بينما تشهر دولة الاحتلال الإسرائيلي تهديداتها بتفوقها العسكري وقدرتها على مواجهة تحدياتها الأمنية، يبدو أن المواجهة مع الحوثيين في اليمن تمثل معضلة جديدة مغايرة. فإن تعقيد المشهد اليمني وسط الهجمات الصاروخية المتزايدة، جعل من هذه المواجهة اختبارًا لقدرة الاحتلال على التكيف مع نوع جديد من الخصوم. وفي خضم هذه التحديات، يظهر سؤال حاسم: هل تستطيع دولة الاحتلال الإسرائيلي كبح جماح الحوثيين في ظل الصعوبات الاستخباراتية واللوجستية المتزايدة؟ تهديدات غير رادعة في تحليل لصحيفة "جيروزاليم بوست العبرية"، أوضحت أن الحوثيين يزيدون من هجماتهم ويظهرون أنهم لا يتراجعون عن ضربات إسرائيل أمام خطابها التهديدي، مشيرة إلى أن أنهم أطلقوا صاروخا باليستيا آخر على إسرائيل في وقت مبكر من صباح الثلاثاء، في رابع هجوم من نوعه خلال أسبوعين، إذ كانت الهجمات الأخرى يومي السبت والخميس والاثنين الماضي. وزار وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بطارية الدفاع الجوي "حيتس" التي اعترضت الصاروخ، وقال: "لن نقبل بحقيقة أن الحوثيين يواصلون إطلاق النار على إسرائيل، وسنتعامل معهم في صنعاء وفي كل مكان في اليمن"، هذا وقد أدلى بتصريحات مماثلة يوم الاثنين وتعهد بأن إسرائيل ستضعف الحوثيين بشدة. كاتس قارن بين تصرفات إسرائيل على هذه الجبهة وبين الطريقة التي حاربت بها حماس وحزب الله، وأشار إلى أن إسرائيل قضت على زعماء حماس إسماعيل هنية ويحيى السنوار وزعيم حزب الله حسن نصر الله. وحذر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل ستتخذ إجراءات قوية ضد الحوثيين كما فعلت مع حزب الله، في لبنان، وقال "كما عملنا بقوة ضد أذرع محور الشر الإيراني، فإننا سنعمل ضد الحوثيين، وسنعمل بقوة وعزيمة وذكاء، وأقول لكم حتى لو استغرق الأمر وقتا فإن النتيجة ستكون هي نفسها"، حسب قوله. صعوبة جمع المعلومات وبحسب ما ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية، فيستعد سلاح الجو الإسرائيلي للرد على الهجمات الصاروخية التي شنها الحوثيون في اليمن مؤخرا، لكنه يواجه صعوبة في جمع المعلومات الاستخبارية التي تمكنه من تحديد مواقع المخابئ الصاروخية للحركة. وأضافت الصحيفة أن شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الإسرائيلي تركز نشاطها على رصد مجموعة من الأهداف العسكرية والاستراتيجية للحوثيين في اليمن، مشيرة إلى أن الجيش يعترف بأن المشكلة في محاربة الحوثيين معقدة بشكل خاص، بسبب صعوبة جمع المعلومات الاستخباراتية عن زعماء القبائل الذين يرأسونهم، فضلاً عن صعوبة تحديد مواقع المخابئ الصاروخية، وعدم الاكتفاء بقصف المرافق في الموانئ وبراميل الوقود". وأوضحت صحيفة معاريف أن الصاروخ الذي فشلت إسرائيل في اعتراضه، السبت، وسقط في تل أبيب، هو تطوير لصاروخ خيبر الإيراني الصنع، مشيرة إلى أنه تم تقليص كمية المادة المتفجرة في رأس الصاروخ، مقابل إضافة المزيد من الوقود الصلب لتحسين مدى الصاروخ وسرعته. حرب دبلوماسية في وجه آخر للمواجهة الحوثيين، وحسب صحيفة "ألجماينر جورنال" العبرية، فقد أصدرت إسرائيل تعليماتها لبعثاتها الدبلوماسية في أوروبا بالضغط على الدول لتصنيف الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية، إذ يأتي الإعلان الثلاثاء بعد ساعات من اعتراض صاروخ باليستي من اليمن قبل أن يدخل المجال الجوي الإسرائيلي. وقال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر في بيان: "إن الحوثيين لا يشكلون تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للمنطقة والعالم بأسره، إن التهديد المباشر لحرية الملاحة في أحد أكثر الطرق البحرية ازدحامًا على مستوى العالم يشكل تحديًا للمجتمع الدولي والنظام العالمي، والخطوة الأساسية والأكثر أهمية هي تصنيفهم كمنظمة إرهابية". وجاءت توجيهات ساعر في أعقاب هجمات متكررة نفذها الحوثيون ضد الاحتلال الإسرائيل منذ أكتوبر 2023، بما في ذلك إطلاق أكثر من 200 صاروخ و170 طائرة مسيرة هجومية، وفي نهاية الأسبوع