إصدار قوانين وتفعيل تشريعات تجرم التصدى للفتوى دون ترخيص أو تأهيل علمى معتمد من الجهات المختصة كان هو الحل الذى أجمع عليه تقريبا كل من أدلوا بدلوهم فى هذه القضية الشائكة والخطيرة وهى فوضى الفتاوى، والتى لم تعد مجرد فوضى عشوائية غير مقصودة وإنما أصبحت أمرا مقصودا لأهداف عدة أقلها إثارة البلبلة فى المجتمع. فقد أكدت دراسة لمؤشر الفتوى التابع لدار الإفتاء أن (33%) من فتاوى الشائعات والآراء الصادرة من قِبل الجماعات المتطرفة، كان يهدف لنشر الفوضى وبث الفرقة وزعزعة أمن المجتمعات. اقرأ أيضًا | خواطر الشعراوي | نصرة الحق عرض الدراسة د.طارق أبو هشيمة مدير المؤشر العالمى للفتوى فى ندوة دار الإفتاء الدولية المهمة والتى عقدت منذ أيام بعنوان «الفتوى والأمن الفكري» وهى الندوة التى أكدت الدور المهم للفتوى فى حفظ استقرار المجتمعات والأوطان. والتى فى ختامها دعا د.نظير عياد مفتى الجمهورية إلى سَنِّ قانون يحظر الإفتاء لغير المؤسسات الإفتائية والمتخصصين المؤهلين لذلك. يؤكد د.عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء أن العلماء هم القادرون على استنباط الفتاوى الدقيقة التى تتناسب مع تغيُّر الأزمنة والأماكن وأن الفتوى مرشدٌ هامٌّ للمسلمين فى عباداتهم ومعاملاتهم اليومية، وهى جزء لا يتجزأ من استقرار المجتمعات الإسلامية. وتكمن أهمية الفتوى فى إرساء الأمن الفكرى من خلال التصدى للمفاهيم المغلوطة والانحرافات الفكرية. وأشار إلى تأثير الفتوى على الأمن الفكري، وقد أدرك الناس خلال السنوات الأخيرة تأثير الفتوى على الأمن الفكري، وذلك على أثر انتشار الفتاوى غير المنضبطة التى تسبَّبت فى جدل بين العامة والخاصة؛ مما أثَّر سلبًا على استقرار الفكر المجتمعي، مثل فتاوى تسوية الميراث بين الرجل والمرأة أو نفى فرضية الحجاب وغيرها من الفتاوى التى تضر بالأمن الفكرى للمجتمع. ويشير إلى أن هناك مَن يتصدر للإفتاء دون مؤهلات علمية كافية، مما يؤدى إلى إصداره فتاوى مغلوطة. هؤلاء يُفتون بآراء لا تستند إلى دليل شرعي، بل يزعمون أنها الحق ويستندون إلى مفاهيم خاطئة، مما يخلق تباينًا فى الفَهم ويؤدى إلى التفرقة، ويؤدى إلى الفوضى الفكرية. ويشدد على أن الأمن الفكرى لن يتحقق إلا إذا انضبطت الفتوى وتوقَّفت عند حدودها الشرعية، ومن ثم يجب حصر الفتوى على مَن لديهم التأهيل العلمى من العلماء المعتبرين ومن خلال مؤسسات الإفتاء الرسمية فقط، وعدم السماح لغير المؤهلين بالتصدى لها. ويشدد د. حسن الصغير، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية على أهمية وضع ضوابط صارمة لتنظيم عملية الإفتاء، بما يسهم فى حماية الأمن الفكرى وضمان ترشيد الخطاب الدينى وهو ما يتطلَّب وجود تشريع صارم، ليس للإقصاء، ولكن لضمان أن تصدر الفتاوى فقط عن العلماء المتخصصين والمؤهلين علميًّا. ودعا إلى تدشين ميثاق شرف علميٍّ ودينى ملزم لجميع المؤسسات الدينية، إلى جانب عقد مؤتمر دولى دورى لضمان تنفيذ هذا الميثاق. وشدَّد على ضرورة مراقبة ومحاسبة كل من يتصدى للإفتاء دون امتلاك الخبرة اللازمة، للحفاظ على الأمن الفكرى وصون وعى المجتمعات الإسلامية. ويشير د.