من هناك، من سويسرا، ومن داخل مقر الاتحاد فى جنيف، التقيتُ «ويلى والش»، المدير العام للاتحاد الدولى للنقل الجوى «إياتا»، لمناقشة أبرز التحديات والفرص التى تواجه صناعة الطيران على مستوى العالم، مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط والسوق المصري؛ وقد كانت سعادتى بالغة حين أشاد «والش» بالفرص الواعدة التى يتمتع بها القطاع فى مصر، خاصة فى ظل التطور المستمر فى البنية التحتية والمقومات السياحية التى تمثل عنصر جذب رئيسيا؛ رغم ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط؛ مشيرًا إلى أن المحاور الرئيسية مثل: دبى وأبوظبى والدوحة تشهد زخمًا كبيرًا، مع توقعات بنمو قوى فى السعودية؛ وكذلك أشار إلى تأثيرات الأوضاع الجيوسياسية فى المنطقة على بعض شركات الطيران، مؤكدًا أهمية تكيف القطاع مع التحديات الحالية، وشدد أن « إياتا » يواصل جهوده لدعم القطاع فى مواجهة التقلبات الاقتصادية والتحديات البيئية، مع التركيز على تحقيق استدامة طويلة الأجل؛ سواء من خلال التحول الرقمى أو تطوير استراتيجيات مبتكرة لتحسين تجربة المسافرين ودعم الشركات فى تجاوز الأزمات.. إلى تفاصيل الحوار: اقرأ أيضًا | حصاد 2024| ثورة علمية تغير معالم المستقبل.. جائزة نوبل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي كيف ترى أداء السوق المصرى الآن.. وما توقعاتك لمستقبله؟ السوق المصرى يمثل نقطة قوية وكبيرة فى المنطقة؛ حيث يتمتع بإمكانات هائلة للنمو، خاصة فى قطاع السياحة؛ إذ أن مصر فى موقع استراتيجى يربط بين الشرق الأوسط وإفريقيا، مما يجعلها مركزًا مهمًّا للطيران والسياحة؛ وبالتالى الفرص الاستثمارية فى القطاع السياحى ما زالت كبيرة، خاصة فى ظل تحسين البنية التحتية والخدمات المرتبطة بالطيران. ومن ثم الأفق يبدو مشرقاً لمصر، إذا استمرت الجهود فى دعم السياحة وتعزيز استثمارات القطاع. رغم التحديات ماذا عن توقعاتك العامة لقطاع الطيران فى منطقة الشرق الأوسط؟ رغم وجود تحديات فى بعض أجزاء المنطقة، ما زلنا نرى أن التوقعات للنمو فى الشرق الأوسط تظل قوية للغاية. النمو يتركز بشكل رئيسى حول المحاور الكبرى مثل الدوحة وأبوظبى ودبي، ونتوقع نمواً كبيراً أيضاً فى المملكة العربية السعودية؛ وأرى أن التنوع الكبير فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا يعكس تفاوت فرص النمو والتحديات التى تواجهها المنطقة. ما تقييمك لتأثير الأزمات الحالية مثل الأوضاع فى غزة ولبنان وسوريا على القطاع؟ حتى الآن، لم نرَ تأثيرات كبيرة تغير من توقعاتنا للمنطقة. بالطبع، الأوضاع فى غزة ولبنان تؤثر على بعض شركات الطيران مثل طيران الشرق الأوسط، كما أن شركات الطيران المصرية والأردنية تأثرت سابقاً بالأحداث فى سوريا. ومع ذلك، نترك للشركات نفسها تحديد حجم التأثيرات عليها. من جهة أخرى، نحن نراقب الوضع عن كثب لمعرفة أى تطورات قد تؤثر على حركة النقل الجوي. تأثير محدود وماذا عن تأثير الحرب فى أوكرانيا على قطاع النقل الجوي؟ عندما اندلعت الحرب فى أوكرانيا، أجرينا تقييمات حول تأثيرها على حركة النقل الجوى العالمية، وتبين أن التأثير كان محدوداً للغاية على الحركة الدولية. السوق الروسية تُعد سوقاً محلية كبيرة، لكن مساهمتها فى السوق الدولية لم تتجاوز 1.4%؛ لذلك، فإن الحرب أثرت بشكل رئيسى على الرحلات المحلية داخل روسيا، دون تأثيرات كبيرة على الحركة الدولية. ما نوع الدعم الذى تقدمه «إياتا» لشركات الطيران فى ظل هذه الأزمات؟ نحن نقدم دعماً عملياً للشركات، لا سيما فيما يتعلق بحقوق استخدام الخطوط الزمنية (Slots)، حيث نساعدها على الاحتفاظ بحقوقها عند تعطل الجداول الزمنية بشكل مبرر. كما نخفف القواعد المتعلقة بأنظمة تسوية المدفوعات (Billing Settlement Plans) لضمان استمرار الشركات فى العمل ضمن أنظمة «إياتا» دون التقيد بالمواعيد الصارمة. ولكننا لا نقدم دعماً مالياً مباشراً، بل نركز على توفير التسهيلات التى تضمن استمرارية العمليات. عودة قوية كيف تقيم الوضع الحالى لصناعة الطيران بعد الجائحة؟ لقد شهدنا عودة قوية لصناعة الطيران بعد الجائحة، على الرغم من أنها كانت فترة صعبة جدا، كانت صناعة الطيران من أكثر القطاعات تضرراً؛ حيث توقفت حركة السفر تقريبًا فى جميع أنحاء العالم. ولكن مع استئناف السفر الدولى وزيادة تطعيمات كورونا، بدأت الأمور تتحسن. العام الماضى شهدنا زيادة ملحوظة فى الطلب على السفر، وقد ساعد هذا على التعافى من الخسائر الكبيرة التى تكبدها القطاع. هل تعتقد أن هذا التعافى مستدام فى المدى الطويل؟ نعم، أعتقد أن التعافى سيستمر على المدى الطويل، ولكن سيكون هناك تحديات؛ كما أن الطلب على السفر الجوى قد عاد بشكل قوي، خاصة فى أسواق الرحلات الطويلة، وهو ما أظهر لنا أن الناس مستعدون للسفر مرة أخرى. مع ذلك، سيكون من المهم أن نستمر فى الابتكار وتحسين الخدمات لتلبية احتياجات المسافرين فى المستقبل. التكيف السريع من وجهة نظرك هل قطاع الطيران تعلم من الدروس التى فرضتها الجائحة؟ بالتأكيد؛ لقد تعلمنا العديد من الدروس خلال الجائحة. أولاً، تأكدنا من أن التكيّف السريع مع الظروف الطارئة هو أمر بالغ الأهمية سواء كان ذلك من خلال الرقمنة أو تحسين معايير الأمان الصحي، كانت الاستجابة السريعة أمرًا أساسيًا. كما أن الجائحة أبرزت أهمية التعاون بين شركات الطيران والحكومات فى تطوير استراتيجيات لتقليل التأثيرات السلبية. والآن، نحن أكثر استعدادًا لمواجهة أى تحديات مشابهة فى المستقبل. إذن ما التحديات الرئيسية التى يواجهها قطاع الطيران اليوم؟ التحديات الرئيسية اليوم تشمل ارتفاع أسعار الوقود، والقوانين البيئية المتزايدة، والأزمات الاقتصادية العالمية التى قد تؤثر على السفر. كما أن هناك مشكلة متزايدة فى نقص العمالة فى بعض الدول، مما يؤثر على عمليات المطارات وشركات الطيران. أيضًا، لا يمكننا إغفال التحديات المتعلقة بالاستدامة، حيث يتعين على الصناعة تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير فى السنوات القادمة. كيف ترى مستقبل الطيران من حيث الابتكار التكنولوجي؟ التكنولوجيا ستستمر فى لعب دور محورى فى تحسين قطاع الطيران. نحن نشهد الآن زيادة كبيرة فى استخدام الطائرات الكهربائية والهجينة، وهذا سيساعد فى تقليل انبعاثات الكربون. هناك أيضًا اهتمام متزايد فى تحسين تجارب المسافرين باستخدام الذكاء الاصطناعى والبيانات الكبيرة، مما يعزز كفاءة العمليات ويقلل من التكاليف. فى المستقبل، كما سنرى تقنيات جديدة تتيح للطيران أن يكون أكثر استدامة وأقل تكلفة. معايير عالمية كيف يعزز « إياتا » التعاون بين شركات الطيران لتحسين الاستدامة؟ «إياتا» يعمل على تعزيز التعاون بين شركات الطيران من خلال مجموعة من المبادرات المشتركة. نحن نعمل على وضع معايير عالمية فى مجال الاستدامة، بما فى ذلك كيفية تحسين كفاءة الوقود، وتطوير الطائرات النظيفة، والعمل مع الحكومات على تنفيذ سياسات بيئية فعالة. التعاون بين شركات الطيران هو أمر حاسم لتحقيق الأهداف البيئية، ونحن نؤمن بأن العمل المشترك سيؤدى إلى حلول أكثر فعالية. ما دور شركات الطيران فى تقليل تأثيراتها البيئية فى ظل التحديات الحالية؟ الشركات بحاجة إلى مواصلة استثمارها فى الطائرات الأكثر كفاءة فى استهلاك الوقود والتقنيات التى تساعد على تقليل الانبعاثات. كما يجب أن تستثمر فى وقود الطائرات المستدام (SAF)، الذى يعد أحد الحلول الرئيسية لتقليل الانبعاثات على المدى الطويل. علاوة على ذلك، هناك الحاجة إلى تطوير سياسات أفضل لزيادة الوعى البيئى بين المسافرين. ما هى استراتيجية «إياتا» لتعزيز الشفافية فى صناعة الطيران؟ «إياتا» يعمل على تعزيز الشفافية من خلال توفير بيانات دقيقة وموثوقة لجميع الأطراف المعنية. كما نعمل على نشر تقارير دورية عن حالة الصناعة بما فى ذلك التطورات الاقتصادية والتقنية. وندعم أيضا تبادل المعلومات بين الحكومات والشركات لتحقيق أفضل الممارسات فى جميع أنحاء العالم. الشفافية تعد من الركائز الأساسية لضمان نمو مستدام فى قطاع الطيران. مواجهة التحديات ماذا عن دور «إياتا» فى مواجهة التحديات المالية التى تواجه شركات الطيران؟ «إياتا» يعمل مع شركات الطيران والحكومات على تطوير حلول لمواجهة التحديات المالية، مثل الارتفاع فى تكاليف الوقود والأزمات الاقتصادية. نحن نساعد الشركات على إيجاد طرق مبتكرة لتحسين كفاءتها المالية وزيادة الإيرادات. بالإضافة إلى ذلك، نعمل على تيسير الوصول إلى التمويل لشركات الطيران التى تحتاج إلى الدعم لمواصلة عملياتها فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. كيف ترى مستقبل الطيران فى ظل التوجهات العالمية نحو الاستدامة؟ مستقبل الطيران سيكون محوره الاستدامة؛ ونحن نؤمن بأن الطيران يمكن أن يكون جزءًا من الحل للتحديات البيئية التى نواجهها. وبفضل الابتكارات التكنولوجية والتعاون بين الشركات والحكومات، سنتمكن من تقليل تأثيراتنا البيئية مع الحفاظ على النمو فى الطلب على السفر. هذا هو التوجه الذى نسعى لتحقيقه فى «إياتا» .