فى كل عام، يتجدد الاحتفال مع ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام، حامل رسالة السلام والمحبة التى خلدها التاريخ. تلك الرسالة التى دعت إلى التسامح والإخاء ونبذ الكراهية، أصبحت منارة للإنسانية على مر العصور. وفى هذا السياق، تبرز مصر كأرض مباركة احتضنت المسيحية منذ نشأتها، حيث كانت ملاذاً آمناً للعائلة المقدسة ومسرحاً هاماً لتاريخ الكنيسة القبطية. وفقاً للإنجيل، لجأت العائلة المقدسة إلى مصر هرباً من بطش الملك هيرودس الذى أمر بقتل الأطفال فى محاولة للقضاء على المسيح. وتعد رحلة العائلة المقدسة إلى مصر واحدة من أعظم الأحداث الدينية التى ترمز إلى مكانة مصر الفريدة كمأوى آمن عبر التاريخ. مرت العائلة المقدسة بالعديد من المواقع فى مصر، بدءاً من الفرما فى شمال سيناء مروراً بالدلتا وصولاً إلى القاهرة الكبرى وصعيد مصر. ومن أبرز هذه الأماكن كنيسة أبى سرجة فى القاهرة القديمة، ودير المحرق فى أسيوط، التى تعتبر من أهم المحطات التى استقرت فيها العائلة المقدسة. أصبحت مصر عبر التاريخ نموذجاً فريداً للتعايش الديني، حيث تحتضن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إحدى أقدم الكنائس فى العالم، بجانب الحضارة الإسلامية التى ازدهرت فى أرض الكنانة. هذا التداخل الثقافى والدينى جعل مصر أرضاً للتسامح والتعايش، حيث يحتفل المسلمون والمسيحيون معاً بالمناسبات الدينية. تأتى ذكرى ميلاد السيد المسيح هذا العام والعالم يشهد تحديات كبيرة تتمثل فى الحروب والصراعات والانقسامات. لكن رسالة الميلاد تظل دعوة مستمرة للتأمل فى قيم السلام والمحبة، تلك القيم التى أرساها المسيح عليه السلام والتى تحتاجها البشرية اليوم أكثر من أى وقت مضى. إن مصر التى احتضنت المسيحية منذ بدايتها، تظل نموذجاً يحتذى به فى احتواء التنوع الدينى والثقافي. وفى ذكرى الميلاد المجيد، تتجدد الدعوة إلى تعزيز قيم السلام والتسامح والمحبة التى تمثل جوهر رسالة السيد المسيح عليه السلام. كل عام وأبناء مصر والعالم بخير وسلام.