تسعة أشهر بالتمام كنتُ فيها رحَّالة بين القاهرةوأسيوط؛ لعلاج والدتى التى اختارها السرطان لينهش جسدها النحيل، وهى صائمةٌ لربها فى «رمضان» تنتظر الأجر، وتحتسب صيامها وقيامها لخالقها، عسى أن يتقبَّلها ممن اصطفاهم من عباده الأخيار.. كانت الرحلة شاقة على مثلى، كمهاجرٍ لعملى بالقاهرة إلى حضن العائلة بسوهاج أسبوعيًا، بينما هى خفيفة الوقع على من رَضى بقضاء الله وقدره، ورأى فيها ابتلاء المُحب لحبيبه حتى يجتبيه ويُقرِّبه إليه، فإذا ما اختاره ذهب للقائه طاهرًا نقيًا، نافضًا يديه من درن الدنيا وعبثها لدار المُستقر والخلود حيث لا ألم ولا تعب بعد اليوم. نعم؛ لم يكن الطبيب المُعالج بأفضل حالٍ من المريض، فكلاهما يمرض ويموت، وهى سُنة الحياة التى لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، فبعد معاناةٍ طويلة مع الكيماوى وتبعاته، رحلت والدتى راضيةً مُحتسبةً أن يكون مرضها فى ميزان أعمالها، وأن يتقبَّلها ربُّها مع النبيين والصديقين والشهداء وحَسن أولئك رفيقًا. اليوم، ودَّعت بابَ كرمٍ وهبنى الله إياه طيلة عمرى برحيلها، لهذا أدعوه بأن يكون رحيمًا بها، وأن يُعاملها بما هو أهله، فقد استودعتها عند مَن لا تضيع عنده الودائع، كما أدعوه بألا يُغلق باب الرحمة فى وجهى، وأن تُفتح أبواب سمائه على مصاريعها لتشملنى بعد فقد والدىَّ. لا يفوتنى تقديم التحية لمن كان اختيارهم لخدمة المواطنين موفقًا وفى محله، خاصةً صاحب الفقراء وخادمهم د. محمد زيدان، رئيس المجالس الطبية المتخصصة، الذى لا يكل ولا يمل خدمة المصريين على مدار الساعة، وحريصٌ على وصولها بسرعةٍ لمستحقيها، ثم للقائمين على «أورام أسيوط»، الذين يتعاملون مع قدرٍ لا بأس به من المرضى، جعل الله أياديهم دائمًا بيضاء على شعب مصر وأهلها. تبقى رسالتى الأخيرة التى وددت أن أبعث بها على جناحى السرعة إلى أولئك الرفاق الذين غمرونى بكرمهم، وشملونى برعايتهم بعد الله فى مِحنتى، لأُقدِّم لهم شكرى الذى تعجز عن وصفه الكلمات، وهم أساتذتى وأصدقائى وإخوتى بالقاهرةوأسيوط، الذين تقاسموا معى الاختبار، فكانوا سندًا وعضدًا وعصا اتَّكأتُ عليها بكل قوتى.