تعرضت الفنانة فايزة أحمد بيكو الرواس إلى كثير من الغبن على مدى حياتها، فمنذ ولادتها بمدينة صيدا السورية فى 5 ديسمبر 1930 وهى تتجرع فى صمت ما ألم بها من أوجاع ومتاعب وأحزان من أقرب المتعاملين معها، وكان زواجها فى سن مبكرة قبل أن تبلغ الرابعة عشرة، أشد تلك المتاعب أثرًا عليها، فلم تدم تلك الزيجة مطولًا على الرغم من ثراء الزوج الذى خدع أسرتها وأخفى عنها تعدد زيجاته، وانتهى الأمر بالطلاق، ومن ذلك أنها لم توفق فى اختبارات المطربين بالإذاعة السورية بدمشق دون إبداء سبب مقنع، لكنها واجهت تلك المحنة بالصبر والإصرار، وحين علمت بأن إذاعة "حلب" تجرى اختبارات للأصوات الجديدة، سارعت بالسفر وتقدمت للجنة الاختيار ونجحت عن جدارة وشقت طريقها إلى عالم الغناء، وطلبتها إذاعة دمشق لاحقًا وحازت من خلالها شهرة كبيرة، وبعد أن تدربت على ألحان محمد النعامى، تغنت بألحان "محمد محسن" وأشهرها: "ليش دخلك، درب الهوى، ما فى حدا يا ليل، شفتك حبيتك يا سمارة" وكان أول من لحن للفنانة "وردة الجزائرية"، وسافرت إلى العراق وتغنت بألحان "رضا علي" وأبرزها: "خى لا تسد الباب". فى منتصف الخمسينات وفدت فايزة أحمد إلى القاهرة بصحبة أمها وطفلتها "فريال" أملًا فى تحقيق ذاتها، وسكنت بحى "الموسكي" وظلت تبحث عن محمد الموجى بعدما بهرتها ألحانه لنجم الطرب الصاعد الواعد عبد الحليم حافظ، وكانت البداية الحقيقية من خلال درتهما الخالدة "أنا قلبى إليك ميال" ثم توالت روائعهما: وأبرزها: "يا امه القمر ع الباب، بيت العز، يا ليلة بيضا، حيران، يا حبيبى واحشنى، يا الاسمراني، ليه يا قلبى ليه، قلبى عليك يا خى، تعالالى يابا، يا تمر حنة، م الباب للشبّاك، غلطة واحدة، وحياة من نصر الحق وهزم الباطل يوم 23، سير يا بطل، بلدى يا عقد الفل" وحصلت على الجنسية المصرية، وعرفت طريقها إلى السينما من خلال أفلام: "تمر حنة، امسك حرامى، ليلى بنت الشاطيء، عريس مراتى، المليونير الفقير، أنا وبناتى، منتهى الفرح، القاهرة فى الليل". استعان بها العندليب الأسمر عام 1957 لتغنى أغنيته الشهيرة "اسمر يا اسمراني" بفيلم "الوسادة الخالية" لتقدم كأسطوانة صوتية فقط، ولكنها فوجئت بالمخرج صلاح أبو سيف يستعين بممثلة تشبهها لتؤدى الأغنية مصورة على صوتها، فانتابها الغضب بعد مشاهدة الفيلم لعدم طلبها لتصوير الأغنية، لكن عبد الحليم أقنعها بأن اللقطات التى كانت ستظهر خلالها كمغنية قصيرة للغاية، نظرًا لأن الكاميرا موظفة لالتقاط ردود أفعال البطلة والبطل على ما يستمعان إليه، ذلك أن الأغنية تمثل ذكرى غرامية سابقة لديهما، وأن قصر مدة ظهورها على الشاشة دفع المخرج للاستعانة بممثلة بديلة، وأن مكانة فايزة أحمد أكبر من أن يستعان بها فى لقطات قصيرة، وتذكر فايزة أنها قالت لحليم: "لو طلبتنى ما كنتش ح اتأخر" فقال لها: "لو أعرف كده كنت طلبتك.. يا سلام هو أحنا عندنا كام فايزة" تقول: "روح حليم جعلتنى أنسى ما كان فى لحظتها.. واقتنعت بوجهة نظره" أما ما يردده بعض الكتاب عن كون هذه الأغنية كانت لفايزة قبل حليم فغير صحيح بالمرة، ويستحق الرد عليه لاحقًا. تزوجت الفنانة فايزة أحمد من عازف الكمان الشهير "عبد الفتاح خيري" ولم يدم زواجهما طويلًا، والتقت