تم حفر قناة السويس التى ذهب ضحيتها الآلاف من المصريين الذين «سيقوا» إلى هناك رغما عنهم حالة جدل غريبة بين المؤيدين والرافضين لوضع تمثال ديلسيبس فى مكانه الأصلى فى المدخل الشمالى لقناة السويس أو عدم عودته وأن يظل قابعا فى مخازن الترسانة البحرية بالقناة. المعارضون يرون فى وجوده رمزًا للاستعمار ويجب التخلص منه. والمؤيدون يرونه أثرًا سياحيًا وجزءًا من تاريخ مدينة بورسعيد. والغريب أن ديلسيبس نفسه مات ولم تتم صناعة تمثاله ووضعه فى مكانه إلا بعد وفاته بنحو 30 عاما. ما أقصده أنه مات دون أن يطلب تمثالا لتخليد عمله. فى رأيى المتواضع أن عودة التمثال إلى مكانه هو شيء عادى جدا وعلى الدبلوماسية الشعبية أن تسعى لإقناع باريس بالتخلص من تمثال آخر يمثل إهانة لنا وموجود فى قلب العاصمة الفرنسية «باريس» وأقصد به تمثال العالم الفرنسى شامبليون الذى نجح فى فك رموز اللغة الهيروغليفية وهو يقف واضعًا حذاءه على رأس الملك أخناتون الذى صنعه النحات الفرنسى فريدريك أوجست بارتولدى صاحب تمثال «الحرية» الشهير فى نيويورك. مَن طالب بعودة تمثال فرديناند ديلسيبس إلى مكانه عددٌ كبيرٌ من مثقفى بورسعيد وحصل جدل كبير مع المعارضين وهم أيضا من أهالى المدينة الباسلة ولم ينته لإجابة بسبب الارتباك الذى حدث. المهندس الفرنسى ديلسيبس قدم مشروعه لحفر القناة لوالى مصر محمد سعيد باشا ونجح فى الحصول على موافقته بعد أن فشل فى إقناع والده محمد على باشا وبعدها تم حفر قناة السويس التى ذهب ضحيتها الآلاف من المصريين الذين «سيقوا» إلى هناك رغما عنهم لحفر القناة. والأدبيات الشعبية تحفظ هذه المشاهد فى ذاكرتها. كان تمثال «بارتولدى» المقترح يمثل فلاحة مصرية بطول 28 مترًا على رأسها طرحة وتاج وتحمل فى يدها اليسرى مشعل الحرية وهى واقفة على قاعدة طولها 15 مترًا. والتقى بارتولدى مع ديلسيبس وعرض عليه مشروعه إلا أن ديلسيبس لم يبد أى حماس فذهب بارتولدى إلى الخديوى إسماعيل وعرض عليه الرسوم وأعجب الخديوى بالتمثال لكنه لم يعد بالموافقة عليه نظرًا للأزمة المالية الطاحنة التى كانت تعانى منها البلاد فى هذا الوقت لكنه اقترح إقامة هذا التمثال فى الشمال عند منطقة بورفؤاد وبعد ذلك تأكد أن ديلسيبس رفض هذا التمثال الجميل نظرًا لضخامته وقدرته على لفت الأنظار. وبعد افتتاح القناة فى نوفمبر 1869 فقد بارتولدى الأمل فى إقامة تمثاله نظرًا لتعنت ديلسيبس فقام فى الفترة من 1870 - 1875 بعمل «الماكيت» الأول لتمثال الحرية الشهير وجعل طوله 31 مترًا ويرمز لسيدة تحررت من قيود الاستبداد وتمسك فى يدها اليمنى مشعلا للحرية وفى يدها اليسرى كتابا منقوشا عليه بأحرف لاتينية «4 يوليو 1876»، وهو تاريخ استقلال الولاياتالمتحدةالأمريكية وعلى رأس التمثال تاج مكون من سبعة أسنة تمثل أشعة ترمز إلى البحار السبعة وتم افتتاح التمثال 1886 على جزيرة الحرية بخليج نيويورك. بعد وفاة ديلسيبس فى ديسمبر 1894 اكتشفت شركة القناة وجود اعتمادات مالية فاتفقت على إقامة تمثال يخلد ذكراه تكلف مليونى فرنك وقام بتصميمه الفنان الفرنسى إمانويل فرميم وانتهى منه فى 17 نوفمبر 1899 بعد 30 عامًا من افتتاح القناة وخمس سنوات من رحيل ديلسيبس. وعندما قام الزعيم جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956 تعمد أن يكون اسم (ديلسيبس) هو كلمة السر لبدء عملية السيطرة على شركة قناة السويس ومقراتها وتوالت الأحداث بسرعة ليبدأ العدوان الثلاثى على مصر فى 29 أكتوبر 1956 بمشاركة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وفجر الفدائيون من أبناء بورسعيد تمثال ديلسيبس بالديناميت.