الماضي، أصاب صاروخ باليستي مدرسة في تل أبيب، مما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 16 شخصًا وإلحاق أضرار بالمنازل المجاورة، وهو الهجوم الثاني في يومين بعد فشل عدة محاولات لاعتراضه من قبل أنظمة الدفاع الجوي للاحتلال. هجمات ضد الحوثيين وردًا على الهجوم، شنت القوات الجوية الإسرائيلية ضربات انتقامية استهدفت مواقع للحوثيين في اليمن، بما في ذلك مواقع استراتيجية مثل ميناء الحديدة والعاصمة صنعاء. كما نفذت القوات الأميركية غارات جوية متعددة ضد مواقع للحوثيين بهدف إضعاف قدراتهم الهجومية وضمان أمن الطرق البحرية الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن. وبينما استهدف الحوثيون أراضي الاحتلال الإسرائيلية بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة، فقد هاجموا في المقام الأول إلى جانب السفن الإسرائيلية، سفناً أميركية وبريطانية في البحر الأحمر، مما دفع الحليفين الغربيين إلى شن ضربات انتقامية عدة مرات ضد أهداف حوثية في اليمن. حرب طويلة وفي سبتمبر، قال وزير الدفاع اليمني محمد العاطفي إن المتمردين اليمنيين مستعدون ل"حرب طويلة" ضد إسرائيل وحلفائها، ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن ظريف قوله إن "الجيش اليمني يمتلك مفتاح النصر وهو مستعد لحرب استنزاف طويلة ضد النظام الصهيوني الغاصب ورعاته وحلفائه"، وأضاف: "إن نضالنا ضد الكيان الصهيوني النازي راسخ في عقيدتنا، ونحن ندرك جيداً أن هذه الحملة هي واجب ديني مقدس يتطلب تضحيات جسيمة". وقال اللواء المتقاعد عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق ورئيس منظمة "مايند إسرائيل"، لقناة فوكس نيوز: "يتعين على إسرائيل تسريع وتوسيع نطاق الهجمات في اليمن، ليس فقط على البنية التحتية الوطنية ولكن أيضًا على القيادة السياسية". وأضاف أن "الاغتيالات المستهدفة خيار وارد إذا كانت هناك معلومات استخباراتية جيدة تمكن من تنفيذ مثل هذه العمليات، وعلى قادة الحوثيين أن يلتقوا بالسنوار ونصر الله، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل". نوع مختلف من الاستخبارات وأوضح اللواء احتياط يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق في إسرائيل والباحث البارز في مؤسسة جينسا البحثية ومقرها واشنطن، لفوكس نيوز مدى تعقيد مثل هذه المحاولات، قائلا "يجب أن تتأكد من أن الهدف موجود في المكان الذي تقصفه، إذا كان لديه ثلاثة منازل، فكيف تعرف في أي منزل؟ أنت بحاجة إلى معلومات استخباراتية في الوقت الحقيقي". وقال "عميدرور"، "استغرق الأمر 15 إلى 20 دقيقة لضرب مقر حزب الله في بيروت لأن هذا المقر قريب للغاية من إسرائيل، أما في اليمن فالعملية اللوجستية ضخمة، وتتطلب تزويد الطائرات بالوقود، ناهيك عن القضايا التكتيكية على الأرض، فإن الأمر يتطلب نوعاً مختلفاً تماماً من الاستخبارات". وأضاف عميدرور: "كان نصر الله والسنوار أعداء معروفين، وقد جمعنا معلومات عنهما على مدى سنوات عديدة، لكن الحوثيين لم يكونوا أولوية، والطريق إلى الأمام هو البدء في تكثيف جمع المعلومات الاستخباراتية من خلال بناء الجسور مع أولئك الذين يمكنهم تقديمها". قدرة على الصمود وحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت"، فإنه رغم الضربات المتكررة، أظهرت التقييمات العسكرية الإسرائيلية، وفقًا للمعلق العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، أن الحوثيين يمتلكون قدرة على الصمود ومواصلة الهجمات، بما في ذلك استهداف السفن التجارية والطائرات المُسيّرة التي تصل إلى تل أبيب. وأرجع "بن يشاي" هذه الصعوبة إلى نقص المعلومات الاستخباراتية حول اليمن، ما يحد من فعالية العمليات العسكرية الإسرائيلية. الهجمات الحوثية التي تطول السفن التجارية في البحر الأحمر تزيد الضغط على الاقتصاد العالمي وتؤثر على حركة التجارة، ورغم أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا شاركتا في بعض العمليات، إلا أن واشنطن تجنبت تصعيدًا قد يؤدي إلى حرب إقليمية.