جاءت قمة إيكواس» الأخيرة وسط ظرف استثنائى، تمثل فى غياب 3 دول من ال15 الأعضاء.. وقد شهدت نتائج قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا اتفاق زعمائها على منح الدول الغائبة «مالى وبوركينا فاسو والنيجر» فترة سماح تمتد إلى 6 أشهر. وذلك لمحاولة إقناعها بالعدول عن الانسحاب من التكتل الاقتصادى والسياسى الرئيسى فى غرب إفريقيا، وهو الانسحاب الذى كان مقررًا أن يدخل حيز التنفيذ فى 29 يناير المقبل، بعد مرور عام من إعلان مشترك للدول الثلاث «بالانسحاب من التكتل وإنهاء عقود من التكامل الإقليمى». ورغم محاولات شهدتها الشهور الماضية، لم تنجح «إيكواس» حتى الآن فى إقناع الدول الثلاث إلى إعادة النظر فى قرارها. اقرأ أيضًا | قمة الثمانى النامية.. السياسة قبل الاقتصاد أحيانا الأمر الذى دفع عمر توراى رئيس مفوضية «إيكواس» للتأكيد فى ختام القمة أن 29 يناير المقبل، يظل الموعد الرسمى للانسحاب، لكن جرى تمديد الموعد الفعلى إلى 29 يوليو المقبل، لإتاحة فترة انتقالية يسعى خلالها وسطاء من التكتل إلى «إعادة الدول الثلاث الأعضاء إلى إيكواس دون أضرار». وبعيدًا عن نتائج القمة، فإن الأمر اللافت للنظر هو إصرار الدول ال3 على الغياب عن الاجتماع، وهو ما يشير إلى إصرارها على الانسحاب من التكتل، وعدم وجود مؤشرات لتراجعها رغم كل المساعى الدبلوماسية للعدول عن هذا القرار، لما يسببه من تداعيات اقتصادية وأمنية على المنطقة. جاء قرار الانسحاب بعد موقف مجموعة دول «إيكواس» من الأحداث فى ال3 دول التى شهدت تحولات سياسية متتابعة، حيث فرضت عليها عقوبات اقتصادية ومالية قاسية غير عادية، إلى جانب التهديد بالتدخل العسكرى، لكن العقوبات جاءت بنتائج عكسية.. حيث أدى نقص الغذاء والدواء المفاجئ والتباطؤ الاقتصادى، إلى تأجيج تدفق المشاعر المناهضة ل«إيكواس» على وسائل التواصل الاجتماعى. وألقى الكثير من مواطنى الدول الثلاث باللوم على الكتلة الإقليمية، وحمّلوها مسئولية تزايد مشكلاتهم ومصاعبهم، مما مثل دعمًا لأنظمتها فى معارضة الكتلة الإقليمية، وأعلنت حكوماتها فى وقت واحد أنها ستنسحب من الكتلة. الانسحاب جاء مصحوبًا برد فعل آخر مباشر، فقد أعلنت الدول المنسحبة إنشاء هيئة جديدة للتعاون الدفاعى والأمنى، وهى تحالف دول الساحل (AES).. ويؤكد مسئولو التحالف أنه «صُمم على غرار حلف شمال الأطلسى»، حيث أنشأ ميثاق عدم اعتداء ومساعدة متبادلة فى حالة الهجوم على دولة عضو، ورغم أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا رفعت معظم عقوباتها على النيجر ومالى فى فبراير الماضى، إلا أن قادة الدول ال3 خرجوا منذ أيام، ليعلنوا أن قرارهم بالانسحاب لا رجعة فيه، وأدانوا (إيكواس) باعتبارها خاضعة لفرنسا الحاكم الاستعمارى السابق. وتشترك الأنظمة الثلاثة فى الكثير من الأمور، حيث تسعى للقضاء على الإرهاب، وتأكيد سيادتها والدفاع عن أراضيها ضد التهديدات الأجنبية، بما فى ذلك أى محاولة من جانب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا للتدخل عسكريًا فى النيجر. وقد طردت هذه الدول سفراء فرنسا، وعرقلت إلى حد كبير التعاون التنموى مع الدول الغربية الأخرى، وفى المقابل عززت العلاقات مع روسيا وتركيا وإيران. وتبيع موسكو للأنظمة الثلاثة المعدات العسكرية، ونشرت حوالى 1000 مقاتل فى مالى من خلال مجموعة فاجنر «فيلق أفريقيا»، وأرسلت مستشارين أمنيين إلى بوركينا فاسو والنيجر. من جانبها تؤكد ثانى نانا عائشة أنديا سفيرة النيجر فى مصر أن بلادها تعيش عصر وحقبة جديدة لاستعادة السيادة الكاملة للدولة، كما تعد مصالح النيجر واحترام الخيارات الاستراتيجية أساس رؤية الدولة فى علاقاتها مع جميع الشركاء، وأشارت إلى أن السلطات العليا اتجهت إلى تنويع شركاء الدولة بكل استقلالية، وذلك من خلال إنهاء وإدانة بعض الاتفاقيات التى تُعتبر غير مثمرة وغير مفيدة للبلاد ولشعبها. وأضافت أن بلادها تعمل على بناء تحالف دول الساحل، إلى جانب مالى وبوركينا فاسو، الذى أصبح (كونفدرالية دول الساحل).. وقد اتفق قادة دول الكونفدرالية على توحيد الجهود لتحقيق بعض الأهداف مثل الدفاع عن بلادهم وسلامتها، والحفاظ على أمنهم، والسيطرة على مواردهم الطبيعية، وكذلك توحيد جهودهم لمكافحة الإرهاب المدعوم والمفروض عليهم من قبل بعض القوى الأجنبية، تحت نظر المنظمة الإقليمية «إيكواس»، التى فضلت اتخاذ تدابير تهدف إلى خنق اقتصادهم ومعاقبة الشعوب، من خلال إجراءات جائرة غير عادلة وغير شرعية، بدلاً من تقديم المساعدة. وتبرر سفيرة النيجر انسحاب الدول ال3 من إيكواس، بعدم توافر سبب للحفاظ على تواجدها فى المجموعة الاقتصادية، خاصة بعد أن اختارت الأخيرة التدخل العسكرى لتفكيك البلاد وفرض حصار غير مسبوق على شعوبنا، وهو ما لم توافق عليه الأممالمتحدة. وتضيف: يجب أن تتحدث قارتنا بصوت واحد لتعزيز التشاور والتنسيق وتوحيد الجهود، والتبادلات التجارية داخل إفريقيا، وخاصة من خلال منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، للوصول لأهداف أجندة 2060. ومن المرجح أن يكون للانسحاب عواقب اقتصادية ودبلوماسية وأمنية خطيرة. فعلى مدار ما يقرب من 50 عامًا من وجودها، سهلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا حرية حركة الأشخاص والبضائع، حيث يحمل مواطنو الدول الأعضاء الخمسة عشر جواز سفر المجموعة، وهو الأمر الذى يجعل الانسحاب يعطل تدفقات المواطنين بينها. ويخلق خروج الدول الثلاث حالة من عدم اليقين بشأن وضع إقامة هؤلاء المواطنين، بالإضافة إلى أن آثار الانسحاب على التجارة والأنشطة الاقتصادية الأخرى لا تزال غير واضحة.