائيل عندما قُبلت عضوا فى الأممالمتحدة كان بموجب ثلاثة شروط متمثلة فى أن تنفذ توصية التقسيم 181 لسنة 47 وأن تنفذ قرار عودة اللاجئين 194 لسنة 48، وأنها تنفذ وتحترم الوضع الخاص بمدينة القدس وتحترم ميثاق الأممالمتحدة إلا أن إسرائيل منذ 1949 وحتى اليوم لم تحترم أو تنفذ أى شرط. ■ المستشار كمال يونس ◄ المستشار كمال يونس: تصرفاته إعلان حرب على القانون الدولي ◄ إعلان حرب المستشار كمال يونس، المحامي بالنقض، يرى أن كل ما يصرح به ترامب مخالفة صريحة وإعلان حرب على مبادئ القانون الدولى من خلال إرهاب القضاة أو من يتعاملون مع القضاء الدولى، وهى المحكمة الجنائية الدولية ونوع من الضغط على كل من يفكر أن يقف ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها فى العالم، التى تشكل جرائم تدخل فى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وبالتالى إذا ما قررنا أن نخالف القانون الدولى وتفعل كل دولة ما تشاء فى الدول الأخرى، فهذا الأمر لابد أن يكون له وقفة دولية جدية لمنع هذه الظاهرة من عملية التوسع فى انتشارها دوليا، حيث تمثل هذه القرارات تهديدا مباشرا وتدخلا فى سير العدالة الدولية وإعاقة إجراءات التحقيق فى جرائم الحرب. وحق الشعوب فى تقرير مصيرها والتهجير القسرى، لأن أمريكا تطبق من القانون الدولى ما ينطبق مع مصالحها وأجندتها في المنطقة، فهذه الجرائم مخالفة لقانون جرائم الحرب لعام 1966 فى الولاياتالمتحدة نفسها الذى يحرم على أى مواطن أن يشارك أو يحرض على ارتكاب جرائم حرب كما هو معروف في اتفاقيات جنيف. ■ الدكتور أيمن رمضان الزيني ◄ د.أيمن الزيني: انتهاك جديد لمنظومة العدالة الدولية ◄ عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ويرى اللواء الدكتور أيمن رمضان الزيني، الخبير القانونى، أن الرئيس ترامب وصلت به الغطرسة لإصدار أمر تنفيذي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، عقب إصدارها مذكرتى اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع المُقال يوآف جالانت، على خلفية العملية العسكرية الإسرائيلية فى قطاع غزة وشملت هذه العقوبات إجراءات مالية وقيودا على التأشيرات طالت الأفراد المساهمين فى تحقيقات المحكمة ضد مواطنين أمريكيين أو حلفاء مثل إسرائيل. ◄ عرقلة الديمقراطيين أضاف، وتأتى هذه الخطوة بعد أن عرقل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي، جهودا يقودها جمهوريون لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية، والحقيقة أن هذا التصرف يبعث برسالة مفادها أن إسرائيل فوق القانون والمبادئ العالمية للعدالة الدولية، ويوحى بأن ترامب يؤيد جرائم الحكومة الإسرائيلية ويتبنّى الإفلات من العقاب، وهذا الأمر التنفيذى انتقامي أكثر مما هو عدائى، ويُعد خطوة وحشية تسعى إلى تقويض وتدمير ما أنشأه المجتمع الدولى بجهد دؤوب على مدى عقود.. وهو ما يعد انتهاكا جديدا لمنظومة العدالة الدولية بعد أن توجه ترامب بالإبعاد القسرى لمليون ونصف مليون فلسطيني من غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن والسعودية مما يشكل انتهاكًا للقانون الدولى، وربما جريمة حرب. وخير مثال على ذلك أن الترحيل القسرى لآلاف الأطفال الأوكرانيين من أوكرانيا كان جزءًا من لائحة الاتهام التى أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قبل عامين فقط، فخطة ترامب بشأن غزة تقوض العدالة والقانون الدولي»، وهذه الخطة ليست مجرد اقتراح «مضلل فقط»، بل تعد «إهانة مدروسة للقانون الدولى ومبادئ العدالة»، وتمثل إعادة لأنماط تاريخية من التطهير العرقى، وسيترتب عليها عواقب وخيمة تمثل أزمة إنسانية مروعة بالفعل. حيث يحظر القانون الإنساني الدولي بشكل واضح وحاسم النقل القسرى أو ترحيل السكان تحت الاحتلال، حيث تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه: «يُحظر النقل القسرى الفردى أو الجماعي، وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضى