ليلة مأساوية بكل المقاييس عاشتها فرنسا، خاصة ضباط الشرطة، الذين شهدوا أحداث عنف مختلفة في جميع أنحاء البلاد، أثناء احتفال الفرنسيين بعيد الميلاد المجيد؛ حيث كشفت وزارة الداخلية عن حصيلة كارثية للدمار الواسع في ممتلكات الفرنسيين، واستمرارها في البحث عن المجرمين الذين استغلوا أحداث الشغب وارتكبوا جرائم مختلفة. كانت نتائج احتفالات الفرنسيين «ثقيلة للغاية» و «وحشية»، كما أكد برونو ريتيللو وزير الداخلية الفرنسي، مشيرا إلى أنه تم استهداف ضباط الشرطة وإحراق المركبات وإطلاق قذائف الهاون على قوى الأمن المنتشرة في المدن المختلفة، على الرغم من انتشار آلاف الضباط والأفراد. قبل الإحتفالات وضعت السلطات الفرنسية خطة وصفتها بالمحكمة من أجل تأمين عيد الميلاد، وبحسب صحيفة لوفيجارو، تم نشر ما لا يقل عن 90 ألف شرطي ودركي في جميع أنحاء فرنسا، وفي باريس وضواحيها الداخلية فقط، تم حشد 10 آلاف من أفراد الشرطة، ووضع نظام خاص في شارع الشانزليزيه. وفي الحصيلة الكارثية لليلة عيد الميلاد، تبين قيام الخارجين عن القانون بإضرام النيران في 984 مركبة في جميع أنحاء فرنسا، وفي العديد من المناطق الحضرية، واعتقال 420 شخصا بعد إطلاق قذائف الهاون بشكل خاص على قوى الأمن الداخلي، وحبس 310 فردا لدى الشرطة. وأكد المدعي العام في العاصمة الباريسية؛ أنها شهدت أكبر عدد لحالات المقبوض عليهم، حيث تم اعتقال 136 شخصا على هامش الإحتفالات، ووضع 104 من بينهم رهن الاحتجاز لدى الشرطة، وتمديد حبس 36 منهم بعد استدعاؤهم للمحكمة التي قررت حبسهم. ومن أبرز الحالات المضبوطة، اعتقال ثلاثة أشخاص لقيامهم بإشعال الألعاب النارية في السيارات على مقربة من جسر بير حكيم بباريس، وعثروا معهم على خمسة كيلوجرامات من الأجهزة النارية في مقصورة الركاب، كما أحرقت عدة مركبات وصناديق قمامة بعدة ضواحي، وفي منطقة سيين إت مارن ألقي القبض على شخص بحوزته 40 قذيفة هاون كان يخفيها في سيارته. وبينما كانت الشرطة تقوم بتأمين سين سان دوني ليلة رأس السنة الجديدة؛ تعرضت لحوالي ثلاثين قذيفة هاون أطلقها ستة أفراد، كما هاجم حوالي عشرة أشخاص ضباط الشرطة بالمقذوفات في مونتروي، وداخل أحد المباني في أولني سو بوا تم مصادرة قذائف هاون وحشيش وسلاحين من نوع BB. وفي بقية أنحاء فرنسا، تم إحراق عشرات المركبات وتحطيم نوافذ المحلات، واستطاعت الشرطة الفرنسية ضبط ما يقرب من 3 آلاف جهاز لإطلاق قذائف الهاون، وكانت منطقة مدينة ستراسبوج من أكثر الأماكن التي شهدت أحداثا مؤسفة، عندما تعرض طفل للإصابة بطلقة تنتهي بإعاقة دائمة. اقتحام أماكن وهمجية وشدد وزير الداخلية الفرنسي، على أن العنف الذي شهدته فرنسا عشية عيد الميلاد نتاج ما وصفه بالهمجية التي يجسدها الجبناء والبلطجية الذين يعتدون على ممتلكات الفرنسيين الذين ليس لديهم الوسائل لحماية سياراتهم في مواقف السيارات الخاصة، لافتا إلى أن معركته الحالية تتمثل في منع المجرمين من الإفلات من العقاب. وفتح المدعي العام في باريس تحقيقا موسعا بعدما استولى لصوص مجهولين على عدة آلاف من تذاكر المترو المخزنة في صناديق وقسائم الهدايا في مبنى إدارة شؤون المدارس في مجلس مدينة باريس، والتي تم وصفها بأنها ضربة قاسية، بعدما قدرت حجم الأضرار التي لحقت بالبلدية بنحو 400 ألف يورو. وتوصلت التحقيقات الأولية إلى أن شخصا أو أكثر دخل إلى مبنى المجلس عبر باب المدخل وبمجرد وصولهم إلى المبنى، قام اللصوص بتفتيش عدة مكاتب، قبل أن يحولوا انتباههم إلى الخزينة التي اقتحموها، واستولوا عدة آلاف من تذاكر المترو، وفي