على الرغم من أن الاقتصاد البريطاني لا يواجه أزمة حادة كتلك التي شهدتها فترات مضطربة سابقة، إلا أن مشاكله الهيكلية تفرض تحديات لا تقل خطورة. فمع ارتفاع معدلات الفائدة وتباطؤ النمو، يجد رئيس الحكومة البريطانية، كير ستارمر، نفسه أمام اختبار صعب، بشأن كيف يمكن أن يحقق انتعاشًا اقتصاديًا مستدامًا دون الوقوع في فخ سياسات التقشف أو تحفيز التضخم؟ اقرأ أيضًا| أمريكا تخنق بريطانيا اقتصاديًا.. ما مستقبل شركات المملكة المتحدة؟ وذلك خاصة بعدما شهدت الأسواق المالية البريطانية مؤخرًا موجة من التقلبات أثارت مخاوف واسعة، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي، ما دفع بعض نواب حزب العمال إلى مقارنة الوضع الحالي بأزمة الحكومة البريطانية تحت قيادة ليز تراس عام 2022، التي أدت سياساتها الاقتصادية إلى انهيار ثقة المستثمرين. بل إن البعض استعاد ذكريات أزمة 1976 عندما اضطر وزير المالية البريطاني، دينيس هيلي للجوء إلى صندوق النقد الدولي لإنقاذ الاقتصاد البريطاني، غير أن الحكومة البريطانية تؤكد أن الوضع اليوم مختلف، حيث لا تواجه البلاد أزمة مالية حادة، بل معاناة مستمرة من ضعف هيكلي في النمو الاقتصادي. ◄ضعف اقتصادي مزمن منذ 2008 أشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية، إلى أنه منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، واقتصاد بريطانيا يعاني من تباطؤ طويل الأمد تفاقم بفعل سياسات التقشف الحادة، وبعد أزمة كورونا، أدت الاضطرابات العالمية إلى موجة تضخمية رفعت الأسعار وزادت الضغوط على الأسر البريطانية. كما أن التضخم انخفض إلى 2.5%، وهو مستوى قريب من المستهدف، لكن الاقتصاد البريطاني لا يزال راكدًا، حيث لم يسجل الناتج المحلي الإجمالي أي نمو خلال الأشهر الأخيرة، وتعد هذه البيئة الاقتصادية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة البريطانية، حيث يؤدي ضعف الإنتاجية وركود الأجور إلى استمرار التراجع في مستويات المعيشة، وهو ما تنبأت به تقارير "مكتب مسؤولية الميزانية"، التي أشارت إلى انخفاض الأجور الحقيقية حتى عام 2028. اقرأ أيضًا| بريطانيا تفكر في إعادة رسم علاقتها بأوروبا.. هل تنقلب موازين البريكست؟ ◄معضلة أسعار الفائدة ودور بنك إنجلترا في ظل هذا الواقع الاقتصادي، تزداد الضغوط على بنك إنجلترا لتعديل سياسته النقدية، حيث يتوقع بعض الخبراء أن يبدأ البنك في خفض أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة لدعم النمو، ومع ذلك، لا يزال البنك متمسكًا بسياسة "التشديد الكمي"، التي تشمل بيع كميات كبيرة من السندات الحكومية التي اشتراها خلال الأزمات السابقة. لكن هذه السياسة، وإن كانت تهدف إلى إعادة التوازن إلى السوق المالية، إلا أنها قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض إذا لم يتم تنفيذها بحذر، وهنا يبرز دور الحكومة البريطانية، التي يتعين عليها التنسيق مع البنك المركزي لضمان ألا تؤدي هذه السياسات إلى مزيد من الاضطراب في الأسواق. فيما تسعى وزيرة المالية البريطانية رايتشل ريفز، إلى تحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة من خلال الضغط على الهيئات التنظيمية للاتصالات بالمملكة المتحدة، مثل "أوفكوم" و"أوفجيم" لتعزيز الاستثمار وتخفيف القيود التنظيمية. لكن في الوقت نفسه، يجب أن يمتد هذا النهج إلى بنك إنجلترا لضمان مرونة كافية في سياسته النقدية، فالحكومة البريطانية تحتاج إلى استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار العلاقة بين السياسة النقدية والمالية، بحيث يتم خفض الفائدة بطريقة تدعم الاستثمار دون إشعال موجة تضخمية جديدة. ووفقًا ل «الجارديان» البريطانية، فمن دون هذا التنسيق، قد تجد البلاد نفسها في حلقة مُفرغة من النمو البطيء وارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما قد يؤدي إلى تآكل ثقة الناخبين في قدرة حزب العمال على تحسين الاقتصاد البريطاني.