المحتلة إلى أراضى القوة المحتلة أو إلى أراضى أى دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، بغض النظر عن دوافعها»، كما أنه وفقاً لنصى المادتين السابعة والثامنة من نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، فإن النقل القسرى يشكل جريمتين، جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذا الترحيل يقوض المعايير الأساسية للقانون الدولى. كما سيؤدى الترحيل القسرى للفلسطينيين من غزة إلى تآكل إمكانية حل الدولتين. وقال إن تصريحات ترامب، وإن كانت تبدو «بعيدة المنال»، فقد أظهر التاريخ أن الأفكار التى تم رفضها ذات يوم باعتبارها غريبة يمكن أن تصبح بمرور الوقت مناقشات سياسية قابلة التطبيق. كما أن التطبيع التدريجى لخطاب التهجير القسرى يعد أمراً مثيرا للقلق، وخاصة فى ضوء التعليقات السابقة من الدائرة الداخلية لترامب، مشددا على أن أخطر ما فى هذا الأمر أن مقترحات ترامب تحمل ختم رئيس الولاياتالمتحدة، وبالتالى فمهما كانت غامضة أو غير قابلة للتنفيذ فى الوقت الحالى، فإنها توفر مظلة للتطبيع مع ما كان من غير الممكن تصوره من قبل. وفى عالم ما بعد الحقيقة الجيوسياسية الحالى، حيث تخلق الدول المتنافسة واقعها الخاص لتبرير سلوكها، ويمكنك أن تزعم أن منافسى أمريكا وأعداءها لم يعودوا يخشون القواعد الأخلاقية ولم يعودوا ينتبهون إلى أخلاق الغرب كمبدأ توجيهى وأن الغضب العالمى تجاه أمر ما كفكرة قد مات. ◄ انقسامات الداخل أضاف، وفي داخل الولاياتالمتحدة المشهد السياسي به انقسام واضح بين الجمهوريين الذين يرون خطة ترامب «حلا عمليا»، والديمقراطيين الذين يعتبرونها مدخلا لتصعيد جديد، بينما انتقدتها منظمات حقوقية، بوصفها «دفعا إلى تهجير قسري بآثار إنسانية جسيمة»، وهذه الفكرة لم تكن وليدة اللحظة، بل تعد حلقة من حلقات المسرحية الهزلية للدعم الأمريكى المطلق للكيان الإسرائيلى، والمشاركة والدعم الأمريكى المطلق للكيان في حربه على غزة معلنة. وفى عالم الجريمة الشريك كالأصيل، عليه تحمل المسئولية الجنائية بنفس الجرم وفقا لنتائجه. فالدعم اللامتناهى الذى تقدمه الإدارة الأمريكية، وصمتهم على ما يحدث من انتهاكات جسيمة وصارخة لكل قواعد القانون الدولى الإنسانى والمواثيق الدولية، ما هو إلا مشاركة فى الجرم، وبشكل علنى ومباشر. وقال إنه يكفى للتدليل على ذلك الموقف الأمريكى في مجلس الأمن الدولى، حينما صرحت مندوبة الولاياتالمتحدة فى المجلس عقب مناقشة مشروع قرار تقدمت به البرازيل، بأن رفض أمريكا لمشروع القرار الخاص بغزة، جاء بسبب عدم إشارته لحق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، إلى جانب ذلك كله، ومع التغطية الأمريكية والغربية الكاملة للجرائم الإسرائيلية، تستمر المواقف الأمريكية والأوروبية في مجلس الأمن على حالها، بهدف منع إصدار أى قرار يدين الكيان الصهيوني ويدين جرائمه وانتهاكاته سواء فى غزة أو فى الضفة، ومن هذا المنطلق فإن حالة من المد والجزر ستطفو على السطح وستستمر وستقود إلى إجهاد سياسى وعسكرى من الممكن أن يفضى لارتكاب أخطاء استراتيجية كبرى، والتورط الأمريكى يتنامى شيئا فشيئا، منذرا باحتمال تورط واسع فى وجود تيار أمريكى مشجع ورغبة إسرائيلية، يمكن أن تفتعل حوادث أمنية تساعد وتقود لذلك، فالمؤشرات على الأرض تؤكد إمكانية تورط أمريكى واسع النطاق فى الصراع، الأمر الذى تترقبه روسيا والصين على أمل تغذيته لتعميق أزمة أمريكا فى المنطقة. يوضح أن الحشود الأمريكية قد تكرر حادثة خليج تونكين بفيتنام بزعم استهداف مدمرات أمريكية من قبل فيتنام الشمالية فى عام 1964، الذى أفضى لتورط أمريكى طويل بحرب فيتنام انتهى بهزيمة، ويضاف لذلك أن تعاظم الحشود العسكرية والحراك الدبلوماسى الأمريكى الممزوج بالغطرسة؛ يرفع من حدة التوتر فى المنطقة، ومن الممكن أن يفضى إلى حرب إقليمية واسعة تقود لانحسار النفوذ الأمريكى، خاصة أن موسكو قد حذر الناطق باسم الرئاسة الروسية قد حذر من نشوب حرب إقليمية.