حنجرتها مع ألحان بليغ حمدى، فقدمها فى أغنية "ما تحبنيش بالشكل ده" وكأنه أعاد اكتشافها مجددًا، ومن روائع أعمالهما: " قلبى سألته عليك، فجر جديد، عشان بحبك أنا، اتحسدنا، حسادك علموك، حبيبى يا متغرب" فيما وصف الموسيقار محمد عبد الوهاب صوتها بالكريستال المكسور لتعدد انعكاسات أضواء نغمات حنجرتها، ومن أشهر ألحانه لها: "ست الحبايب، تراهنى، يا حبيبى يا اخويا، حمال الآسية، خاف الله، تهجرنى بحكاية، بصراحة، بريئة، وقدرت تهجر" ومن أجمل أغنياتها لأحمد صدقى "حلو ياللى ماشى، خايف على قلبي" ولرءوف ذهني: "الحكاية إيه، مكتوب ع القلب، عمرك والله ما هُنت عليا" ولكمال الطويل: "يا ما قلبى قالِّى لأ" كما تغنت بروائع السنباطي: "لا يا روح قلبى أنا، يا للى ما لكش غالى، بعيونى ح اراعيه، طريق الحب، عايزنى أقول لك إيه تانى، الغريب اللى فى آخر الدنيا" وشدت بروائع ألحان فؤاد حلمي: "بتسأل ليه عليا، حبيبنا عاد، آه يانى منه، حلفتك بالحب الغالى، كلمنى كلمتين". لقبها الشاعر كامل الشناوى ب "كروان الشرق" وقالت أم كلثوم "أنها الصوت الوحيد الذى ارتاح دائمًا إلى الاستماع إليه" أما زوجها ورفيق مشوارها الموسيقار محمد سلطان فوصفها بالزوجة المتفانية فى خدمة بيتها، وأنها مطيعة إلى أبعد الحدود وراضية بكل شيء، وعطوفة على الفقراء وأن هذه الصفة كانت وراء تعلقه بها حين رآها للمرة الأولى فى بيت الموسيقار فريد الأطرش، كما أنها محبة للحيوانات الأليفة، وتحرص على أداء الصلوات حرصًا كبيرًا، وأنه من خلال صوتها قدم أروع ألحانه" وقد شكلا معًا ثنائيُا فنيًا نادر التكرار، واستهلا مشوارهما الفنى الطويل بلحن "أؤمر يا قمر" ولتواجدهما معًا بصفة دائمة سرت الإشاعات المغرضة لتنال منهما، فبكت أمامه وتحولت إلى صقر جارح، فطلبها للزواج، فقالت: كيف يكون ذلك وأنت لا تحبني؟ فقال بثقة: "سأحبك، فقد وجدتنى فيك" وكلل الله زواجهما ورزقهما التوءَم طارق وعمرو، أما أعمالهما فتبلغ نحو مئة أغنية، أشهرها: "جيالك، أحبه كثيرا، حبيب الأربعاء، الأيام، نجمة سهرنا البعيدة، دنيا جديدة، ياما انت واحشنى، إنسانى يا حبيبى، غريب يا زمان، هدى الليل، جاى القمر، لقيتك فين، قاهرتى، حكاية السد، وحياتك يا مصر، يا صباح النصر يا مصريين، بحبك يا مصر، غنى معايا لمصر، قاعد معاى، يمَّه يا هوايا، مال عليا مال، بالى معاك، آخد حبيبى، العيون الكواحل، قول لكل الناس، يا طير الشوق، صعبان علينا، خليكوا شاهدين، تعالى شوف، علمتنى الدنيا، نقطة الضعف، خلينا ننسى، لا تدخلى، أحلى طريق فى دنيتى، أيوه تعبنى هواك" ودويتو "إحنا النهاردة إيه". بعد نحو 17 عامًا فى كنف سلطان انفصلت فايزة أحمد عنه بسبب الغيرة وتزوجت رجلًا يصغرها بعشر سنوات، لم يقدر قيمتها كفنانة وكإنسانة وتحولت حياتها معه إلى جحيم ولكى تتخلص من تلك المعاناة طلب منها مبلغ 35 ألف جنيه والتنازل عن سيارتها "المرسيدس" التى تحبها وتعشقها، وانتهى بها المطاف بالعودة إلى محمد سلطان قبل أن تلقى ربها بين يديه فى الحادى والعشرين من سبتمبر 1983 على إثر إصابتها بسرطان الثدى، ووفقًا لوصيتها دفنت فى ثرى مصر التى احتضنت موهبتها وشدت لها بأعذب الألحان.. فى المحن والشدائد قبل الأفراح والانتصارات.