واحدة من الجرائم الخطيرة التي منعتها الشرطة الفرنسية عشية عيد الميلاد، اكتشاف رجال الدرك، وفقا لصحيفة فرانس بلو نورماندي، رجالًا ملثمين يقومون بتزويد سيارة مسروقة بالوقود في منطقة أور، وعندما اقتربوا منهم لاذوا بالفرار، وتم مطاردتهم. خطف وقتل تمكن الضباط من ضبط السيارة بعد فرار الملثمين، وسمعوا صراخا قادما من صندوق السيارة، وبتفتيشها اكتشفوا وجود شخص مقيد ومغطى بالبنزين ومشوه لدرجة أنه فقد الإحساس بالوقت، وتبين أن المجرمين خطفوه من منزله على بعد 500 كيلو من الواقعة، وأنه كان ضحية لعملية اختطاف بهدف طلب فدية. وفي واقعة كارثية أخرى، تعرض جناح المجوهرات الفاخرة الشهير موبوسان، شرق باريس للسرقة عشية عيد الميلاد؛ حيث تبين من التحريات قيام أحد الأشخاص بإقتحام المتجر المتعدد الأقسام، ووضع عينه على المجوهرات على منصة موبوسان الشهيرة، وقام بسرقتها، وقدرت قيمتها ب 500 ألف يورو. وأكد المدعي العام أن حارس الأمن هو من اكتشف السرقة التي تمت عبر نافذة صغيرة تم كسرها، وخلال 20 دقيقة فقط استولى الشخص المجهول على الذهب وغادر المبنى بنفس الطريقة، ويتم البحث عنه في جميع أنحاء فرنسا بعد نشر مواصفاته التي التقطتها الكاميرات، بحسب صحيفة لو باريزيان. وفى خضم هذه الإحتفالات، لم تنج سيارة جاكوار رياضية ثمينة من طراز نادر من اللصوص؛ حيث تعرضت للسرقة أثناء توقفها في موقف السيارات الخاص بصاحبها في الدائرة الثالثة بالعاصمة الباريسية. وبحسب تصريحاته، تغيب صاحب السيارة عن منزله وعندما عاد تفاجأ بتمزق الباب وأن سيارته الجميلة قد اختفت، حيث يقدر هذا النموذج، الذي يعود تاريخه إلى 1 يوليو 1956، بأكثر من 100 ألف يورو. احتجاز وعنف كما تبحث الشرطة الفرنسية عن أربعة مجهولين قاموا بالتشاجر مع شاب يبلغ من العمر 23 عاما في محطة أنجيه؛ حيث بدأوا في التعدي عليه بالضرب، قبل أن يهرب إلى داخل المحطة للإحتماء، ولكن الجناة تتبعوه وتعدوا عليه بواسطة المطارق وتركوه ينزف حتى الموت. ولم تقتصر حالات العنف على الشوارع الفرنسية فقط، حيث شهد سجن آرل الفرنسي عملية احتجاز رهائن من قبل أحد المتهمين المحكوم عليهم فى السجن. وتبين حسبما أشار المدعي العام في تاراسكون؛ أن المتهم البالغ من العمر 37 عاما قام بإحتجاز أربعة من العاملين الطبيين وحارس السجن كرهائن لمدة خمس ساعات، في وحدة الرعاية بسجن آرل المركزي حيث احتجزهم تحت التهديد بسلاح محلي الصنع قبل أن يستسلم. وأكد المدعي العام أنه كان يقضي حكما بالسجن لمدة 18 عاما في سجن آرل المركزي بتهمة الإغتصاب تحت تهديد السلاح، ومعروف بأعمال العنف واحتجاز الآخرين وخطير للغاية، مشيدا بنتيجة المفاوضات التي انتهت دون استخدام القوة، بعد ما وصفها بالمفاوضات الطويلة والمعقدة معه. وعلى الرغم من انتشار عشرات الآلاف من رجال الشرطة والدرك لتأمين احتفالات رأس السنة إلا أنها في النهاية، بحسب السلطات الأمنية الفرنسية تعد وسائل استثنائية، ولم تمنع المجرمين من ممارسة العنف والسرقة التي اجتاحت جميع أنحاء فرنسا خلال الاحتفالات، مطالبا الفرنسيين بعدم الإعتياد على العنف. ومن أجل معالجة أسباب العنف الذي تم وصفه بغير المبرر والمستوطن لدى الشباب الفرنسي، طالب وزير الداخلية بأن تكون الإستجابة القضائية على قدم المساواة، لافتا إلى أن المنع الحقيقي يعني فرض عقوبات حقيقية، كما شدد على ضرورة معاقبة الأباء عبر الرد التربوي من أجل تحميلهم المسؤولية، وبالتالي معاقبة الآباء سيكون بسبب فشلهم. اقرأ أيضا: فرنسا تحيي الذكرى العاشرة للهجوم الدامي على مجلة «شارلي إيبدو»