قبل أن تبدأ الفترة الرئاسية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان التهديد بتحويل الشرق الأوسط إلى قطعة من الجحيم في حال لم تتوقف الحرب الدائرة في قطاع غزة معبرا عما هو قادم في مقبل الأيام، ورغم عدم فاعلية التصريح الذي استقبلته المقاومة الفلسطينية في ذلك الحين بالتأكيد على أنه لا يوجد جحيم أكثر مما ترتكبه إسرائيل من جرائم فإن التوصل إلى اتفاق هدنة قبل ساعات من بدء فترته بدا معبراً عن أن هناك أبعادا أخرى تستهدف الإدارة الأمريكية تحقيقها دفعتها للضغط على إسرائيل للقبول بوقف القتال. ◄ عبدالعاطي: يتعامل بلغة تاجر يبحث عن المكسب ◄ انسحاب بنما من مشروع طريق الحرير مكسب أمريكي وفي الساعات الأولى من وصوله إلى السلطة أحدث ترامب حالة من الإرباك العالمي عبر ما يمكن وصفه بإلقاء «البالونات الملغمة» فى اتجاهات عدة، حيث تحدث عن رغبته فى استعادة قناة بنما وضم كندا كولاية أمريكية جديدة وأصدر أمرًا تنفيذيًا بطرد جميع المهاجرين غير الشرعيين ومن بينهم أعداد كبيرة من المكسيك، وقرر كذلك المطالبة بضم جزيرة جرينلاند الدنماركية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، والاستعداد لشرائها أو الاستيلاء عليها بدعوى حمايتها والدفاع عنها، ونهاية بطرحه قضية التهجير ثم السيطرة الأمريكية على قطاع غزة قبل أن يتراجع عن الأخيرة. الدكتور عمرو عبدالعاطى، الباحث المتخصص فى الشأن الأمريكي، أن الرئيس دونالد ترامب لا يسعى لضم أى أراضٍ جديدة إلى بلاده مثلما يبدو واضحا من تصريحاته التى أطلقها منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض، وأن جزءا كبيرا من التصريحات التى يدلى بها يوميا هى تصريحات تصعيدية لدفع الدول التى ذكرها للقبول ببعض أهدافه ويتعامل بلغة التاجر الذى يبحث عن أكبر مكسب من خلال رفع الأسعار ويضع فى اعتباره إمكانية التفاوض حولها، وأن ذلك يظهر بوضوح فيما يتعلق ببنما إذ إن زيارة وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو إلى دولة بنما الأسبوع الماضى ترتب عليها انسحاب بلاده من مشروع الحزام والطريق الصينى كما أنه حقق مكاسب على مستوى السماح للولايات المتحدةالأمريكية بمرور سفنها فى القناة دون دفع رسوم، كما أن بنما أعلنت خفض الاستثمارات الصينية فى البنى التحتية وإدارة الموانئ على قناة بنما. وأوضح أن الوضع ذاته تحقق مع عدد من دول أمريكا الجنوبية التى ترفض قبول المهاجرين غير الشرعيين لكنها عدلت مواقفها إذ أعلنت السلفادور استعدادها لاستقبال جميع المهاجرين المرحلين من الولاياتالمتحدة، بما فى ذلك المجرمون المصنفون كخطرين. جاء هذا الإعلان بعد محادثات مطولة عقدها وزير الخارجية الأمريكى، ماركو روبيو، مع الرئيس السلفادورى، نجيب أبو كيلة، ومن المتوقع أن يتراجع ترامب عن التعريفات الجمركية التى فرضها مع تحقيق بعض أهدافه بشأن نقل المهاجرين إلى خارج الولاياتالمتحدة. ◄ اقرأ أيضًا | تطورات تاريخية فارقة بملف غزة| لماذا تراجع ترامب عن تصريحاته بشأن «التهجير»؟! ◄ سلام نووي وانتقل من سياسة العقوبات والتصعيد ضد إيران إلى لغة غير متوقعة أيضا فقد أوضح فى منشور على حسابه في تروث سوشيال، أنه يتمنى أن تكون إيران دولة عظيمة وناجحة، كما نفى كل التقارير التي ألمحت أو تحدثت عن نية بلاده بالتعاون مع إسرائيل، تفتيت إيران وتفجيرها، بل أكد أنه يفضل إلى حد بعيد التوصل إلى «اتفاق سلام نووي»، يسمح لطهران بالنمو والازدهار سلمياً، وهو يسير في إطار اتخاذ مواقف غير متوقعة يحقق وراءها مكاسب تخدم سياسة بلاده الخارجية. وفيما يتعلق بخطط ترامب المرتبطة بقطاع غزة، فإن ترامب هدف لأن يلقى الضغوط على الدول العربية بدلاً من الولاياتالمتحدة، وأن طرحه لقضية التهجير ارتبط بمطالبة الدول العربية بالبحث عن بديل لنقل الفلسطينيين خارج قطاع غزة وهو سيناريو غير متوقع ومرفوض، وهو ما ستؤكد عليه القمة العربية الطارئة التى ستعقد في 27 فبراير بالقاهرة بالتنسيق مع مملكة البحرين الرئيس الحالى للقمة العربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لأنه يحمل الدول العربية البحث عن بديل يحقق مكاسب الولاياتالمتحدة وإسرائيل وحينما وجد بأن ذلك ليس قابلا للتطبيق قال إنه يبحث عن دور للدول العربية في مسألة إعادة إعمار القطاع ثم تحدث عن أنه لا يستعجل تنفيذ خططه وهو ما يشير إلى أنه يقدم مطالب غير منطبقة بحثا عن مكاسب كبيرة حينما يتعلق الأمر بمستقبل القطاع. ولفت إلى أن خطط ترامب لن تلقى نجاحا على مستوى غزة بخاصة على المستوى السياسي والأمني وأنه يتعامل بمنظور رجل الأعمال أو المطور العقاري وهو طرح قائم على تحقيق أهداف اقتصادية مباشرة وسبق وأن قدمه فى «صفقة القرن» وتقديم حلول لمشكلات قطاع غزة بالنسبة لإسرائيل تقوم على تحويلها لمنتجع سياحى تستفيد منه الولاياتالمتحدة أيضا وهو طرح يسوقه كبير مستشاريه السابقين جاريد كوشنير ومبعوثه إلى الشرق الأوسط سابقا وهو مازال يؤثر على فكر الإدارة الأمريكية الحالية إلى الدرجة التى دفعت ترامب لأن يعين مبعوثه إلى المنطقة المستثمر العقارى ستيفن ويتكوف. ◄ اقرأ أيضًا | اتفاق غزة مهدد بالانهيار في ماذا يحدث؟ | فيديو وذكر أنه على المستوى السياسي فإن رؤيته تلقفها اليمين الإسرائيلي والتيار اليميني داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية والداعم لإسرائيل وهو أيضا يعد جزءا من فاتورة يدفعها ترامب لهذا التيار الذي لم يعد لديه اهتمام بمسألة تهجير الفلسطينيين وكان الأمر مرفوضًا من الجماعات الدينية الإسرائيلية عقب اتفاق أوسلو لكن مع وصول وزراء مثل بن غفير وسومتريتش أضحى مطالبا بدفع هذه الفواتير لمن ساعده في الوصول إلى السلطة من منطلق التفكير في مستقبل إنساني لغزة لكنه يتعارض مع الأسس الأمريكية للتعامل مع أزمات الشرق الأوسط.