عطا السنباطى عميد كلية الشريعة والقانون إلى خطاب البعض الذى يدعى أن الفتوى حق متاح للجميع، دون اعتبار لتخصص العلماء، يتنافى مع قول الله تعالى: «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ». فعملية الاستنباط الشرعى ليست لكل أحد، بل هى مسئولية العلماء المتخصصين الذين تتوفر لديهم شروط العلم والتأهيل. ويقترح د.سامى عبد العزيز عميد كلية الإعلام الأسبق تنظيم حملة تسويقية عنوانها: «للفتوى الصحيحة أهلها» أو «للفتوى الصحيحة مكانها»، ونضع خلالها مصادر الفتاوى الرسمية الصحيحة بشرط أن يتمتع من يجيب على التساؤلات بمهارات وسائل التأثير والجذب. ويلفت د.وليد رشاد أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، إلى أن كثيرًا ممن يفتون عبر السوشيال ميديا يكون هدفهم تسليع الفتوى والكسب المادى دون النظر إلى طبيعة الفتوى أو الآثار المترتبة عليها؛ فالخطر الذى يهدد العالم الآن يدور حول التصارع التكنولوجى والمعلومات المضللة والخاطئة.. ويقترح تجميع المؤثرين عبر السوشيال ميديا داخل دار الإفتاء وإعادة تأهيلهم من جديد وتوجيه أفكارهم بطريقة صحيحة. وأوصى مؤشر الفتوى بوضع معايير واضحة لتأهيل المفتين، وتفعيل قوانين تجرّم التصدى للفتوى دون ترخيص أو تأهيل علمى معتمد من الجهات المختصة، والتعاون مع القنوات الإعلامية والمنصات الرقمية لتقديم برامج توعوية تشرح خطورة الفتاوى غير الموثوقة وتأثيرها على المجتمع، والترويج للمنصات المعتمدة للفتوى، والمزيد من التعاون بين المؤسسات الإفتائية الرسمية، والاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة وأدوات الذكاء الاصطناعى فى عرض الفتاوى، والاهتمام أكثر بالإفتاء الجماعي. أما من حيث تنظيم العمل الإعلامى المتعامل مع الفتوى، فناشد مؤشر الفتوى الإعلام بتسليط الضوء بشكل أكبر على العلماء المؤهّلين من المؤسسات الرسمية كالأزهر ودار الإفتاء فى وسائل الإعلام المختلفة، وتقديم برامج إعلامية دينية تناقش الفتاوى والقضايا الشرعية بشكل مبسط وسلس للناس، وجذب الجمهور بعيدًا عن الفتاوى غير الموثوقة، وتعليمهم الفرق بين الوظائف الدينية المختلفة والظهور الإعلامى واستخدامه جيدًا. ومن حيث تنمية الجانب التوعوى للجمهور المتلقى للفتوى، فأوصى المؤشر بضرورة معرفة كيفية التحقق من صحة الفتاوى من خلال عدة طرق ووسائل، ونشر الوعى المجتمعى حول الفتاوى الصحيحة، وتنفيذ حملات توعوية على مستوى المدارس والجامعات والمجتمع ككل حول كيفية الحصول على الفتوى من مصادر موثوقة، وتعزيز الفهم الدينى السليم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والنأى عن منابع الفتاوى العشوائية وغير المنضبطة واللجوء إلى المصادر الرسمية المعتمدة للإفتاء. وتختلف د.إلهام شاهين الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات وأستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، مع فكرة إصدار تشريعات وقوانين للحد من فتوى غير المتخصصين قائلة إنه إذا طبقناه داخل مصر لم نتمكن من تطبيقه على من هم خارج مصر، وإن المهم هو دورنا كمؤسسات إفتائية رسمية. واقترحت تدشين دار الإفتاء والأزهر منصة إلكترونية باسم «صحة فتوى» تبين زيف وكذب بعض الفتاوى المغلوطة وتحذير المواطنين منها، وتنظيم ورش عمل للإعلاميين المعنيين بالملف الدينى وتدريبهم وتأهيلهم على أهمية التأكد من مصادر الفتوى الصحيحة قبل نشرها للجمهور.