كشفت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية عن كواليس وتفاصيل مثيرة في عملية تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة فرانسوا بايرو، حيث تجلت الصراعات السياسية والتوازنات الدقيقة التي تحكم المشهد السياسي الفرنسي، كاشفة عن حجم التدخلات والضغوط التي مارستها مختلف القوى السياسية، مع تحفظات واضحة من الرئيس إيمانويل ماكرون على العديد من الترشيحات المقترحة. شهدت عملية تشكيل الحكومة الفرنسية منعطفاً حاداً، وفقاً لما كشفته "إكسبريس"، عندما تسربت معلومات عن نية تعيين كزافييه بيرتران وزيراً للعدل في يوم 22 ديسمبر، إذ انه خلال الأيام السابقة، كان فرانسوا بايرو قد أكد لرئيس منطقة هوت دو فرانس مرتين تعيينه في منصب وزير العدل. لكن هذا القرار اصطدم بمعارضة شديدة من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي اعتبرت أن تعيين بيرتران في هذا المنصب سيؤدي إلى رفض تلقائي للحكومة. وكشف الصحيفة أن لوبان اتصلت شخصياً ببايرو معربة عن غضبها الشديد، مما دفع رئيس الوزراء إلى إعادة النظر في قراره. وأوضحت الصحيفة أن موقف لوبان كان مدفوعاً بحسابات سياسية دقيقة، حيث تدرك أن الكثير من ناخبيها البالغ عددهم 11 مليون يعتقدون بوجود علاقات غامضة بين وزارة العدل والقضاة. كما أن تعيين بيرتران في هذا المنصب كان سيُفسر على أنه علامة على إضعاف نفوذها السياسي، خاصة مع اقتراب موعد صدور حكم محكمة باريس في 31 مارس في قضية المساعدين البرلمانيين. اقرأ أيضًا: تغييرات وزارية موسعة في فرنسا تشمل مناصب قيادية بارزة صراع النفوذ والتوازنات السياسية كشفت إكسبريس عن تعقيدات أخرى في عملية تشكيل الحكومة، حيث سعى بايرو إلى تجنب الانتقادات التي وُجهت لسلفه ميشيل بارنييه. وأشارت الصحيفة إلى أن بايرو كان يتذكر جيداً انتقادات فيليب سيجان لآلان جوبيه عندما كان رئيساً للحكومة بين 1995 و1997، حيث قيل عنه إنه "يحب أن يحكم على صحراء". ولتفادي هذا المصير، حاول بايرو تشكيل حكومة متوازنة تضم أربعة وزراء دولة، مستذكراً تجربته الوزارية الأولى في حكومة بالادور عام 1993. وفي سياق متصل، كشفت الصحيفة عن دور محوري للرئيس السابق نيكولا ساركوزي في دعم تعيين جيرالد دارمانان وزيراً للعدل، رغم تحفظات ماكرون الذي يعتبره "قاسياً ومهدداً" في بعض الأحيان. وأوضحت إكسبريس أن بايرو، رغم عداوته التاريخية مع ساركوزي، اضطر للتعامل مع هذا الواقع السياسي نظراً لقوة تأثير الرئيس السابق في المشهد السياسي الفرنسي. المصالحات السياسية وإعادة ترتيب الأوراق وفي تطور لافت للنظر، كشفت "إكسبريس" عن مصالحة سياسية مهمة تمثلت في تعيين إليزابيث بورن في منصب رفيع بالحكومة الجديدة، إذ انه بالفرغم من الموقف السلبي السابق لبايرو تجاهها، حيث وصفها في 2022 بأنها "غير موجودة"، إلا أنه قرر منحها حقيبة وزارية واسعة تشمل التعليم والبحث العلمي والتدريب المهني، في خطوة تعكس براجماتية سياسية واضحة. ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن بورن، التي رفضت عرضاً سابقاً من ميشيل بارنييه في سبتمبر، وافقت هذه المرة على العرض، متذكرة نصيحة قديمة من بايرو نفسه: "لدي مبدأ بسيط في السياسة، أسأل نفسي عما يريد عدوي أن أفعله ثم أفعل العكس". وخلصت الصحيفة إلى أن التشكيل الحكومي الجديد يعكس تعقيدات المشهد السياسي الفرنسي الراهن، حيث يحاول بايرو الموازنة بين متطلبات متناقضة، وهي إرضاء مختلف القوى السياسية، وتجنب الصدام مع اليمين المتطرف، مع الحفاظ على علاقة متوازنة مع الرئيس ماكرون، في ظل تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية متزايدة تواجهها فرنسا.